تأملات في فلسفة الحب
الأحد / 27 / ذو القعدة / 1443 هـ الاحد 26 يونيو 2022 02:06
وفاء الرشيد
تحدثت في الأسبوع الماضي عن الجمال من منظور تأصيلي، أبرزت فيه قيمة الجمال المحورية في تراثنا الثقافي وتجربتنا التاريخية والمجتمعية.
ها أنا اليوم أتحدث عن موضوع قريب من هذا المفهوم، وإن كان من الصعب تحديده وتعريفه. زكريا إبراهيم الفيلسوف المصري كتب قبل عقود كتاباً مهماً بعنوان «مشكلة الحب»! بدأه بالقول إن الحب مثل النور، كل أحد يعرفه لكن ليس بمقدور أحد «أن يقطع على وجه التحديد العناصر التي يتكون منها».
كتب العرب الكثير حول الحب شعراً ونثراً، واشتهرت على نطاق واسع قصص المحبين الذين ماتوا عشقاً وكلفاً إلى حد انتشار الأساطير الكثيرة في الموضوع.
أفلاطون وأرسطو إلى سارتر الفلاسفة أغلبهم كتبوا الكثير في الحب.. وحاولوا تعريفه من منطلقين متمايزين: إما النظر إليه من زاوية الرغبة والاشتياق أو من زاوية الأهواء والمشاعر النفسية!
في الحالتين، تغيب تجربة الحب في أبعادها العميقة الساحرة المتمردة على كل القيود.. يغيب الحب في كل تعاريفه من حيث كونه صلة تعلق بالآخر تخرج الإنسان من أنانيته وانغلاقه على نفسه ليكتشف المطلق واللا متناهي في الآخر.. وآخ منك يا حب.
الحب هو ما يجعل الإنسان منتمياً بقوة إلى كيان يحتضنه ويستوعبه، منتمياً بكل تجرد واستسلام.. ومن هنا التحدي الكبير الذي يطرحه السياق المؤسسي للحب! بمعنى الروابط التي يراد لها أن تقنن الحب وتخرجه من قوته وتدفقه وسيلانه الكثيف، سواء تعلق الأمر بالأسرة أو بيت الزوجية أو حتى الأمة والوطن.
فإذا كان الحب في حقيقته مدى مطلقاً لا يمكن الحد منه أو تقليصه أو تجسيده في هياكل شكلية، فإن الثقافة البشرية اتجهت في الغالب إلى ترويضه وتطويعه وتفكيك خطره! وكأن للحب خطراً على قلوب تتشفقه.
ماذا يقول الشاعر؟ كثيراً ما نقرأ في بوح الشعراء أن المحب الحقيقي هو من ينفي ذاته ويلغي هويته حتى لا يرى نفسه إلا في مرآة الآخر. في هذا الباب يقول الأديب المعروف مصطفى صادق الرافعي: «لا يصح الحب بين اثنين إلا إذا أمكن أن يقول أحدهما للآخر: يا أنا»..الله.. الله.
ذلك مضمون أطلق عليه المتصوفة «الفناء»، ومع أنهم قصدوا به ذوبان إرادة العبد في القدر الإلهي إلى مقام الرضا والتسليم الذي لا يبلغ إلا بالحب، إلا أنهم في الوقت نفسه أدركوا أن تجربة الحب تنبع من عالم البشر وأهوائهم وعواطفهم.
المرأة وما أداركم بالمرأة، هي من هذا المنظور ترمز لمعاني اللطف والأنس والود، وهي معانٍ إنسانية رحبة وواسعة، فقد قال بها الجاحظ إن «المرأة أرفع حالاً من الرجل؛ لأنها هي التي تخطب وتراد، وتعشق وتطلب، وهي التي تفدى وتحمى».
صحيح أن تجربة الحب في تراثنا الأدبي والفكري كما لاحظ العديد من الباحثين، تعاملت مع المرأة كموضوع للطلب والوصال دون الاعتراف بكامل جوانبها الإنسانية، إلا أن العشق النسوي في ذاته لم يكن من الممنوعات، ويكفي أن كبار أعلامنا الفقهاء والمفتين كتبوا في الحب وحال المحبين أمثال ابن حزم والغزالي والسيوطي.. لقد تعاملوا مع الحب كتجربة إنسانية ليست في ذاتها موضوع إدانة أو تحريم على عكس بعض الأدبيات اللاهوتية من تراث ديني مغاير، نظرت بعين سلبية للاشتياق والعشق.
ولنختم مقالنا عن الحب بالمرأة بقول ابن عربي: «شهود الحق في المرأة أتم وأكمل.. وهو أعظم شهود وأكمله».
ها أنا اليوم أتحدث عن موضوع قريب من هذا المفهوم، وإن كان من الصعب تحديده وتعريفه. زكريا إبراهيم الفيلسوف المصري كتب قبل عقود كتاباً مهماً بعنوان «مشكلة الحب»! بدأه بالقول إن الحب مثل النور، كل أحد يعرفه لكن ليس بمقدور أحد «أن يقطع على وجه التحديد العناصر التي يتكون منها».
كتب العرب الكثير حول الحب شعراً ونثراً، واشتهرت على نطاق واسع قصص المحبين الذين ماتوا عشقاً وكلفاً إلى حد انتشار الأساطير الكثيرة في الموضوع.
أفلاطون وأرسطو إلى سارتر الفلاسفة أغلبهم كتبوا الكثير في الحب.. وحاولوا تعريفه من منطلقين متمايزين: إما النظر إليه من زاوية الرغبة والاشتياق أو من زاوية الأهواء والمشاعر النفسية!
في الحالتين، تغيب تجربة الحب في أبعادها العميقة الساحرة المتمردة على كل القيود.. يغيب الحب في كل تعاريفه من حيث كونه صلة تعلق بالآخر تخرج الإنسان من أنانيته وانغلاقه على نفسه ليكتشف المطلق واللا متناهي في الآخر.. وآخ منك يا حب.
الحب هو ما يجعل الإنسان منتمياً بقوة إلى كيان يحتضنه ويستوعبه، منتمياً بكل تجرد واستسلام.. ومن هنا التحدي الكبير الذي يطرحه السياق المؤسسي للحب! بمعنى الروابط التي يراد لها أن تقنن الحب وتخرجه من قوته وتدفقه وسيلانه الكثيف، سواء تعلق الأمر بالأسرة أو بيت الزوجية أو حتى الأمة والوطن.
فإذا كان الحب في حقيقته مدى مطلقاً لا يمكن الحد منه أو تقليصه أو تجسيده في هياكل شكلية، فإن الثقافة البشرية اتجهت في الغالب إلى ترويضه وتطويعه وتفكيك خطره! وكأن للحب خطراً على قلوب تتشفقه.
ماذا يقول الشاعر؟ كثيراً ما نقرأ في بوح الشعراء أن المحب الحقيقي هو من ينفي ذاته ويلغي هويته حتى لا يرى نفسه إلا في مرآة الآخر. في هذا الباب يقول الأديب المعروف مصطفى صادق الرافعي: «لا يصح الحب بين اثنين إلا إذا أمكن أن يقول أحدهما للآخر: يا أنا»..الله.. الله.
ذلك مضمون أطلق عليه المتصوفة «الفناء»، ومع أنهم قصدوا به ذوبان إرادة العبد في القدر الإلهي إلى مقام الرضا والتسليم الذي لا يبلغ إلا بالحب، إلا أنهم في الوقت نفسه أدركوا أن تجربة الحب تنبع من عالم البشر وأهوائهم وعواطفهم.
المرأة وما أداركم بالمرأة، هي من هذا المنظور ترمز لمعاني اللطف والأنس والود، وهي معانٍ إنسانية رحبة وواسعة، فقد قال بها الجاحظ إن «المرأة أرفع حالاً من الرجل؛ لأنها هي التي تخطب وتراد، وتعشق وتطلب، وهي التي تفدى وتحمى».
صحيح أن تجربة الحب في تراثنا الأدبي والفكري كما لاحظ العديد من الباحثين، تعاملت مع المرأة كموضوع للطلب والوصال دون الاعتراف بكامل جوانبها الإنسانية، إلا أن العشق النسوي في ذاته لم يكن من الممنوعات، ويكفي أن كبار أعلامنا الفقهاء والمفتين كتبوا في الحب وحال المحبين أمثال ابن حزم والغزالي والسيوطي.. لقد تعاملوا مع الحب كتجربة إنسانية ليست في ذاتها موضوع إدانة أو تحريم على عكس بعض الأدبيات اللاهوتية من تراث ديني مغاير، نظرت بعين سلبية للاشتياق والعشق.
ولنختم مقالنا عن الحب بالمرأة بقول ابن عربي: «شهود الحق في المرأة أتم وأكمل.. وهو أعظم شهود وأكمله».