كتاب ومقالات

حزني عليك مختلف يا علوي الصافي

حمود أبو طالب

«لم أستفد من هذه الدنيا سوى التعب، لكنه تعب مريح». هذه العبارة قالها الأستاذ علوي طه الصافي رحمه الله في آخر حوار تلفزيوني معه، بعد غياب طويل عن الإعلام والأضواء والمجتمع بسبب مرضه وعزلته وزهده في كل شيء، ما عدا كبرياءه وأنفته وشموخ روحه واعتزازه بذاته.

يوم أمس رحل علوي الصافي، كنت أعرف أن حالته الصحية حرجة بعد زيارته في المستشفى قبل أسبوعين، لم يعرفني وهو يتأوه، كان في أشد مرحلة من مرضه، لكننا كنا جميعاً نتشبث بخيط أمل واهن. هذه اللحظة صدمني خبر وفاته، نعم صدمني بقوة وعنف رغم أنه كان متوقعاً، كونه لم يعد في استطاعتك رؤية إنسان تحبه فجيعة لا حدود لها، وعندما يكون بينكما زمن طويل من الحياة الجميلة والتفاصيل الحميمة التي لا يمكن أن تتكرر مع غيره، فذلك منتهى الوجع.

عرفت علوي الصافي في مرحلة مبكرة من عمري كصديق لوالدي رحمه الله، لكن علاقتي الحقيقية معه بدأت خلال دراستي الجامعية في الرياض عندما كان رئيساً لتحرير مجلة الفيصل، هو الذي أسسها ومنحها كل وقته وفكره وأعصابه وقلقه، كانت تمثل له التحدي الأكبر الذي لا يقبل أقل من التميز. بدأ مسيرة مجلة الفيصل بعد مرحلة سبقتها كنجم ساطع في الإعلام والكتابة الصحفية، وكتب أيضاً القصة وألّف في أدب الطفل، وما زالت مجموعته القصصية «إسبانية تحسب قلبي بئر بترول» مطبوعة في ذاكرتي، وما زال كثير من مقالاته الاجتماعية اللاذعة والأدبية الفاخرة تنبض في جزء عزيز من مكتبتي.

انتشلني علوي الصافي من أشد لحظات حياتي حزناً وتعاسة بعد وفاة والدي وأنا في بداية دراستي في كلية طب الرياض، كدت أن أغرق في دوامة لا نهاية لها، لكنه مارس معي دور الأب الناصح الحازم، وعندما اطمأن بأنني نهضت وتجاوزت ومضيت في مسيرتي أصبح الأخ الأكبر ثم الصديق الأعز والخل الأوفى.

كان علوي الصافي من جيل الكبار في الصحافة والأدب والثقافة، غادر مجلة الفيصل وهي في مقدمة مجلات العالم العربي، وبعد مغادرتها احتفظ بفخره بذلك الإنجاز، واستنكفت نفسه أن تكون في أي مكان بعد تلك القمة. اعتزل وداهمه مرض شرس قاومه حتى تعب، ولربما هذا سبب قوله إنه لم يستفد من هذه الدنيا سوى التعب، لأنه لم يكن يطمح إلى مال أو جاه، ولم يكن يتزلف أو ينافق أو يتقرب لأجل الفوز بشيء من حطام الدنيا.

عاش علوي الصافي شامخاً ورحل كذلك. إلى جنة الخلد يا أبا صافي.