يا فرحة ما دامت
الجمعة / 02 / ذو الحجة / 1443 هـ الجمعة 01 يوليو 2022 01:29
علي بن محمد الرباعي
حرص (مسرور) على إتمام الخدمة إلى سن التقاعد النظامي، أملاً وتطلعاً في حقوق تتجاوز مائة وثمانين ألف ريال، ومكافأة نهاية خدمة تعادل راتب ثلاثة شهور، فيما سيصفى راتبه التقاعدي؛ على خمسة عشر ألف ريال، ولم تنتابه مشاعر مضطربة وغير مألوفة؛ إلا في الأسبوع الأخير من شهر جمادى الثانية، ذلك الأسبوع كان الأخف وأثقل أسابيع الدوام عليه؛ منذ ما يزيد على خمسة وثلاثين عاماً، قضاها في انضباط، واحترام للزملاء، وتعززت صداقات، وتوطدت أواصر تقدير متبادل.
حفل الأسبوع الأخير بكل المتناقضات، ضحك فيه فرحاً بالخلاص، والخروج بصفحة ناصعة، وحزن وبكى كلما تذكر الزمالة والرفقة ومن مرض ومن مات من معارف وزملاء، وغضب أنه سيلزم البيت لا شغلة ولا مشغلة، ورضي أنه سيرتاح من قومة الصبح وزحام الشوارع، وتحدث كثيراً وصمت طويلاً، وانتبه لمجالسيه، وسرّح بفكره عنهم، ما أطول الأسبوع الأخير عليه وما أقصره.
علِم زميله (سرّار) الذي سبقه إلى التقاعد، بما يعانيه الزميل، فدعاه لعشاء في الاستراحة، والاستمتاع بليلة خارج إطار الرسميات، وسرعان ما لبّى الدعوة، علّها تنتشله من دوامة الربكة غير المعهودة، وليت ما تأخر تقدم، فالاستراحة المبنية على مساحة خضراء، بها مسبح، ونوافير ماء، وأقفاص طيور لا تتوقف عن التغريد، وليلتها لقي من الحفاوة والعناية ما أبهجه، وأنساه همه؛ ما دفعه لدعوة الجميع للعشاء على حسابه في الليلة التالية، فالنفس لها واجب وعليها واجب، وبالفعل، أعطى (عُمدة الشلة) مبلغاً يفي بمتطلبات العشاء والسهرة.
كثّر الجميع بالخير، وأثناء تناول الشاي والقهوة؛ ولعب الورق، دار الحديث، حول مستقبل رفيقهم الأحدث انضماماً لنادي المتقاعدين، فلا بد من انتشاله من بؤرة الاكتئاب المحتمل، وإشغاله في أنشطة تعود عليه بالمتعة والسعادة، وسلّم (مسرور) نفسه، لشِلّة الأنس، فهي الأخبر والأدرى، وتطوّع الرفاق برسم خارطة الطريق لما تبقى له من مستقبل، فطلب منه زميله الدلّال أن يخصص خمسين ألف ريال عربوناً يدفعه في قطعة أرض بمخطط جديد في إحدى المدن، وتعهد له زميل خبير بثلاثمائة ريال أرباحاً أسبوعية، إن هو أعطاه عشرة آلاف ريال مساهمة في تجارة بيع وشراء. فيما اقترح الثالث يشوف له عروساً يجدد بها شبابه، والمهر والزواج ما يكلفه ثلاثين ألف ريال، وقال أشبّهم؛ وخصص لي عشرين ألفاً للسفريات.
عاد من الاستراحة للبيت، ومسرور ما هو مسرور؛ فالرجال ليس على الحال التي خرج بها، ولاحظت عليه زوجته أنه دخل سرير النوم بثوبه وغترته، وسرى به الليل يتقلّب؛ ولم يعرف للكرى طعماً، ولا غمض له جفن، وعندما سمع أذان الفجر قام و فرد السجادة، وكاد يصلي دون وضوء، فنبهته الزوجة فقطع الصلاة، وتعوّذ من إبليس، وتوضأ وصلى.
عاد (مسرور) للفراش، وكلما وقع وجهه بوجه زوجته انقلب للجهة الأخرى، مخافة أن تقرأ أفكاره من ملامحه، قلّبها في رأسه، وما طلعت الشمس، حتى هاتف الأصدقاء، ودعاهم للإفطار في أشهر مطاعم الفول، وأقسم ما يشربون الشاي إلا في الغابة، وهناك اعتذر عن فكرة الزواج الرسمي، فأقنعوه بالمسيار، وعدّدوا محاسنه، فقال: أعطوني مُهلة، وبالفعل حسبها واقتنع، فطلب منهم حساباتهم البنكية، وحوّل مبلغاً للعمدة للمساهمات العقارية، ومبلغاً للسفريات، ومبلغاً للمسيار، ومبلغ المساهمات، وأبقى مبلغاً للطوارئ.
بدأ بالمسيار، ووجده غير مكلف، وسرعان ما قال: طفشت. فقالوا: طلقها، وغيّرها! واقترح العمدة، أن يبدأ رحلة سفر لخارج الوطن، فتمم، وشاف اللي ما توقع يشوفه. وقال في نفسه: (أبرك ساعة يوم طاوعت الرفاقة) راحة البال، وانشراح الصدر، وعافية بدن، وخلو القلب من الهموم.
وبنهاية العام الأول أبلغه سمسار الأراضي، أن نزاهة قبضت على تاجر العقار كون مخطط الأراضي على أملاك دولة والله يعوّض عليه فيما دفع، فردد (يا لهفي لهفاه)، واتصل به صاحب المساهمات، وأبلغه أن الدولة صادت عميد المساهمات، فقال (يا حسفي حسفاه) وأبلغه العمدة أن آخر زوجة اقترن بها مسيار تعاني أمراضاً تناسلية، فليفحص نفسه، قبل ما يعدِي زوجته، فصاح (هذي محوّقة البراطم يا مسرور).
ومضى عامان يقضي يومياته وحيداً..لا أموال، ولا أصدقاء، ولا وقت كافياً لمعاودة الركض، وتعويض ما فات، واكتشف أن لذة الحياة ليست في إسعاد النفس وإشقاء الآخرين، ولا الطمع في مكاسب غير مشروعة، ولا بخيانة الضمير والوطن، فغدا يوزّع الوصايا (لا داعي للعيش بقناعات الآخرين، ومن الضروري حماية نفسك من بعض الأصدقاء).
أبلغني (مسرور) أن العمدة اتصل به أمس، وقال: وش أبشرك به؟ تم تعيينك رئيساً لقروب واتساب، ولك كامل صلاحية الحذف والإضافة.
حفل الأسبوع الأخير بكل المتناقضات، ضحك فيه فرحاً بالخلاص، والخروج بصفحة ناصعة، وحزن وبكى كلما تذكر الزمالة والرفقة ومن مرض ومن مات من معارف وزملاء، وغضب أنه سيلزم البيت لا شغلة ولا مشغلة، ورضي أنه سيرتاح من قومة الصبح وزحام الشوارع، وتحدث كثيراً وصمت طويلاً، وانتبه لمجالسيه، وسرّح بفكره عنهم، ما أطول الأسبوع الأخير عليه وما أقصره.
علِم زميله (سرّار) الذي سبقه إلى التقاعد، بما يعانيه الزميل، فدعاه لعشاء في الاستراحة، والاستمتاع بليلة خارج إطار الرسميات، وسرعان ما لبّى الدعوة، علّها تنتشله من دوامة الربكة غير المعهودة، وليت ما تأخر تقدم، فالاستراحة المبنية على مساحة خضراء، بها مسبح، ونوافير ماء، وأقفاص طيور لا تتوقف عن التغريد، وليلتها لقي من الحفاوة والعناية ما أبهجه، وأنساه همه؛ ما دفعه لدعوة الجميع للعشاء على حسابه في الليلة التالية، فالنفس لها واجب وعليها واجب، وبالفعل، أعطى (عُمدة الشلة) مبلغاً يفي بمتطلبات العشاء والسهرة.
كثّر الجميع بالخير، وأثناء تناول الشاي والقهوة؛ ولعب الورق، دار الحديث، حول مستقبل رفيقهم الأحدث انضماماً لنادي المتقاعدين، فلا بد من انتشاله من بؤرة الاكتئاب المحتمل، وإشغاله في أنشطة تعود عليه بالمتعة والسعادة، وسلّم (مسرور) نفسه، لشِلّة الأنس، فهي الأخبر والأدرى، وتطوّع الرفاق برسم خارطة الطريق لما تبقى له من مستقبل، فطلب منه زميله الدلّال أن يخصص خمسين ألف ريال عربوناً يدفعه في قطعة أرض بمخطط جديد في إحدى المدن، وتعهد له زميل خبير بثلاثمائة ريال أرباحاً أسبوعية، إن هو أعطاه عشرة آلاف ريال مساهمة في تجارة بيع وشراء. فيما اقترح الثالث يشوف له عروساً يجدد بها شبابه، والمهر والزواج ما يكلفه ثلاثين ألف ريال، وقال أشبّهم؛ وخصص لي عشرين ألفاً للسفريات.
عاد من الاستراحة للبيت، ومسرور ما هو مسرور؛ فالرجال ليس على الحال التي خرج بها، ولاحظت عليه زوجته أنه دخل سرير النوم بثوبه وغترته، وسرى به الليل يتقلّب؛ ولم يعرف للكرى طعماً، ولا غمض له جفن، وعندما سمع أذان الفجر قام و فرد السجادة، وكاد يصلي دون وضوء، فنبهته الزوجة فقطع الصلاة، وتعوّذ من إبليس، وتوضأ وصلى.
عاد (مسرور) للفراش، وكلما وقع وجهه بوجه زوجته انقلب للجهة الأخرى، مخافة أن تقرأ أفكاره من ملامحه، قلّبها في رأسه، وما طلعت الشمس، حتى هاتف الأصدقاء، ودعاهم للإفطار في أشهر مطاعم الفول، وأقسم ما يشربون الشاي إلا في الغابة، وهناك اعتذر عن فكرة الزواج الرسمي، فأقنعوه بالمسيار، وعدّدوا محاسنه، فقال: أعطوني مُهلة، وبالفعل حسبها واقتنع، فطلب منهم حساباتهم البنكية، وحوّل مبلغاً للعمدة للمساهمات العقارية، ومبلغاً للسفريات، ومبلغاً للمسيار، ومبلغ المساهمات، وأبقى مبلغاً للطوارئ.
بدأ بالمسيار، ووجده غير مكلف، وسرعان ما قال: طفشت. فقالوا: طلقها، وغيّرها! واقترح العمدة، أن يبدأ رحلة سفر لخارج الوطن، فتمم، وشاف اللي ما توقع يشوفه. وقال في نفسه: (أبرك ساعة يوم طاوعت الرفاقة) راحة البال، وانشراح الصدر، وعافية بدن، وخلو القلب من الهموم.
وبنهاية العام الأول أبلغه سمسار الأراضي، أن نزاهة قبضت على تاجر العقار كون مخطط الأراضي على أملاك دولة والله يعوّض عليه فيما دفع، فردد (يا لهفي لهفاه)، واتصل به صاحب المساهمات، وأبلغه أن الدولة صادت عميد المساهمات، فقال (يا حسفي حسفاه) وأبلغه العمدة أن آخر زوجة اقترن بها مسيار تعاني أمراضاً تناسلية، فليفحص نفسه، قبل ما يعدِي زوجته، فصاح (هذي محوّقة البراطم يا مسرور).
ومضى عامان يقضي يومياته وحيداً..لا أموال، ولا أصدقاء، ولا وقت كافياً لمعاودة الركض، وتعويض ما فات، واكتشف أن لذة الحياة ليست في إسعاد النفس وإشقاء الآخرين، ولا الطمع في مكاسب غير مشروعة، ولا بخيانة الضمير والوطن، فغدا يوزّع الوصايا (لا داعي للعيش بقناعات الآخرين، ومن الضروري حماية نفسك من بعض الأصدقاء).
أبلغني (مسرور) أن العمدة اتصل به أمس، وقال: وش أبشرك به؟ تم تعيينك رئيساً لقروب واتساب، ولك كامل صلاحية الحذف والإضافة.