كتاب ومقالات

والله في المشمش!

ريهام زامكه

قررت اليوم أن أحكي لكم حكاية قديمة حصلت في إحدى البلدان العربية، عندما قرر صديقان أن يتشاركا في التجارة لاستثمار أموالهما، واختارا تجارة الفاكهة ليبيعاها في السوق.

لكن أخل أحد الشريكين بما اتفقا عليه، وبدلاً من أن يشارك في البيع ضايق صديقه الآخر في التجارة. ففي اليوم الأول وقف الصديقان على «عربة للمشمش» فأخذ أحدهما يبيع للناس، بينما كان الآخر منشغلاً بأكل المشمش بنهم شديد.

وكل ما باع الرجل كيلو من المشمش، أكل صديقه كيلو آخر، وقد تضايق الرجل ولم يعجبه الوضع خصوصاً أن صديقه كان (مشفوحاً) على الآخر.

فقال لصديقه لا يمكن أن يستمر الحال هكذا، ثم اقترح عليه أن يبيعا عنباً بدلاً من المشمش؛ لأنه كان على أمل أن صديقه لن يستطيع أكل عناقيد العنب مثلما يأكل المشمش.

وفي اليوم التالي ذهبا إلى السوق بعربة العنب، وأيضاً راح الرجل يبيع للناس العنب، بينما صديقه يأكل منه، وبدل من أن يأكل العنب بالحبة كان يلتهم العنقود كاملاً.

فانزعج شريكه من الأمر وقال له: أكل العنب (حبة حبة) يا صديقي، فرد عليه صديقه قائلاً: لا يا حبيبي، حبة حبة هذه كانت في المشمش. ومن يومها أصبحت (في المشمش) مثلاً يستعمله الناس حتى وقتنا هذا.

وفي وقتنا هذا؛ يمكننا إسقاط هذا المثل مثلاً على عودة الحراك الصحوي في مجتمعنا، وعودة تلك الحقبة الكئيبة التي دفنتنا بالحياة وحرمتنا من أبسط حقوقنا الإنسانية، ونستطيع أن نقول: هذا (في المشمش).

ويمكننا أيضاً استخدامه لمعارضي عمل المرأة، وقيادتها، ومحاربي نجاحها ونقول لهم (بالفم المليان) وأدها وتعنيفها واستغلالها وطمس هويتها اليوم صار أيضاً (في المشمش).

وكذلك يمكننا إسقاطه على الجماعة التي تكره الحياة ولا تحبها، فتحارب كل سُبل الترفيه، وتحاول الخلاص من جميع الفنون، والفنانين، والرسامين، والممثلين، والمنتجين، والمصورين، والمبدعين، وتحاربهم و(تكسر مجاديفهم)، لكن أيضاً اليوم نستطيع أن نقول لهم: (في المشمش).

ولا أنسى بالطبع (فئة الصحونج) الذين حرّموا الفنون الجميلة والموسيقى التي تُغذي الروح وتُهذبها، هؤلاء الذين كانوا يقومون بتكسير المعازف والآلات الموسيقية ويخربون أي حفل أو مناسبة يكون فيها موسيقى وغناء وفنانون ونستطيع أن نقول: هذا (في المشمش).

والله لا يذكرهم بالخير (خفافيش الظلام) محتسبي معرض الكتاب الذين كانوا يُجاهدون كل عام ويقاتلون في (غزوة ذات الكِتّاب) ويطالبون بمنعه وهُم لا يقرؤون، وهذا بسبب جهلهم وغلوهم وتطرفهم، ولأنهم كانوا يرون أن في هذا المعرض يحصل اختلاط ما بين الجنسين والحمد لله كل هذا (العَك) حصوله اليوم أصبح (في المشمش).

وفي الواقع لا ننسى الجماعة الذين كانوا يقتحمون خصوصيات الناس، ويقيدون حرياتهم وتصرفاتهم بغير وجه حق، ويأمرونهم بالمعروف وقد ينسون أنفسهم، ويتدخلون فيما لا يعنيهم، ويفرضون على الناس وصايتهم وكأنهم ملائكة الله في أرضه، ولكن اليوم نستطيع أن نقول: هذا (في المشمش).

وأخيراً حسب (الرؤية الواضحة) و(على بلاطة) اختصاراً لكل الكلام؛ الحمد لله على نعمة (محمد بن سلمان).

وقبل أن أودّعكم وأقول لكم (باي باي) أعرف أنكم تنتظرون مني مقالاً آخر يوم الجمعة القادمة، لكن اعذروني والله لأن هذا سيكون (في المشمش)!