كتاب ومقالات

ادعموا الفضيلة.. لمحاربة الشذوذ والرذيلة

يوسف بن طراد السعدون

لا يتوفر الدعم المأمول للمنظمات غير الحكومية الدولية التي تدافع عن قيم الأسرة وتعزيز دورها، ولا تحظى بنشر وترويج المعلومات الوافية عنها. ومن أبرز تلك المنظمات، منظمة حماية الأسرة العالمية (Family Watch International) التي تأسست بأمريكا ١٩٩٩، وتسعى إلى الحفاظ على الزواج بين الرجل والمرأة، ومناهضة الشذوذ والإجهاض، وحماية حقوق الوالدين. وقد عرفت على المستوى الدولي كقائد عالمي لدعم الحركة المؤيدة للأسرة، ولديها أنصار في ١٧٠ دولة يمثلون مختلف الثقافات والأديان. وتعمل المنظمة على تحقيق سياساتها من خلال: مراقبة وتحليل السياسات والقرارات المؤثرة على الأطفال والأسر، والمشاركة بمؤتمرات الأمم المتحدة والمفاوضات الدولية وتنسيق جهود الدفاع عن الأسرة لضمان حماية مصالحها بمضامين الوثائق والقرارات الدولية.

بينما تتلقى حركة الشذوذ دعما سياسيا وماليا وإعلاميا لا محدودا من الحكومات ووسائل الإعلام وبعض الشركات والبنوك في الغرب، دونما أي اعتبار للقيم والتشريعات التي ترفض هذا العبث بالفطرة الإنسانية الذي يقود الى تحطيم البناء الأسري وانقراض العنصر البشري.

فبالنسبة للدعم المالي أوضح التقرير الوطني لحركة الشواذ بأمريكا للعام ٢٠١٨ أن إجمالي إيراداته للعام المالي ٢٠١٧ بلغت ٢٧٠ مليون دولار. وأورد موقع (FundsForNGOs) الإلكتروني أن الدعم لبرامج الشذوذ دوليا يكتسب زخما كبيرا حاليا مع ازدياد اهتمام المتبرعين بالقضايا التي ينادي بها دعاة ذلك الحراك. وأبرز المؤسسات والصناديق التي مولت برامج حركة الشذوذ عالميا، كانت:

مؤسسة اليهود الأمريكان للخدمة العالمية (American Jewish World Service)،

مؤسسة اركوس الأمريكية (Arcus Foundation)،

وقف باري ومارتن البريطاني (Barry and Martin’s Trust)،

مؤسسة فورد الأمريكية (Ford Foundation)،

مؤسسة هيفوس الهولندية (Hivos Foundation).

والدعم السياسي يتجلى بمخاطبة الرئيس الأمريكي بايدن لمجتمع الشواذ ٩ فبراير ٢٠٢٢، قائلا «أنا أحميكم، وستواصل إدارتي الكفاح من أجل الحماية والسلامة التي تستحقونها». وكلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة ٢١ سبتمبر ٢٠٢١، عندما قال إن أمريكا سوف تدافع عن «الحرية والمساواة لحقوق الشواذ حتى يتمكنوا من ممارسة الحياة والحب بحرية ودون خوف بمختلف دول العالم». وتأكيد الخارجية الأمريكية ببيانها المنشور ١٧ مايو ٢٠٢٢ «أن حقوق الإنسان للشواذ هي نفس حقوق الإنسان لجميع الأشخاص، والتزام أمريكا بإنهاء التعصب والتمييز ضد الشواذ».

وذلك ما مكّن حركة الشذوذ من الانتشار ليس فقط في أمريكا وأوروبا بل عالميا، وأدرجت مطالبهم على قائمة أولويات القضايا التي تهتم بها حكومات الغرب ضمن علاقاتها مع الدول الأخرى أو بنطاق المنظمات الدولية. والصرخة التي أطلقتها صحيفة واشنطن تايمز ٢٧ يونيو ٢٠٢٢ بمقالها «المدارس تسرق حقوق الوالدين وتتسبب بأضرار دائمة على الأطفال» تعبر عن حجم المعاناة التي تعيشها الأسر الأمريكية حاليا بسبب تمادي حركة الشذوذ، حيث ورد بالمقال «أن المدارس العامة أصبحت مراكز لتلقين العقائد التحررية. فعندما تخطو داخل المدرسة سيقابلك علم الشواذ لتشجيع الطلاب على منح ولائهم لمفاهيم الشذوذ، بدلا من المثل العليا التي يمثلها العلم الوطني». بل إن التشاؤم وصل الى الحد الذي دفع البرلمانية الأمريكية السيدة مارجوري تايلور غرين لتغرد ٣١ مايو ٢٠٢٢ قائلة «سوف ينقرض الناس المستقيمون ويصبح الجميع شواذا، تقريبا خلال ٤ إلى ٥ أجيال قادمة».

والتساؤل المحير هنا، لماذا هذا الاندفاع الجارف لأمريكا وأتباعها لمساندة الشذوذ؟ فادعاءاتهم بحماية حقوق الإنسان لا تؤخذ محمل الجد، لسببين مهمين هما: الشذوذ يناهض أساسا حقوق الإنسان لأنه يؤدي الى وقف التناسل، كما أنهم آخر من يحمي حقوق الإنسان بدلالة تنامي الجريمة والاغتصاب والعنصرية والتشرد لديهم ولم يعيروها الاهتمام. فهل بالتالي إذن هناك مخطط استراتيجي للهيمنة صاغته مراكز الفكر الأمريكية مستغلة الشذوذ كقميص عثمان؟

محاور ذلك المخطط ستكشفه السنوات القادمة، وقد يسفر الأمر عن اندثاره إذا ما انقلب السحر على الساحر، بسيطرة الشواذ على مفاصل التحكم بالغرب، وكلا الأمرين بلاء وزعزعة للاستقرار العالمي. وعلى الدول العربية والإسلامية إذا ما أرادت العزة والنماء والاستقرار أن تكون مواقفها صلبة، معتزة بهويتها في مواجهة هذه التيارات الهدامة، كموقف سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان السامي عند تصريحه لمجلة (ذا اتلانتك) في ٣ مارس ٢٠٢٢ عندما قال «إن المملكة قائمة على الإسلام والثقافة العربية والسعودية ومعتقداتها، وهي روحنا، إذا ما تخلصنا منها فإن هذا يعني انهيار البلد». كما أن على الجميع السعي الى:

(1) بلورة استراتيجيات وطنية متكاملة لمواجهة تمدد حركة الشذوذ، تمكن من تعزيز الفضيلة وتحصين المجتمع من كافة البرامج الرامية لنشر الرذيلة وترويجها سواء تجاريا أو إعلاميا. والحرص الشديد على تطهير الأوطان من طحالب الغرب النتنة العالقة ببعض وسائل الإعلام والثقافة والتواصل الاجتماعي المحلية.

(2) سن الأنظمة الحازمة لمعاقبة مرتكبي ومروجي وداعمي الشذوذ، فلا استقرار ونماء للأوطان بإجازة الحرية الفردية الشخصية التي تتعارض مع قيم وأعراف المجتمع. على أن تتضمن تلك الأنظمة أيضا مقاطعة الشركات والمكاتب الاستشارية والمؤسسات المالية الأجنبية التي يثبت دعمها وتمويلها لبرامج الشذوذ لمخالفتها أمن الوطن.

(3) الحذر من فعاليات السفارات الغربية الرامية لنشر الرذيلة بين الشباب.

(4) صياغة عهود عربية وإسلامية ضمن إطار الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي تؤكد على نشر الفضيلة ومناهضة الشذوذ، والدعوة لعقد قمة عالمية بدولة عربية لحشد التكتل الدولي لمناهضة الشذوذ.

(5) استحداث برامج تمويلية لدعم نشاطات تعزيز الفضيلة محليا وإقليميا ودوليا. وتوثيق التعاون مع المنظمات غير الحكومية الناشطة دوليا بمناهضة الشذوذ، وتمويل برامجها.

(6) المشاركة الشعبية المكثفة لمؤازرة المنظمات المناهضة للشذوذ، كمنظمة حماية الأسرة العالمية (Family Watch International)، ومساندة مواقفها بتسجيل تأييد لعرائضها المرفوعة الى الأمم المتحدة مثل العريضة الدولية «أنا أدعم العائلة» عبر الرابط الإلكتروني (https:/‏/‏familywatch.org/‏petition).

خاتمة: من أقوال الشاعر خليل بن هدلان:

من لا يشمِّر للمواقف كمومه

ما زاح له همٍ ولا نال ناموس

ما تستره بين الخلايق هدومه

ما دام ما يلبس من العز ملبوس

واللِّي على الشدَّه ضعيفه عزومه

تدوسه الدنيا تحت رجلها دوس

وابعد عن انذال الزمان ورخومه

لا صار واقعها من الحقد متروس

من جنّب الأنجاس ما احد يلومه

ما يستعز مرافق ارذال وهدوس