قصة 18 سعودياً ساهموا في حرب الوحدة الأمريكية !
الأربعاء / 14 / ذو الحجة / 1443 هـ الأربعاء 13 يوليو 2022 23:59
محمد الساعد
يبدو أن العلاقة بين السعوديين والأمريكيين أقدم وأعمق مما يعتقد الكثير من الباحثين والدارسين، وتعود حسب بعض مؤرخي «العقيلات النجديين» والمسنودة إلى الباحث المتعمق «إبراهيم المسلم» -رحمه الله- الذي تُنقل عنه معلومات في غاية الأهمية تُفصل عن وصول 18 رجلاً سعودياً إلى أمريكا في وقت مبكر من القرن التاسع عشر، بين 1861 - 1865م، ومساهمتهم في حرب الوحدة، أو ما تسمى بالحرب الأهلية التي أسست الولايات المتحدة الأمريكية المعروفة حالياً، وتروى تفاصيلها في التالي:
كان الرئيس الأمريكي إبراهام لينكلون وفريقه يناضلون خلال رئاسته 1861 ــ 1865م، لاستعادة وحدة بلادهم ويشنون حرباً ضد الولايات المنفصلة، وفي الفترة نفسها كانت الدولة السعودية الثانية ترسخ نفوذها وتحافظ على إرثها في أواسط نجد وأجزاء واسعة من الجزيرة العربية في عهد الإمام فيصل بن تركي بن عبد الله آل سعود؛ الذي صادفت فترة حكمه من عام 1843 حتى عام 1865م، الفترة التي ترأس فيها لينكلون الولايات المتحدة.
وخلال فترة الاستقرار التي شهدتها نجد ومناطق واسعة من الجزيرة العربية في عهد الإمام فيصل بن تركي كان مواطنو الدولة السعودية الثانية؛ ومنهم تجار العقيلات يتنقلون بين نجد والعراق والشام، مسيطرين على تجارة الإبل في الإقليم، وهي أهم وسيلة نقل برية «عسكرية واقتصادية» بين البلدان والدول حينها.
في الطرف الآخر من العالم كان إبراهام لينكلون وجيشه يكافحان للانتصار على الولايات المنفصلة، لكن نقل الأسلحة على ظهور «الإبل الهندية» المعروفة بذات السنامين كان فاشلاً ولا يحقق أي انتصار مع تعدد الجبهات وتباعد الولايات؛ خاصة أن الجمال الهندية ضعيفة ولا تلبي الحاجة الملحة لنقل الأسلحة والمؤن خلال حرب أهلية طاحنة، ولذلك كان لا بد من البحث عن وسيلة قادرة على نقل الأسلحة والعتاد بين الولايات، ليرسل جيش الاستقلال الأمريكي وفداً إلى أستراليا المعروفة بتربية الجمال، ثم إلى بغداد التي اشتهرت بكونها أهم أسواق الإبل في المنطقة والعالم.
وصل الوفد الأمريكي إلى بغداد ووجد أن الأفضل هي الإبل النجدية، وبالفعل اشتروا ما يقارب 800 جمل من السعوديين الذين قدموا لتوهم من أراضي الدولة السعودية الثانية عارضين إبلهم في أسواق بغداد، الأمر لم يقتصر على ذلك بل تعاقدوا مع 18 رجلاً سعودياً من مربي الإبل الماهرين للذهاب معهم إلى أمريكا للمساعدة في تأسيس «فيلق الإبل» الذي كان عليه العبء الأكبر في العمليات «اللوجستية»، وبالفعل وصلوا وأسسوا «الفيلق» وعملوا في الإمدادات ونقل العتاد والمؤن والمحافظة على صحة وحيوية الإبل، ليكونوا جزءاً ممن ساهموا في ولادة أمريكا الحالية، وخلال العمليات العسكرية توفي 3 من السعوديين العقيلات، وبقي 15 تم تكريم معظمهم بإنشاء نصب تذكارية، منها واحد على الأقل لا يزال موجودا تحت اسم «قبر حدشي علي»، -ربما كانت ترجمة الاسم غير دقيقة لعدم معرفة الأسماء أو الألقاب العربية-، كما تضمن بقية النص على المعلومات (فيلق الجمال الأمريكي، ولاية أريزونا الأمريكية) أما النص الإنجليزي فهو التالي:
Tomb of Hadschi Ali (US Camel Corps) in Arizona
في ظني أنها فرصة جديدة للتعمق أكثر في مساهمات الطرفين (السعودي والأمريكي) وعلاقاتهما الشعبية والرسمية القديمة جداً، والتأكيد على أنها ليست علاقة «بئر بترول وصانع أسلحة» كما يحاول بعض المتطرفين في الإعلام الغربي تصويرها أو أعداء العلاقة في منطقتنا وهم كثر، بل وصلت لحد أن دماء السعوديين والأمريكيين اختلطت على تراب كل بلد منهما، وساهمت في الحفاظ على أمنهما واستقلالهما، وحتى قبل ظهور النفط والشراكة والتحالف الكبيرين اللذين رسما العلاقات بين الطرفين خلال العقود الماضية، مع التذكير دائماً بمحطات مهمة ومفصلية في العلاقات التي ولدت رسمياً في اللقاء التاريخي بين الملك عبدالعزيز والرئيس فرانكلين روزفلت 1945م، وليس انتهاء بالتحالف السعودي الأمريكي في حرب الخليج، وأفغانستان، والبوسنة والهرسك، وغيرها من التحديات والمصالح التي تشاركت فيها الدولتان ونجحتا فيها.
لقد كانت وما زالت الولايات المتحدة الأمريكية وجهة مفضلة للسعوديين، خصوصاً الباحثين عن التعليم المتفوق، وساهمت الدولة السعودية في ذلك منذ وقت مبكر وابتعثت مئات الآلاف من طلبتها الذين ربطتهم بالعائلات الأمريكية والثقافة الأمريكية علاقة احترام وتبادل ثقافي استمرت لليوم.
لقد مرت العلاقات السعودية الأمريكية بفترات ذهبية وأخرى مليئة بالتحديات الصعبة، لكن «شعرة معاوية» لم تنقطع أبداً بين الدولتين؛ لأن السعوديين يبنون ولا يهدمون، ولأن التفريط في هكذا علاقة بين أقوى دولة في العالم وبين السعودية بوابة العرب والمسلمين والمزود الأكبر للطاقة، هي خسارة فادحة ليس للطرفين، بل للعالم أجمع.
تأتي زيارة الرئيس الأمريكي جون بايدن للسعودية في فترة عصيبة من تاريخ العالم، وفي ظل صراع نتج عن تجاذب أربع قوى عظمى (أمريكا، روسيا، الصين والاتحاد الأوروبي) اشتعلت أطرافه في أوكرانيا وربما تنتقل النيران الى أماكن أخرى إذا لم يتم تداركها. هذا التجاذب بين القوى الكبرى سيسفر عن شكل العالم الجديد خلال القرن القادم وسيكشف عمن سيكونون المنتصرين ومن سيكونون الخاسرين، ومن الرائع أن نكون مع المنتصرين.
لقد ساهم 18 بدوياً سعودياً قادمين من أعماق الصحراء وعملوا في الجيش الأمريكي قبل قرن ونصف في كفاح الشعب الأمريكي لبناء مستقبله وحضارته التي نشهد تفوقها اليوم، وبنوا جسراً من الاتصال والقوى الناعمة تزيد على 160 عاماً بين الرياض وواشنطن، كما ساهم الأمريكان في اكتشاف النفط الذي ساعد السعوديين في بناء بلادهم. إنه تاريخ لا مفر منه، وشراكة مفيدة للطرفين، ومصالح لا غنى عنها.
كان الرئيس الأمريكي إبراهام لينكلون وفريقه يناضلون خلال رئاسته 1861 ــ 1865م، لاستعادة وحدة بلادهم ويشنون حرباً ضد الولايات المنفصلة، وفي الفترة نفسها كانت الدولة السعودية الثانية ترسخ نفوذها وتحافظ على إرثها في أواسط نجد وأجزاء واسعة من الجزيرة العربية في عهد الإمام فيصل بن تركي بن عبد الله آل سعود؛ الذي صادفت فترة حكمه من عام 1843 حتى عام 1865م، الفترة التي ترأس فيها لينكلون الولايات المتحدة.
وخلال فترة الاستقرار التي شهدتها نجد ومناطق واسعة من الجزيرة العربية في عهد الإمام فيصل بن تركي كان مواطنو الدولة السعودية الثانية؛ ومنهم تجار العقيلات يتنقلون بين نجد والعراق والشام، مسيطرين على تجارة الإبل في الإقليم، وهي أهم وسيلة نقل برية «عسكرية واقتصادية» بين البلدان والدول حينها.
في الطرف الآخر من العالم كان إبراهام لينكلون وجيشه يكافحان للانتصار على الولايات المنفصلة، لكن نقل الأسلحة على ظهور «الإبل الهندية» المعروفة بذات السنامين كان فاشلاً ولا يحقق أي انتصار مع تعدد الجبهات وتباعد الولايات؛ خاصة أن الجمال الهندية ضعيفة ولا تلبي الحاجة الملحة لنقل الأسلحة والمؤن خلال حرب أهلية طاحنة، ولذلك كان لا بد من البحث عن وسيلة قادرة على نقل الأسلحة والعتاد بين الولايات، ليرسل جيش الاستقلال الأمريكي وفداً إلى أستراليا المعروفة بتربية الجمال، ثم إلى بغداد التي اشتهرت بكونها أهم أسواق الإبل في المنطقة والعالم.
وصل الوفد الأمريكي إلى بغداد ووجد أن الأفضل هي الإبل النجدية، وبالفعل اشتروا ما يقارب 800 جمل من السعوديين الذين قدموا لتوهم من أراضي الدولة السعودية الثانية عارضين إبلهم في أسواق بغداد، الأمر لم يقتصر على ذلك بل تعاقدوا مع 18 رجلاً سعودياً من مربي الإبل الماهرين للذهاب معهم إلى أمريكا للمساعدة في تأسيس «فيلق الإبل» الذي كان عليه العبء الأكبر في العمليات «اللوجستية»، وبالفعل وصلوا وأسسوا «الفيلق» وعملوا في الإمدادات ونقل العتاد والمؤن والمحافظة على صحة وحيوية الإبل، ليكونوا جزءاً ممن ساهموا في ولادة أمريكا الحالية، وخلال العمليات العسكرية توفي 3 من السعوديين العقيلات، وبقي 15 تم تكريم معظمهم بإنشاء نصب تذكارية، منها واحد على الأقل لا يزال موجودا تحت اسم «قبر حدشي علي»، -ربما كانت ترجمة الاسم غير دقيقة لعدم معرفة الأسماء أو الألقاب العربية-، كما تضمن بقية النص على المعلومات (فيلق الجمال الأمريكي، ولاية أريزونا الأمريكية) أما النص الإنجليزي فهو التالي:
Tomb of Hadschi Ali (US Camel Corps) in Arizona
في ظني أنها فرصة جديدة للتعمق أكثر في مساهمات الطرفين (السعودي والأمريكي) وعلاقاتهما الشعبية والرسمية القديمة جداً، والتأكيد على أنها ليست علاقة «بئر بترول وصانع أسلحة» كما يحاول بعض المتطرفين في الإعلام الغربي تصويرها أو أعداء العلاقة في منطقتنا وهم كثر، بل وصلت لحد أن دماء السعوديين والأمريكيين اختلطت على تراب كل بلد منهما، وساهمت في الحفاظ على أمنهما واستقلالهما، وحتى قبل ظهور النفط والشراكة والتحالف الكبيرين اللذين رسما العلاقات بين الطرفين خلال العقود الماضية، مع التذكير دائماً بمحطات مهمة ومفصلية في العلاقات التي ولدت رسمياً في اللقاء التاريخي بين الملك عبدالعزيز والرئيس فرانكلين روزفلت 1945م، وليس انتهاء بالتحالف السعودي الأمريكي في حرب الخليج، وأفغانستان، والبوسنة والهرسك، وغيرها من التحديات والمصالح التي تشاركت فيها الدولتان ونجحتا فيها.
لقد كانت وما زالت الولايات المتحدة الأمريكية وجهة مفضلة للسعوديين، خصوصاً الباحثين عن التعليم المتفوق، وساهمت الدولة السعودية في ذلك منذ وقت مبكر وابتعثت مئات الآلاف من طلبتها الذين ربطتهم بالعائلات الأمريكية والثقافة الأمريكية علاقة احترام وتبادل ثقافي استمرت لليوم.
لقد مرت العلاقات السعودية الأمريكية بفترات ذهبية وأخرى مليئة بالتحديات الصعبة، لكن «شعرة معاوية» لم تنقطع أبداً بين الدولتين؛ لأن السعوديين يبنون ولا يهدمون، ولأن التفريط في هكذا علاقة بين أقوى دولة في العالم وبين السعودية بوابة العرب والمسلمين والمزود الأكبر للطاقة، هي خسارة فادحة ليس للطرفين، بل للعالم أجمع.
تأتي زيارة الرئيس الأمريكي جون بايدن للسعودية في فترة عصيبة من تاريخ العالم، وفي ظل صراع نتج عن تجاذب أربع قوى عظمى (أمريكا، روسيا، الصين والاتحاد الأوروبي) اشتعلت أطرافه في أوكرانيا وربما تنتقل النيران الى أماكن أخرى إذا لم يتم تداركها. هذا التجاذب بين القوى الكبرى سيسفر عن شكل العالم الجديد خلال القرن القادم وسيكشف عمن سيكونون المنتصرين ومن سيكونون الخاسرين، ومن الرائع أن نكون مع المنتصرين.
لقد ساهم 18 بدوياً سعودياً قادمين من أعماق الصحراء وعملوا في الجيش الأمريكي قبل قرن ونصف في كفاح الشعب الأمريكي لبناء مستقبله وحضارته التي نشهد تفوقها اليوم، وبنوا جسراً من الاتصال والقوى الناعمة تزيد على 160 عاماً بين الرياض وواشنطن، كما ساهم الأمريكان في اكتشاف النفط الذي ساعد السعوديين في بناء بلادهم. إنه تاريخ لا مفر منه، وشراكة مفيدة للطرفين، ومصالح لا غنى عنها.