كتاب ومقالات

مافيا الأفكار وحماية الملكية الفكرية

عبداللطيف الضويحي

ما حققته الهيئة الوطنية للملكية الفكرية من إنجازات منذ تأسيسها وحتى الآن يستحق التقدير. ففي البدايات دائما تكمن التحديات والصعوبات. فرغم أن الهيئة ورثت بعض وظيفتها من عدد من المؤسسات الحكومية، وهو ما تطلّب وضع الأسس والمنطلقات والإستراتيجيات وسنّ التشريعات ووضع الأنظمة والقوانين والإجراءات لتحقيق المستهدفات من خلال تسجيل البراءات والتصاميم والدارات وحفظ المُلكيات الفكرية وحقوق المؤلفين.

لكني ومع ذلك، أعتقد بأن الهيئة بحاجة لإعادة الاعتبار لـ«الأفكار»، من خلال حمايتها وحفظ حقوق أصحابها، فليس هناك من مشروعات تولد من خارج رحم الأفكار، والأفكار أساسُ ما بعدها وما يتمخض عنها، فكيف تتم حماية الشجرة وجذعها وأغصانها وأزهارها وثمارها، وفي الوقت عينه، يتم استبعاد وتجاهل البذرة وصاحبها والتي منها جاءت الشجرة.

فمن قال إن الفكرة تخرج من السر إلى العلن بكبسة زر؟ ومن قال إن الفكرة يمكن ترجمتها إلى «شجرة» بلمح البصر؟ بل من قال إن المسافة بين الفكرة والمشروع تنحصر في الاسم التجاري والسجل التجاري ورخصة البلدية؟ ومن قال إن حضانة الفكرة حولٌ أو حولان؟ ومن قال إن كثرة الإجراءات وتعدد الجهات تسمح لأصحاب الأفكار بالاستعانة على قضاء حوائجهم بالكتمان؟ أجزم أن الأشخاص والمؤسسات التي يحتاج التعامل معهم صاحب الفكرة إلى أن يتم تسجيل فكرته وحفظ حقوقه يتراوح بين 100 إلى 150 شخصا ومؤسسة ما بين موظف حكومي ومكتب محاماة وجهات قانونية وشركات تقنية وجهات استشارية وجهات فنية. أغلبهم يتطلب عملهم تفاصيل الفكرة وطريقة التنفيذ، هؤلاء ليس كلهم ملائكة، وليس كلهم محصنة ضمائرهم ونفوسهم، وليس كلهم على درجة كافية من الأمانة، كما أنهم ليسوا أغبياء حتى يسجلوا مسروقاتهم من الأفكار بأسمائهم. إنهم متمرسون ويقظون كي لا يقعوا قانونيا بتهمة سرقة حقوق الآخرين. فلديهم ترسانة من البدائل ليسجلوا مسروقاتهم بأسمائهم، وقد يكون لديهم سوق أو مزادات يبيعون من خلاله مسروقاتهم من أفكار. قوة هؤلاء تكمن بنفوذهم لدى أصحاب رؤوس الأموال وغيرهم، إضافة إلى سلطة بعضهم في تعطيل أو تأجيل أصحاب الأفكار بما يكفي للحيلولة دون وصول الأفكار ذات الجودة العالية وإعادة توجيهها بغير حق لغير أصحابها.

أعرف أن حماية الأفكار وحفظ حقوق أصحابها يتطلب إجراءات وأدوات إضافية ومختلفة عما هو معمول به الآن لدى الهيئة السعودية لحماية الملكية الفكرية، لكن حماية الأفكار لم يعد ترفا أو مظهرا من مظاهر الوجاهة، لكنه مسألة تكون أو لا تكون بالنسبة للكثير من الشباب الذين يستميتون لإيجاد موطئ قدم لهم في معترك سوق العمل، وحماية أفكارهم قبل مشروعاتهم يستحق التفكير الجدي بإيجاد آليات للوقوف بجانبهم ومؤازرتهم، وخلق بيئة ودية وصديقة للأفكار والمساواة بالحقوق والواجبات بين الجميع، كما أنها من عوامل التنافسية العالمية المستهدفة، ناهيك عن هذه المهمة وطيدة الصلة ببقية مهام الهيئة التي تقوم بها الهيئة في الوقت الراهن.

قد يتطلب الأمر خلق حاضنة تشرف عليها الهيئة، وقد يترك لجمعية حماية الملكية الفكرية تولي هذه الحاضنة بالتنسيق مع الهيئة، وقد يحتاج الأمر إلى ابتكار آلية تقنية جديدة لا تسمح لتدخل الإنسان نهائيا وليست في متناوله نهائيا حتى ترى الفكرة النور ويتم تسجيلها وتكون حينئذ قد أخذت المناعة ضد السرقة والتقليد والاستنساخ حسب القوانين المعمول بها.