كتاب ومقالات

كيف نسترد التبرع بالأعضاء من السوق إلى المجتمع ؟

عبداللطيف الضويحي

إذا كان التبرع بالأعضاء من وجهة نظر المرضى والمُتعبِين صحياً هو مسألة موت أو حياة، فهل التبرع بالأعضاء من وجهة نظر المتبرعين مسألة موت أو حياة اقتصاديا؟ فمن حولَ المروءة والنخوة والإخاء إلى سلعة وبضاعة اقتصادية عابرة للحدود تحكمها الأسواق السوداء وتخضع للعرض والطلب مدفوعة بالموت من زاوية، وبالفقر والجوع من طرف آخر؟

ولماذا نظلم الناس في نواياهم وقراراتهم ونسلبهم حقهم الطاهر البريء في تبرعاتهم بأعضائهم، وهم يفعلون ذلك لا يريدون من ورائها مصلحة، وإنما يريدون الثواب والأجر أو يدرؤون العيب الاجتماعي أمام حاجة أحبتهم أو يزرعون بذور الخير والمحبة والتصالح والسلم، مدفوعين بقيمهم الدينية والثقافية والاجتماعية والإنسانية؟ وإلا كيف نفسر الأعداد الكبيرة من هذا الجيل الشاب وهم يتبرعون بأعضائهم لأحبتهم وإخوتهم ووالديهم وأزواجهم، وحتى لأناس لا يعرفونهم ويتباهون بذلك ويفاخرون، بل ويوظفون شبكات الإعلام الاجتماعي لترسيخ وتعزيز هذه الثقافة الحميدة؟

لا أريد أنصب نفسي حكما في الحكم على ظروف المتبرعين بأعضائهم والمتبرع لهم، لكنني لا أريد أيضا أن يُفهمَ من مقدمتي بأن التبرع بالأعضاء هو إما تجارة أو عملا إنسانيا، لأن هناك الكثير ممن أجبرتهم الظروف الاجتماعية والاقتصادية القاهرة في العديد من المجتمعات على بيعهم أطفالهم، فضلا عن بيع أعضائهم، لطف الله بأحوالهم وفرج لهم وعنهم وعوضهم خيرا.

ثم إن موضوع زراعة الأعضاء لا ينحصر بين المتبرع والمتبرع له، ففي كثير من الأحيان هناك طرف ثالث إما متخفٍ أو معلن بين الطرفين. وهذا الطرف الثالث هو أبشع أطراف المعادلة لأنه يستغل الطرفين ويستثمر في ظروفهما أسوأ استثمار، بل إن هذا الطرف الثالث قد يكون طبيباً خان شرف المهنة واحترف سرقة أعضاء البشر دون علمهم وهم في غرفة العمليات لأسباب لا علاقة لها بالتبرع أو زراعة الأعضاء، لكنهم يفاجأون صدفة بأن أحدهم بكِلية واحدة بعد حين من الزمن.

من هنا وبعد كل ما تقدم، أريد أن أتوقف عند واحدة من المحطات الوطنية الحيوية المهمة، التي رفعت الكثير من الرصيد الإنساني والاجتماعي والحضاري للمملكة والإنسانية، إنه المركز السعودي لزراعة الأعضاء، والذي أتوقع له شأناً عالمياً كبيراً في المرحلة القادمة، لأن هذا المركز يعمل في مجتمع وبيئة تتقدم فيها القيمُ على المصالح، حيث لم تتمكن الرأسمالية من قيمه، كما تمكنت في مجتمعات أخرى. إنها القيم العربية الأصيلة ومكارم الأخلاق، والتي قال عنها سيد الأنبياء: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق».

ورغم الفجوة العالمية بين الحاجة للأعضاء وما هو متوفر منها، والذي لا يتم تلبية إلا 10% من الاحتياج فقط، تحث منظمة الصحة العالمية كل دول العالم بأن تكتفي كل دولة بما لديها ممن يحتاجون ومن يتبرعون.

يقول المركز السعودي لزراعة الأعضاء إن الأعضاء الحيوية الأكثر طلباً في المملكة هي الكلى ثم الكبد ثم القلب ثم بعدها تأتي بقية الأعضاء. ويشير المركز إلى الحاجة لرفع الوعي بين الناس بأهمية التبرع بالأعضاء أثناء الحياة وبعد الممات. فهذا السلوك ينطوي على كثير من احترامنا لقيمنا وثقافتنا العربية الإسلامية من ناحية، وتجنباً للأمراض الناجمة عن نقل أعضاء في ظروف غير صحية وغير سوية يشوبها الكثير من انتهاك حقوق وكرامة الإنسان، ناهيك عما تنطوي عليه من ابتزاز واستغلال للمتبرع والمتبرع له.

ما لفت انتباهي هو أن النساء هن الأكثر تسجيلا لطلبات التبرع بالأعضاء بعد الوفاة، بينما يأتي الرجال في مقدمة المتبرعين من الأحياء! فهل يمكننا قراءة هذه الحقائق قراءة مباشرة أم أن هناك حاجة لقراءتها بطريقة عميقة مباشرة وغير مباشرة؟

إن ما يقوم به المركز من مهام ويحققه من إنجازات كمية ونوعية، تتطلب تحصينا لهذه النجاحات محليا وعالميا، فقد تكون الحاجة ملحة للمزيد من الدراسات حول ثقافات المجتمعات المحلية، قبل الشروع بإطلاق أي حملة توعوية، لأن لدينا مجتمعات متعددة وثقافات مختلفة، يجدر بنا الوقوف عند كل واحدة منها والتعرف على الفوارق بينها ومنطلقات كل ثقافة في كل منطقة ربما، بل وأظن أن ربط التبرع بالأعضاء الأكثر طلباً في كل ثقافة أو في كل منطقة أثناء الحملة هو أحد مفاتيح النجاح والوصول الكبير للغايات الكبيرة، وإلا كيف نفهم التفوت والاختلاف بين المرأة والرجل في مجتمعنا أو بعض مجتمعاتنا، حيث تسجل المرأة بشكل أكبر للتبرع بأعضائها بعد الوفاة، بينما يسجل الرجل أعلى تبرعا بأعضائه خلال الحياة؟