كتاب ومقالات

هل تعقِد المرأة لنفسها ؟

نجيب يماني

أرتاد بعض المجالس الأدبية والفكرية والثقافية والتي تنعقد في بعض بيوت الأصدقاء من وقت لآخر.

في الأسبوع الفارط كنت في ثلوثية موسى الأسبوعية تطرق الحديث إلى موضوع الزواج والطلاق وعرج بنا النقاش إلى أركان الزواج وشروطه، فأصر أغلب الحاضرين أن الولاية في عقد الزواج من أهم الشروط لإتمامه، وأضاف المستشار غازي الصبان أن الزواج باطل دون موافقة الولي واعتـبرها من العقوق الذي يوجب العقاب مع أن الإسلام بريء من العنف والتحكّم ضد المرأة، وليس من العقوق أن تعقد المرأة لنفسها وتتزوج من تريد، فبرُّ الوالدين هو من باب البر والإحسـان وهو بين العبد وربّه ديـانة وليس قضاء.

هناك مذهب إسلامي معتبر لصاحبه وزن وقدر وهو المذهب الحنفي الذي له رأي مخالف في مسألة الولاية لا يمكن إهماله، فالنكاح يُرَاد للرغبة فلا تجبر على من لا ترغب فيه.

فللمرأة الحق كاملاً في اختيار زوجها ومـن ترغـب العيش معه تحت سقـف واحد، لقوله عليه الصلاة والسلام (لا تُنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تُستأذن).

وقـد أكد المذهب الحنفي الذي يتبعه أغلب سكان الكرة الأرضية أنّه يجوز للمرأة أنْ تباشر عقد الزواج بنفسها دون وليّ أمرها إذا كانت بالغة عاقلة، لأن علة ولاية الإجبار في النكاح هي الصغر وقد زالت ببلوغها عاقلة ومن ثم أصبحت مكلفة شرعاً بممارسة حقوقها الشخصية بنفسها ولم يعد لأحد عليها ولاية فيه وقد استدل المذهب الحنفي على جواز حق البالغة العاقلة البكر في تزويج نفسها بنفسها، بقوله تعالى (فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره فإن طلقها فلا جُناح عليهما أن يتراجعا)، فأضاف عقد النكاح إليها من غير ذكر الولي في قوله تعالى (حتى تنكح زوجاً غيره)، كما أضاف المراجعة إليهما من غير ذكر الولي في قوله تعالى (فلا جُناح عليهما أن يتراجعا). فلها أن تنفرد باختيار الزوج وأن تنشئ العقد بنفسها بكراً كانت أم ثيّبا لا يحق لأحد الاعتراض عليهـا، ومن القواعد الأصولية أن مُطلق القرآن لا يخصص بخبر الآحاد، يقول صلى الله عليه وسلّم «الأيم أحق بنفسها من وليّها»، والأيم هي المرأة التي لا زوج لها سواءً كانت بكراً أم ثيّباً، فجعل حق القرار لها وليس لوليها.

وقد أبطل نبي الرحمة نكاحاً عقده الأب بـدون رضـا ابنته ثمّ جعل أمرها إليها. وفي مصنف أبي شيبة أن رجلا زوج ابنته وقال للرسول لم أرَ لها خيراً منه فقال رسول الله (لا نكاح لك اذهبي فانكحي من شئت)، كما استدل القائلون بعدم شرط الوليّ لصحة النكاح بفعل السيّدة عائشة التي زوّجت ابنة أخيها عبدالرحمـن في غياب أبيها في اليمن ولم ينكر عليها أحد ذلك الفعل.

وقالت امرأة يا رسـول الله إنّ أبـي زوّجـني من ابن أخيه ليرفع به خسيسته، فجعل الأمر إليها فقـالت قد أجـزت ما صنع أبي ولكن أردت أن أُعلّم النساء أنّه ليس للآباء من الأمر من شيء. وباتفاق الفقهاء جواز قيام الرجل بعقد النكاح لنفسه إذا كان جائز التصرف بماله والمرأة البالغة العاقلة لما كانت جائزة التصرف بمالها وجب عقد نكاحها بنفسها.

إن أغلب الأحاديث اشترطت إذن المرأة وفي هذا معـاني صحّة العقـد إذا باشرته بنفسها، وبأنّ لها مطلق الحريّة في التصرّف في مالها، فمن باب أولى لها حق التصرف في نفسها ورقبتها وجسدها كما ثبت أهليتها لجميع التكاليف الشرعية بالكتاب والسنة والبضع (الفرج) حقها دون الولي، ولهذا يكون بذله لها فقد تصرفت في خالـص حقها فجـاز لها ذلك ولأنها تمتلك الإقرار بالنكاح فتملك الإنـشاء.

لقد اختلف العلماء في الولاية وهل هي من شـروط صـحة عقد النكاح؟ فقال الشافعي وأبو حنيفة وزفر والشيعي والزهري إذا عقدت المرأة نكاحها بغير ولي وكان كفؤ جاز ذلك. وعن مالك أن اشتراط الوليّ سُنّةْ هي ظاهرة في اشتراط الولاية في النكاح، فضلاً عن أن يكون في ذلك نصّ، بل إنّ الآيات والسنن التي جرت العادة الاحتجاج بها كلّها محتملة.

ويحق للمرأة عرض نفسها على الرجل وتعريفه برغبتها في الارتباط به ولا غضاضة عليها في ذلك، وقد أورد البخاري في صحيحه بابا في ذلك. وتبقى سلطة الولي أدبية وضمن الأعراف الاجتماعية كناصح ومستشار أمين.

الاختلاف رحمة بهذه الأمّة، والشريعة قائمٌ أمرُها على مراعاة مصالح الناس وشؤونهم والمرأة من الناس بل هي الإساس.