كتاب ومقالات

جودة الحياة هي الحياة

عقل العقل

جودة الحياة مفهوم إنساني له أبعاد متعددة في ثقافتنا المحلية، انتشر مؤخراً وأصبح مطلباً ملحاً لقطاعات كثيرة من أطياف المجتمع، وخصصت له برامج محددة في رؤية المملكة 2030، وهو متداخل في أنشطة وخدمات كثيرة يتعاطى معها الإنسان في هذا الوطن في حياته اليومية المعقدة والسريعة التي اختلفت عن الحياة في السابق التي كانت تميل إلى البساطة والبعيدة عن التعقيد، ولكن هذه هي طبيعة الحياة وما جرى عليها من تقدم في العديد من النواحي المادية والإنسانية.

مثلاً أعتقد جازماً أن قرار السماح للمرأة بقيادة السيارة كان أحد القرارات المهمة التي تصب في مفهوم جودة الحياة، واستفاد منه المجتمع كافة سواء من كان معه أو ضده من نواحٍ اجتماعية واقتصادية وإنسانية، حيث كانت مثلاً أغلب العوائل تضطر لاستقدام سائقين من دول ذات ثقافات مختلفة يكونون في النهاية المسؤولين عن توصيل النساء لمشاويرهن وتوصيل الأطفال لمدارسهم، والبعض منا للأسف كان مرتاحاً لذلك الوضع بداعي الخصوصية المحلية، الآن انتهت القصة وأصبحنا كما المجتمعات الأخرى الكل في طريقه تحكمه الأنظمة والقوانين، وانعكس هذا القرار على منازلنا، فالمرأة الآن تذهب بسيارتها إلى عملها وإلى مدارس أولادها، وتقوم بتلبية متطلبات المنزل، الجانب الاقتصادي كان يثقل المواطن لاستقدام السائقين حتى أننا اضطررنا إلى أن تصمم منازلنا على أساس وجود السائق وندفع له راتباً شهرياً يمثل نسبة ليست بالقليلة من دخل الأسرة، مثل تلك الضروريات التي فرضت على المجتمع لفترة طويلة كانت عكس مفهوم جودة الحياة، بل إنها من منغصات الحياة ذاتها.

خروج المرأة للعمل يصب في مفهوم جودة الحياة لها أولاً ولعائلتها ثانياً وللمجتمع بشكل عام، في الماضي كانت مجالات عمل المرأة محدودة ومحصورة في مجالات معينة، وكانت تعمل في بيئة شبه معزولة عن محيطها الاجتماعي، الآن سياسة تمكين المرأة فتحت مجال عمل المرأة في أغلب القطاعات من مدنية وعسكرية وفي الحكومة والقطاع الخاص، هذا الانفتاح قلل من نسبة البطالة بين النساء التي كانت مرتفعة بشكل كبير في مجتمعنا، الآن البطالة بين النساء في تناقص، وهذا من مؤشرات جودة الحياة.

جودة الحياة أفهمه على أنه حياة انسيابية يعيشها الإنسان بأقل المنغصات التي تدفعه للحزن والضيق والتعاسة من أمور قد لا يكون هو مشاركاً فيها، فالتشوهات البصرية في الحي الذي يسكن فيه أو ارتفاع نسبة الحوادث المرورية أو قلة الخيارات في المواصلات العامة كلها أمور قد تناقض برامج جودة الحياة، فالمدن الآن تعيش حالة من الزحام المروري الشديد والفوضى من بعض السائقين مع ضعف أداء المرور، هذا يجعل البعض يحجم عن الخروج من منزله بسبب هذه الأشياء المنغصة التي قد يرى البعض عدم أهميتها، ولكنها للأسف تتراكم وتسوء حالتها، والبعض يتعود عليها بأنها حالة طبيعة، وهي حالة من الفوضى المؤذية للآخرين.

قائمة العوامل المهمة لجودة الحياة طويلة ويأتي في مقدمتها رعاية صحية شاملة للجميع وليس الانتظار لشهور في المستشفيات العامة، والجانب الآخر هو توفر تعليم متقدم ومتطور وقريب للإنسان في مدينته وقريته لا يضطره أن يبحث عن مدارس خاصة لأبنائه تكلفه الشيء الكثير.

في السنوات الأخيرة، أطلقت المملكة العديد من البرامج والمواسم الترفيهية في بعض المدن الرئيسية وافتتحت دور السينما، وأصبحنا نشاهد فعاليات فنية ورياضية عالمية بالمملكة يحضرها الآلاف من الشباب، وهذا أحد روافد برامج جودة الحياة، ولكن وجود حديقة منظمة وجميلة في الحي تصلها من منزلك دون خطر من السقوط في حفريات الشركات المتعددة، ووجود أرصفة لا تشكل خطراً على مستخدميها هي إضافة نوعية للحياة بشكلها البسيط البعيد عن المنغصات حتى لا يستمر هروب البعض للخارج لوجود أشياء ليست بالمعجزة عملها عندنا.