هل أنت سني أم شيعي ؟
الأحد / 01 / صفر / 1444 هـ الاحد 28 أغسطس 2022 01:13
عبدالله بن بخيت
«سأله: هل أنت سني أم شيعي؟ فأجاب: أنا ملحد. فقال: أنا عارف. بس هل أنت ملحد سني أم ملحد شيعي».
في أول الثمانينات قضيت أكثر من ثلاثة أشهر في مدينة برايتون البريطانية، في دورة تدريبية معظم حضورها من العرب. بينهم كويتي. تطورت الصداقة بيني وبين هذا الكويتي. نستأجر سيارة نتجول بها في أنحاء متفرقة من بريطانيا. لم أعرف أنه من أسرة شيعية إلا بالصدفة. حدث هذا أثناء حوار عابر. مرت المعلومة دون اكتراث. بعد خمس عشرة سنة، ومع تطور صخب برامج التحشيد في المملكة تذكرت أن صديقي الكويتي كان شيعياً وأنا سني وجارنا في شارع العطايف على شبهة شيعية، وعرفت أن الشاعر العراقي مظفر النواب شيعي، وكلما دخلت مسجداً أو حضرت محاضرة (مباركة) لرجل دين (مبارك) يزداد الشيعي وضوحاً في خيالي. صرت أعرف أن هذا الرجل الجالس بجانبي شيعي من اسمه، شيعي من نظرات عيونه. شيعي من لهجته، شيعي من ملابسه. وكلما مرت السنوات تتفاقم شيعية البشر فتطورت كل الحساسات في خيالي لتلتقط الشيعي مهما تخفى.
لا شك أن ملايين من المسلمين ساروا على هذه الخُطا سواء كانوا سنة أم شيعة.
لم ندرك حينها أن هويتنا السنية الشيعية كانت تتضخم وتبتلع هوياتنا الأخرى، وفي كثير من البشر ابتلعت الهوية المذهبية هويته الإنسانية نفسها. صار على استعداد أن يموت من أجل هذه الهوية التي حطمت كل شيء في داخله.
هويتي ككاتب أهم من هويتي كسني. لا أتبع من هو أجهل مني سواء كان داعية أو شيخ دين. هويتي كسني انحدرت من تاريخ لم أشارك في صناعته. هويتي ككاتب صنعتها بنفسي. دخلت المدرسة وتخرجت ثم دخلت الجامعة وتخرجت وبذلت جهوداً عظيمة لأتعلم لغة أجنبية، وقرأت طيفاً واسعاً من الكتب في الفكر والفلسفة والدين. سافرت إلى لندن وباريس وهلسنكي ونيويورك. صار لي في هذا العالم الواسع أصدقاء وأحباب لم أسألهم يوماً عن دينهم ولم يسألوني هم أيضاً.
لم آت إلى هذا العالم لأكون سنياً أو شيعياً. قبل أن أكون سنياً وشيعياً أو حتى مسلماً فأنا إنسان من ضمن تنوعات شخصيتي يأتي ديني. لا أشترك مع الناس بديني فقط بل أشترك مع البشر في هواياتي وميولي ومصالحي. أشجع الهلال أو النصر لأني أحب الكرة. لن أكره تاليسكا أو إيغالو لأنهما على غير ديني. هؤلاء هم أصدقائي يمتعونني ويسعدونني. لن أذهب معهم للكنيسة فأمرهم هذا لا يخصني.
أستطيع ان أكون مسلماً دون بشر يعيشون حولي. لي أن أنتحي في الربع الخالي وأبقى ما تبقى لي من عمر وحيداً مع الله. الله موجود بين هؤلاء البشر المتناحرين وموجود أيضاً في كل الخلوات التي أريدها. في الربع الخالي وفي القطب الشمالي والجنوبي. من قال لنا أن ننضم إلى جماعات لكي نكون مسلمين وأن يكون على رأسنا شيخ أو ملا أحدث كتاب قرأه صدر قبل 800 سنة، يعلمنا كيف ندخل الحمام وكيف نخرج منه، ويعلمنا كيف ننام مع أزواجنا، ويفسر لنا أحلامنا، ويقرر من على منبره من نكره ومن نحب. خلق الله في دواخلنا ضمائر هي أساس الإنسان، ليأتي الدين القويم ليتمم مكارم هذا الضمير ويرقيه وينقيه لا ليعيد برمجتنا على العداوات والتكتلات. عندما أرى إنساناً يتألم أمد له يد العون على الفور. لا أسأله عن دينه أو مذهبه. التصنيف المذهبي هو اعتداء سافر على الضمير.
في أول الثمانينات قضيت أكثر من ثلاثة أشهر في مدينة برايتون البريطانية، في دورة تدريبية معظم حضورها من العرب. بينهم كويتي. تطورت الصداقة بيني وبين هذا الكويتي. نستأجر سيارة نتجول بها في أنحاء متفرقة من بريطانيا. لم أعرف أنه من أسرة شيعية إلا بالصدفة. حدث هذا أثناء حوار عابر. مرت المعلومة دون اكتراث. بعد خمس عشرة سنة، ومع تطور صخب برامج التحشيد في المملكة تذكرت أن صديقي الكويتي كان شيعياً وأنا سني وجارنا في شارع العطايف على شبهة شيعية، وعرفت أن الشاعر العراقي مظفر النواب شيعي، وكلما دخلت مسجداً أو حضرت محاضرة (مباركة) لرجل دين (مبارك) يزداد الشيعي وضوحاً في خيالي. صرت أعرف أن هذا الرجل الجالس بجانبي شيعي من اسمه، شيعي من نظرات عيونه. شيعي من لهجته، شيعي من ملابسه. وكلما مرت السنوات تتفاقم شيعية البشر فتطورت كل الحساسات في خيالي لتلتقط الشيعي مهما تخفى.
لا شك أن ملايين من المسلمين ساروا على هذه الخُطا سواء كانوا سنة أم شيعة.
لم ندرك حينها أن هويتنا السنية الشيعية كانت تتضخم وتبتلع هوياتنا الأخرى، وفي كثير من البشر ابتلعت الهوية المذهبية هويته الإنسانية نفسها. صار على استعداد أن يموت من أجل هذه الهوية التي حطمت كل شيء في داخله.
هويتي ككاتب أهم من هويتي كسني. لا أتبع من هو أجهل مني سواء كان داعية أو شيخ دين. هويتي كسني انحدرت من تاريخ لم أشارك في صناعته. هويتي ككاتب صنعتها بنفسي. دخلت المدرسة وتخرجت ثم دخلت الجامعة وتخرجت وبذلت جهوداً عظيمة لأتعلم لغة أجنبية، وقرأت طيفاً واسعاً من الكتب في الفكر والفلسفة والدين. سافرت إلى لندن وباريس وهلسنكي ونيويورك. صار لي في هذا العالم الواسع أصدقاء وأحباب لم أسألهم يوماً عن دينهم ولم يسألوني هم أيضاً.
لم آت إلى هذا العالم لأكون سنياً أو شيعياً. قبل أن أكون سنياً وشيعياً أو حتى مسلماً فأنا إنسان من ضمن تنوعات شخصيتي يأتي ديني. لا أشترك مع الناس بديني فقط بل أشترك مع البشر في هواياتي وميولي ومصالحي. أشجع الهلال أو النصر لأني أحب الكرة. لن أكره تاليسكا أو إيغالو لأنهما على غير ديني. هؤلاء هم أصدقائي يمتعونني ويسعدونني. لن أذهب معهم للكنيسة فأمرهم هذا لا يخصني.
أستطيع ان أكون مسلماً دون بشر يعيشون حولي. لي أن أنتحي في الربع الخالي وأبقى ما تبقى لي من عمر وحيداً مع الله. الله موجود بين هؤلاء البشر المتناحرين وموجود أيضاً في كل الخلوات التي أريدها. في الربع الخالي وفي القطب الشمالي والجنوبي. من قال لنا أن ننضم إلى جماعات لكي نكون مسلمين وأن يكون على رأسنا شيخ أو ملا أحدث كتاب قرأه صدر قبل 800 سنة، يعلمنا كيف ندخل الحمام وكيف نخرج منه، ويعلمنا كيف ننام مع أزواجنا، ويفسر لنا أحلامنا، ويقرر من على منبره من نكره ومن نحب. خلق الله في دواخلنا ضمائر هي أساس الإنسان، ليأتي الدين القويم ليتمم مكارم هذا الضمير ويرقيه وينقيه لا ليعيد برمجتنا على العداوات والتكتلات. عندما أرى إنساناً يتألم أمد له يد العون على الفور. لا أسأله عن دينه أو مذهبه. التصنيف المذهبي هو اعتداء سافر على الضمير.