كتاب ومقالات

محمد بن سلمان ومؤشر هينلي

محمد مفتي

تتعدد المؤشرات الدولية التي يمكن من خلالها تقييم أوضاع الدول على كافة المستويات، فهناك من المؤشرات ما يقيس الأوضاع الاقتصادية بالدولة كالناتج المحلي الإجمالي، ومنها ما يقيم الحالة الاقتصادية لكل مواطن على حدة كمعيار الدخل الشخصي، ومنها ما يقيس مستوى الخدمات التعليمية بها، ومن المؤشرات أيضاً ما يقيس حقوق الإنسان أو المرأة، أو مدى اعتبار الدولة آمنة للسفر، وتتنوع هذه المؤشرات كثيراً على نحو يجعلها تضم أوجه القياس والتقييم التي تمكننا من ترتيب الدول ومعرفة مدى تقدمها من عدمه.

ولعل أحد أهم مؤشرات النجاح التي تقيّم أداء أي دولة فيما يتعلق بسياساتها الداخلية والخارجية هو احترام المجتمع الدولي لمواطني هذه الدولة، وترحيبه بهم أينما ووقتما حلوا ضيوفاً أو مبتعثين أو مستثمرين، وهذا التوجه له صور متعددة، من أهمها السماح لهم بزيارتها ودخول أراضيها دون تأشيرة مسبقة كما تقتضي الأعراف الدبلوماسية، وهو ما يعني أن تلك الدول ترحب بمواطني هذه الدولة دون قيد أو شرط، كونهم يدركون جيداً أن مواطني هذه الدولة غير منخرطين في أعمال استفزازية أو إرهابية قد تضر بمصالح الدولة المضيفة.

لكل دولة العديد من القيود التي تحددها لمواطني الدول الأخرى ليتمكنوا من حيازة تأشيرة دخول أراضيها، ومن المؤكد أن أحد أهم هذه القيود هو مدى الموثوقية التي تتمتع بها حكومة المتقدم للحصول على تأشيرة دخول، فعلى سبيل المثال لا ترحب غالبية دول العالم بمواطني الدول المصنفة بأنها مارقة أو راعية للإرهاب، فالمجتمع الدولي يخشى من اندساس الطابور الخامس لتلك الحكومات وقيامه بأعمال تجسس أو تخريب، وهو ما يدفع الكثير من الدول لاتخاذ إجراءات صارمة لمنح تأشيرة دخول لأراضيها، بل قد تمتنع بعضها تماماً عن منح التأشيرة لمواطني الدول المارقة.

ومن الأسباب المهمة أيضاً -والتي تؤخذ في الاعتبار- عند تسهيل أو التشدد في قرارات منح التأشيرة لرعايا الدول الأخرى القوة الاقتصادية للدول بصورة عامة، ففي حال ارتفاع نسبة البطالة في دولة ما نجد أن الدول الأخرى تتشدد في منح تأشيرة دخول لمواطني هذه الدولة، وذلك خوفاً من تسلل أعداد كبيرة من العمالة غير النظامية إليها مستغلين وجودهم داخل أراضيها، ثم اقتحام سوق العمل دون تخطيط ولا رقابة مما يؤدي لاختلاله والإضرار باقتصاد الدولة المضيفة.

على مدار عقود طويلة كان المواطن السعودي -ولايزال- محل ترحيب واحتفاء من الكثير من دول العالم، حتى تلك التي تختلف لبعض الوقت مع المملكة لسبب أو لآخر، ويعزى هذا الأمر للثقة الدولية التي تحظى بها المملكة حكومة وشعباً، فالحكومة السعودية حكومة مسؤولة تعي مسؤولياتها الخارجية، وهي عضو مؤسس في العديد من المنظمات العالمية، ولها دور بارز بل ومحوري في استئصال شأفة الإرهاب وخصوصاً على مستوى منطقة الشرق الأوسط، كما أن قوة اقتصادها وانخفاض نسبة البطالة بها يسهمان في تشجيع غالبية الدول لمنح المواطنين السعوديين تأشيرة دخول لأراضيهم.

من المؤشرات التي تقيس قوة جواز السفر هو مؤشر هينلي، وهذا المؤشر هو تصنيف عالمي يقيّم دول العالم طبقاً لمدى قوة جوازات سفرهم، وطبقاً لمدى حرية التنقل الممنوحة لمواطني دولة ما في جميع أنحاء العالم، وطبقاً لهذا المؤشر فإن الدول التي غدت تعفي المواطنين السعوديين من إلزامية حيازة تأشيرة دخول أراضيها أصبحت في ازدياد مستمر، وهذا الاحتفاء هو ثمرة الكثير من الجهود المستمرة على العديد من الأصعدة، وهو يعكس القوة الإقليمية المؤثرة والفاعلة للمملكة على الصعيد الدولي، ويوضح ترحاب غالبية دول العالم بالمواطنين السعوديين.

من المؤكد أن الجهود الحثيثة والجولات الخارجية للأمير محمد بن سلمان ولي العهد أسهمت في أن تتبوأ المملكة المكانة الدولية التي أضحت تحتلها الآن، وقد حرص ولي العهد على إدارة الملفات الخارجية للمملكة بحكمة وذكاء مما أسهم في تطوير العلاقات بينها وبين الدول الأخرى على نحو إيجابي، كما حرص الأمير الشاب على تصفية كافة الخلافات وعلى تنقية العلاقات الدبلوماسية من أية شوائب مما انعكس على حرص الكثير من دول العالم على الترحاب بالمواطنين السعوديين، وسماحهم لهم بدخول أراضيها دون تأشيرة مسبقة، وهو ما اتضح تماماً من خلال رفع مؤشر هينلي لتصنيفه للمملكة بحيث أضحى جواز السفر السعودي مرحباً به تماماً من كثير من دول العالم.

لا شك في أن صعود المملكة في أي تصنيف عالمي وتطورها، هو نتاج خطة ممنهجة وليس حالة استثنائية أو عشوائية، سواء اتضح ذلك في مؤشر هينلي أو غيره من بقية المؤشرات العالمية، ومن المؤكد أن الفترة القادمة ستشهد المزيد من الإعفاءات الممنوحة للمواطنين السعوديين، مما سيجعل جواز السفر السعودي في مقدمة الدول التي يحمل مواطنوها جواز سفر مرحباً به من غالبية دول العالم، وما يؤكد ذلك قيام بعض الدول المتشددة في منح تأشيرة الدخول لأراضيها كالمملكة المتحدة بمنح مواطني المملكة العربية السعودية تلك الإعفاءات، كما أن توجه الولايات المتحدة لتمديد فترة التأشيرة السياحية لمدة عشر سنوات يمثل أيضاً إشارة جلية لما تتمتع به الدبلوماسية السعودية من موثوقية ونفوذ، وما يتصف به نهجها من حكمة وحصافة ومعرفة شاملة وثقة المجتمع الدولي بها.