«آثار الباحة»تستغيث من التعرية بالمتحف
أكثر من 160 موقعاً وأثراً عمرها 4000 عام..
الجمعة / 06 / صفر / 1444 هـ الجمعة 02 سبتمبر 2022 04:21
علي الرباعي (الباحة)rabai4444@
تزخر منطقة الباحة بمواقع أثرية، ونقوش موغلة في القدم، ورسوم في جدران وأسقف الكهوف الجبلية، ويضم كهف «هريته» في شدا الأعلى مجسماً يحمل على خاصرته سيفاً، والرسم يشير إلى العصر الحديدي والبرونزي؛ ما يعني أنها متوارثة عن زمن يصل إلى القرن الثاني عشر قبل الميلاد.
ورغم الجهود الفردية الحثيثة لباحثين لتوثيق تاريخ وجغرافية آثار المنطقة، إلا أنها تظل جهودًا فردية تستحق التعزيز بالمختصين، ونقل ما هو مكتشف تحت سقف المتحف الإقليمي ليمكن التعريف بسيرة الباحة لزائريها عبر الصوت والصورة والأثر المشاهد عياناً.
أكثر من حضارة في السراة وتهامة والبادية، كما تتوزع في أرجاء منطقة الباحة آثارًا تمتد جذورها لآلاف الأعوام، وتؤكد بقايا تلك العناصر الآثارية، عمق الصلات الوثيقة، بين حضارات عاشت وتعايشت في أنحاء منطقتنا المترامية الأطراف؛ ما يولّد الإعجاب والدهشة ويلفت نظر الدارسين والمصطافين والسائحين، ويدفع إلى الربط بين إنسان المكان والجذور والمعالم التَّاريخيَّة التي ترسّخ القناعة بأن الحبل السري بين وطننا السعودي وثقافات أقامت على جغرافية المملكة لم ينقطع ولم تنفصم عُراه، وأكثر ما يخشاه الآثاريون أن تفقد الآثار بفعل عوامل التعرية أصالتها، وما هو مدوّن عليها من رسوم ونقوش.
وتمنح الآثار شعوراً بالتواصل الإنساني، وامتداد الجذور إلى عصور آباء وأجداد بنوا وأشادوا وأضافوا وشيّدوا، وربما تتطاول أيادي العابثين على شواهد تاريخنا إن لم تُجمع وتُصَنْ.
آثار حضارات ومجتمعات
ربط الحضارة المعينية بجبال السراة يثير بعض الآثار بأسمائها وملامحها، مقاربات بينها وبين ما سبقها من حضارات ومجتمعات.
ويؤكد الباحث الأثري إبراهيم يحيى الزهراني لـ«عكاظ»، أن الرسوم البدائية في جبال منطقة الباحة توثّق لإنسان ما قبل التاريخ، وحدد المواقع التي وقف عليها بالصور، ومنها شدا الأسفل والأعلى، وعشم، والخُلف والخليف، وتلاع، ونيس، وأثرب؛ وحزنة، والحوبة، وجبل رَبَا، وجبلا كُبُر، وصلحب، ودوس.
وأوضح الزهراني، أن الرسم في كهف «هريته» يعبّر عن شخص في خاصرته سيف؛ ما يدل على أنه استلهام للعصر الحديدي، مشيراً إلى احتمال مرور المعينيين بـ«شدا» أثناء نزوحهم من «ددن» في العلا إلى اليمن ليؤسسوا عاصمتهم «قرناو».
وأشار، إلى أن قرية عشم تعود إلى ما قبل الإسلام، واشتهرت بالمعادن، وبها آثار سد عملاق تم بناؤه لحفظ مياه جبال السراة، والاستفادة منها في الزراعة والرعي، إضافةً لمصانعها وأفرانها المتخصصة في الزجاج الملوّن.
تعاقب العهود على المنطقة
كما كشف الباحث الأثري الزهراني، تعاقب العهود على المنطقة، فاللُقى الأثرية من الأواني المصنوعة من الفخار، منقوشة ومزينة بالذهب الممزوج بأنواع من النباتات لتعطي تلك الألوان.
وعدّ مثل هذه الصناعات من المعثورات الأثرية في مدينة عشم والمتاخمة لساحل البحر الأحمر، دليلاً على الحركة التجارية والصناعية، واختيار مواقع إستراتيجية لنقل البضائع والمصنوعات بالسفن إلى اليمن وجدة والشام عبر موانئ «السرين، ودوقة، والقنفذة، والليث،والشعيبة».
ولفت الزهراني إلى عناية الأقدمين بدوس، وبها كان صنم «ذي الخلصة» و«ذي الكفين» الذي قال عنه علامة الجزيرة حمد الجاسر: هو تثنية كف، ويعود للطفيل بن عمرو الدوسي، وقد تطهّر منه ومن «ذي الشُرى» وحرقهما وقال:
يا ذا الكفين لستُ من عُبّادك
ميلادنا أقدمُ من ميلادك
إني حشوتُ النار في فؤادك.
الخُلف والخليف بلدة الفيروزآبادي
أكد أستاذ علم الآثار الدكتور أحمد بن قشّاش الغامدي، أن معنى «الخلف والخليف» في اللغة مفيض الماء أو المكان المتسع الذي يفيض إليه الماء بعد خروجه من ممرات ضيقة، مشيراً إلى أن القريتين متجاورتان تقريباً، وتقعان إلى الشمال والشمال الغربي من محافظة قلوة على ضفاف أودية مهمة، منها واديا محلا، وريم، المنحدران من جبل نيس المشهور بالقطاع التهامي، موضحاً أن مباني وآثار القريتين، ونقوشهما الوفيرة تدل على أنها ذات عراقة وقِدم، كون القريتين تضم عدداً من الحصون والمباني الأثرية، ومسجد الخلف، وبئر دغيفقة، لافتاً إلى أنه يوجد ممر تحت الأرض حفر آنذاك لأسباب أمنية، كما يذهب من خلاله النساء لجلب الماء دون أن يراهن أحد، عاداً هذا العمل من التقنيات الأمنية والحربية التي تثير الإعجاب والدهشة.
ولفت قشاش، إلى أن قريتي «الخلف والخليف» لم تشتهرا في المصادر الجغرافية القديمة بسبب بُعد موقعهما عن الطرق التجارية والقوافل، إلا أنهما ذُكرتا في بعض المصادر التي أوضحتها نقوش أسماء الرجال والنساء المتوفين على بعض جدرانها.
وأشار إلى أن أشهر الشخصيات العلمية التي برزت في قرية الخلف الشيخ موسى بن عيسى الذي ترجم له السخاوي، إضافة إلى العالم اللغوي مجد الدين الفيروزآبادي صاحب القاموس «المحيط» الذي استوطن في هاتين القريتين نحو عام. ودعا قشاش الجهات المعنية للاهتمام بهذه الآثار وحمياتها كي لا تتعرض للتلف سواء بفعل بشري أو لعوامل التعرية.
نقوش تخالف كتب الأنساب
يُبدي الزهراني، تحفظه على بعض كتب الأنساب، كون الأثر أوضح في الدلالة من المدوّن في الوثائق، وعدّ أُم رومان، وعامر بن فهيرة، وعمرة بنت أسد، وغيرهم شخصيات كنانية عدنانية نقوشهم في كنانة زهران، وإن كانت النقوش تخالف كتب الأنساب، وتطلّع لإسهام الرؤية بمبادرات ترصد وتنقل وتحفظ وتصون ما بين أيدي الطبيعة من كنوز قابلة للاندثار إن لم تصنها الجهات المختصة.
ورغم الجهود الفردية الحثيثة لباحثين لتوثيق تاريخ وجغرافية آثار المنطقة، إلا أنها تظل جهودًا فردية تستحق التعزيز بالمختصين، ونقل ما هو مكتشف تحت سقف المتحف الإقليمي ليمكن التعريف بسيرة الباحة لزائريها عبر الصوت والصورة والأثر المشاهد عياناً.
أكثر من حضارة في السراة وتهامة والبادية، كما تتوزع في أرجاء منطقة الباحة آثارًا تمتد جذورها لآلاف الأعوام، وتؤكد بقايا تلك العناصر الآثارية، عمق الصلات الوثيقة، بين حضارات عاشت وتعايشت في أنحاء منطقتنا المترامية الأطراف؛ ما يولّد الإعجاب والدهشة ويلفت نظر الدارسين والمصطافين والسائحين، ويدفع إلى الربط بين إنسان المكان والجذور والمعالم التَّاريخيَّة التي ترسّخ القناعة بأن الحبل السري بين وطننا السعودي وثقافات أقامت على جغرافية المملكة لم ينقطع ولم تنفصم عُراه، وأكثر ما يخشاه الآثاريون أن تفقد الآثار بفعل عوامل التعرية أصالتها، وما هو مدوّن عليها من رسوم ونقوش.
وتمنح الآثار شعوراً بالتواصل الإنساني، وامتداد الجذور إلى عصور آباء وأجداد بنوا وأشادوا وأضافوا وشيّدوا، وربما تتطاول أيادي العابثين على شواهد تاريخنا إن لم تُجمع وتُصَنْ.
آثار حضارات ومجتمعات
ربط الحضارة المعينية بجبال السراة يثير بعض الآثار بأسمائها وملامحها، مقاربات بينها وبين ما سبقها من حضارات ومجتمعات.
ويؤكد الباحث الأثري إبراهيم يحيى الزهراني لـ«عكاظ»، أن الرسوم البدائية في جبال منطقة الباحة توثّق لإنسان ما قبل التاريخ، وحدد المواقع التي وقف عليها بالصور، ومنها شدا الأسفل والأعلى، وعشم، والخُلف والخليف، وتلاع، ونيس، وأثرب؛ وحزنة، والحوبة، وجبل رَبَا، وجبلا كُبُر، وصلحب، ودوس.
وأوضح الزهراني، أن الرسم في كهف «هريته» يعبّر عن شخص في خاصرته سيف؛ ما يدل على أنه استلهام للعصر الحديدي، مشيراً إلى احتمال مرور المعينيين بـ«شدا» أثناء نزوحهم من «ددن» في العلا إلى اليمن ليؤسسوا عاصمتهم «قرناو».
وأشار، إلى أن قرية عشم تعود إلى ما قبل الإسلام، واشتهرت بالمعادن، وبها آثار سد عملاق تم بناؤه لحفظ مياه جبال السراة، والاستفادة منها في الزراعة والرعي، إضافةً لمصانعها وأفرانها المتخصصة في الزجاج الملوّن.
تعاقب العهود على المنطقة
كما كشف الباحث الأثري الزهراني، تعاقب العهود على المنطقة، فاللُقى الأثرية من الأواني المصنوعة من الفخار، منقوشة ومزينة بالذهب الممزوج بأنواع من النباتات لتعطي تلك الألوان.
وعدّ مثل هذه الصناعات من المعثورات الأثرية في مدينة عشم والمتاخمة لساحل البحر الأحمر، دليلاً على الحركة التجارية والصناعية، واختيار مواقع إستراتيجية لنقل البضائع والمصنوعات بالسفن إلى اليمن وجدة والشام عبر موانئ «السرين، ودوقة، والقنفذة، والليث،والشعيبة».
ولفت الزهراني إلى عناية الأقدمين بدوس، وبها كان صنم «ذي الخلصة» و«ذي الكفين» الذي قال عنه علامة الجزيرة حمد الجاسر: هو تثنية كف، ويعود للطفيل بن عمرو الدوسي، وقد تطهّر منه ومن «ذي الشُرى» وحرقهما وقال:
يا ذا الكفين لستُ من عُبّادك
ميلادنا أقدمُ من ميلادك
إني حشوتُ النار في فؤادك.
الخُلف والخليف بلدة الفيروزآبادي
أكد أستاذ علم الآثار الدكتور أحمد بن قشّاش الغامدي، أن معنى «الخلف والخليف» في اللغة مفيض الماء أو المكان المتسع الذي يفيض إليه الماء بعد خروجه من ممرات ضيقة، مشيراً إلى أن القريتين متجاورتان تقريباً، وتقعان إلى الشمال والشمال الغربي من محافظة قلوة على ضفاف أودية مهمة، منها واديا محلا، وريم، المنحدران من جبل نيس المشهور بالقطاع التهامي، موضحاً أن مباني وآثار القريتين، ونقوشهما الوفيرة تدل على أنها ذات عراقة وقِدم، كون القريتين تضم عدداً من الحصون والمباني الأثرية، ومسجد الخلف، وبئر دغيفقة، لافتاً إلى أنه يوجد ممر تحت الأرض حفر آنذاك لأسباب أمنية، كما يذهب من خلاله النساء لجلب الماء دون أن يراهن أحد، عاداً هذا العمل من التقنيات الأمنية والحربية التي تثير الإعجاب والدهشة.
ولفت قشاش، إلى أن قريتي «الخلف والخليف» لم تشتهرا في المصادر الجغرافية القديمة بسبب بُعد موقعهما عن الطرق التجارية والقوافل، إلا أنهما ذُكرتا في بعض المصادر التي أوضحتها نقوش أسماء الرجال والنساء المتوفين على بعض جدرانها.
وأشار إلى أن أشهر الشخصيات العلمية التي برزت في قرية الخلف الشيخ موسى بن عيسى الذي ترجم له السخاوي، إضافة إلى العالم اللغوي مجد الدين الفيروزآبادي صاحب القاموس «المحيط» الذي استوطن في هاتين القريتين نحو عام. ودعا قشاش الجهات المعنية للاهتمام بهذه الآثار وحمياتها كي لا تتعرض للتلف سواء بفعل بشري أو لعوامل التعرية.
نقوش تخالف كتب الأنساب
يُبدي الزهراني، تحفظه على بعض كتب الأنساب، كون الأثر أوضح في الدلالة من المدوّن في الوثائق، وعدّ أُم رومان، وعامر بن فهيرة، وعمرة بنت أسد، وغيرهم شخصيات كنانية عدنانية نقوشهم في كنانة زهران، وإن كانت النقوش تخالف كتب الأنساب، وتطلّع لإسهام الرؤية بمبادرات ترصد وتنقل وتحفظ وتصون ما بين أيدي الطبيعة من كنوز قابلة للاندثار إن لم تصنها الجهات المختصة.