كتاب ومقالات

أنسنة الإنسان!

منى المالكي

تزداد المخاوف في الفترة الأخيرة من دمج الروبوت أو الآلة في مفاصل الحياة الإنسانية، وتغدو بديلاً عن البشر على كوكبهم الأثير! بعد إعلان إيلون ماسك، المؤسس والرئيس التنفيذي وكبير المهندسين في SpaceX والرئيس التنفيذي ومهندس المنتجات لشركة «تيسلا» الرائدة في مجال السيارات الكهربائية، عن شريحته الإلكترونية التي لن يقتصر عملها على قراءة البيانات فحسب، بل إدخال معلومات إلى الدماغ البشري، وذلك عبر زرع قطعة (بسماكة 1/‏20 من سماكة الشعرة) في الدماغ وربطها مع تطبيق على الهاتف الذكي الخاص بالمستخدم، فهل من حقنا أن ندعو إلى أنسنة الإنسان أي العودة به إلى الإحساس بالأشياء ولمسها بفطرة بشرية بعيدة عن رقمنة ما حوله وتحويل تلك اللمسات الإنسانية إلى سيرتها الأولى؟! ورغم تصريح ماسك بأن عمل الشريحة سيكون مقتصراً على مساعدة البشر على القيام بأعمالهم بشكل أكثر سرعة وفعالية، إلا أن التوصل إلى تطوير تقنيات كهذه والسيطرة على معلومات بالغة الخصوصية، والتحكم بها يجعل الخشية من سيطرتها على البشر أمراً مبرراً.

فرغم التطور الهائل الذي تشهده تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، إلا أنها لم تصل إلى الوقت الذي تستطيع هذه الروبوتات نفسها اتخاذ قرارات أخلاقية هي السمة البشرية المتفردة، التي لم تستطع الروبوتات إلى الآن الوصول إلى مثل هذه القرارات، لنقف معاً أمام مدرستي الأخلاق الوضعية (الكانطية) والأخلاق «العواقبية» وهما من أبرز المدارس الأخلاقية وأشهرها في هذا السياق. تحدد المدرسة الكانطية أخلاقية فعل ما من عدمها بالاعتماد على الفعل بعينه من دون النظر إلى حيثياته، فالكذب مثلاً لا أخلاقي مهما كانت الضرورة ومهما كانت النتائج. بينما تحدد المدرسة العواقبية أخلاقية الفعل بالاعتماد على النتائج، فقد يكون الكذب أخلاقيّاً بالنسبة إليها إذا أدى بالنتيجة الى إنقاذ حياة إنسان. ما يعني أن الجدل مستمر ومثله المخاوف.

يقول الباحث كيفين روز في كتابه «برهان المستقبل» إن على الإنسان التركيز على تحصين مهنته عبر سؤال «ما الوظيفة التي يؤديها الإنسان أفضل من الروبوت؟» ولعل قدرتنا نحن البشر على التواصل هي إحدى الميزات البديهية التي ما زال أمام الروبوتات أشواط ومراحل طويلة لتتمكن من الوصول إليها. وبحسب الإحصاءات، إن أقل المهن تضرراً من ثورة الذكاء الاصطناعي هي تلك التي تعتمد على التواصل وليس التوصيل، كالاختصاصيين النفسيين مثلاً أو المعلمين أو المهن الفنية، وغيرها من الأعمال التي تتطلب «لمسة بشرية». ونستطيع القول إننا أمام تجربة إنسانية لم يشهد لها التاريخ البشري مثيلاً. فما هو شكل الحياة التي ستكون الآلة جزءاً لا يتجزأ منها؟ وهل نحن أمام أنسنة للآلة أم رقمنة للإنسان؟

هنا يحذر ستيفن هوكينغ من أننا سنكون في مواجهة مع الروبوتات مستقبلاً إذا لم نجد ضوابط لذكائها، وفي الجانب الآخر دعونا نتفاءل ونأمل أن يتوصل الإنسان إلى القدرة على منح آلة جامدة خصائص إنسانية لم تزل إلى اليوم ميزة بشرية فريدة، ونحقق حلم أنسنة الآلة!