الأربطة تتمزق.. والنظار غائبون

ثلاث وزارات تتحمل مسؤولية واقعها المر

هاني اللحياني - مكة المكرمة

قبل نحو عامين وتحديدا في 25 /11/1427 هـ أقرت توصيات اول اجتماع لنظار الاربطة الخيرية، بهدف توفير قاعدة معلومات جذرية لرسم التعديلات بعد دراسة الحالات التي تسكن الاربطة ومتابعتها بيئيا واجتماعيا وصحيا.. وفي خطوة جديدة تم اختيار عدد من نظار الاوقاف لإيجاد مجلس ينسق خدمات الاربطة في محافظة جدة على سبيل المثال للعمل على تطوير برامجها وخدماتها من اجل تحسين أوضاع ساكني الاربطة من النساء والارامل والايتام.. وحدد اجتماع للمجلس وحتى الآن ورغم مرور أكثر من عام لم يتم اعلان ما توصلت اليه الاجتماعات. ومازالت الاربطة تشكو حالها يوما بعد يوم، وتكفي مشاهدة واجهة الاربطة لتعبر عن واقعها في الداخل. فالمنازل متهالكة، والشقق لا تحمل الا اثاثا وضيعا، وتوصيلات كهربائية تنذر بالخطر في ظل الاسلاك المكشوفة، ومواسير الصرف الصحي تلفظ ما في جوفها، ومياه الشرب مقطوعة الا من صدقات المحسنين. ولعل الواقع يغني عن السؤال، لانه يعبر عن الكثير من المعاناة.
مقطوعون من شجرة
لم تتوفر حتى الان احصائيات مؤكدة عن عدد او قاعدة معلومات عن الاربطة في المملكة،واذا كان غياب المعلومة السبب المباشر في عدم التمكن من خدمة هذه الفئة، الا ان الجهات المختصة تؤكد ان الاشكالية ليست في الاربطة الحكومية بل في الاربطة الاهلية التي لايلتزم نظارها بالتعليمات وتحدث في بعضها التجاوزات من آن لاخر.
وحسب الاجتهادات فان بعض الاحصائيات تشير الى ان عدد الاربطة في جدة بلغ 76 رباطا منها 36 مقرا فقط صالحة للسكن البشري، والبقية اما آيلة للسقوط أو سقطت جزئيا او مجهولة الملكية أو مبان اثرية.
واذا كانت جملة ( مقطوعين من شجرة ) التي رددها العم ياسين جابر احد سكان الاربطة في مكة المكرمة.. تعبر عن واقع سكان الاربطة، الا انها تعبر عن واقع اخر لا يعني سوى النقص في الخدمات الى حد الاحتياج او يمكن وصفه بغياب تام للخدمات، من مياه وكهرباء وصيانة وصرف صحي، فضلا عن توفير قوت اليوم.
في هذه الاربطة ترى مباني متهالكة تستحيل الحياة في أغلب أجزائها ومداخل تستقبلك بشبكة رديئة من التوصيلات الكهربائية سيئة التوزيع الى حد الشعور بالخطر وأسلاكا أخرى تتدلى ومواسير صرف متآكلة هذه هي ملامح كثير من الأربطة .
ويقول ياسين جابر ان بقايا محسنين يترددون علينا ويعرفون حاجتنا، مضيفا ان حاجتنا للتواصل من قبل الأقرباء والأصدقاء كحاجتنا لحل مشكلة انقطاع المياه والصيانة الدائمة للعمارة التي نسكنها منذ أربع سنوات .
فريد محسن احد المترددين على قريب له في رباط قديم بشارع المنصور أرجع الوضع المأساوي للرباط إلى النظار الذين اعتبرهم غائبين عنه وقال أعرف أن احد المحسنين أوقف عمارة لسكن فقراء الحرم، وأخذ يتابعها باهتمام إلى ان توفاه الله تعالى، وفي الوقت الذي كان يتحتم على اولاده من بعده العمل على متابعة وقف والدهم،الا انه دب الخلاف بينهم فنسوا الوقف الذي أصبح غارقاً في الاهمال ويحتاج للصيانة والمتابعة والتأكد من هوية الساكنين وحاجتهم للسكن .
بثور الاربطة
وألمح إبراهيم اليامي عقاري بمكة المكرمة إلى أنه بعد التغير الواضح في الخريطة المكية بفعل نزع الملكيات لصالح التوسعة الشمالية للحرم المكي والطريق الموازي والطريق الدائري أصبح اليوم كثير من أربطة مكة المكرمة محل استثمار كبير لسكن الحجاج، خاصة أن الحاجة لوجود سكن للحجاج أنعشت مواقع بعيدة لذا أرى أهمية التفكير في كيفية استثمار هذه المباني كي تكون رافدا جديدا لبناء قرى متكاملة للمحتاجين او الفئة الأولى بالرعاية في مناطق أكثر اتساعا وتخطيطاً ورقياً بدلاً من أن تكون هذه المباني بثورا في وجه ام القرى.
واقع مرير
إحسان صالح طيب مدير عام الشؤون الاجتماعية سابقاً حمل مسؤولية الواقع المر للأربطة على ثلاث جهات حكومية تشمل وزارة الشؤون الاسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد ووزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة الصحة، حيث أن الحاجة تبدو ملحة لصياغة دور جديد لكل وزارة لدعم العمل الاجتماعي في هذه الدور، مشيرا الى ان الاربطة تعاني اليوم من تجاهل واضح.
وابان أن دراسة أجريت على هذه الدور بينت أن كثيرا من سكان الأربطة لا تنطبق عليهم معايير الإيواء في هذه الدور .
لجنة ثلاثية
وتتجه لجنة ثلاثية من وزارات الداخلية والشؤون الاجتماعية و الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد لدراسة وضع سكان المجمعات والأربطة السكنية الخيرية في مكة المكرمة بهدف الوقوف على البنية التحتية لهذه المجمعات ورصد واقع الحالات المستفيدة ومعرفة أبرز حاجات المستفيدين من هذه الأربطة وما يعترض مجالات الإسكان الخيري داخل أم القرى، حيث طالبت شرطة العاصمة المقدسة 60 عمدة من عمد أحياء مكة المكرمة بالتعاون مع فريق العمل الاجتماعي المشكل لبحث هذه المواقع والتي يتركز أغلبها حول المنطقة المركزية وداخل الطريق الدائري الثاني.
أربطة أثرية
واعترف مصدر مسؤول في لجان الأربطة بالإدارة العامة للشؤون الاجتماعية بمنطقة مكة بأن أغلب الأربطة بالمنطقة قديمة وأن هناك أربطة تجاوز عمرها مئة عام، وصارت معلما أثريا ترفض البلدية والأمانة التفريط فيه باعتباره ثروة وطنية.
وأضاف أن هناك أربطة تركها نظارها وملاكها خاصة ما صار مهدما أو محترقا وبطبيعة الحال لم يعد صالحا بتاتا للسكن البشري كما أن بعض الأربطة غير معروفة الملكية ولم يظهر من يدعي ملكيتها أو ورثة المالك إلى جانب أربطة أخرى آيلة للسقوط وصارت مأوى للحيوانات الضالة والحشرات والقوارض وكذلك للمهربين ومستعملي المخدرات والمنحرفين أخلاقيا وما إلى ذلك.
وأوضح تقرير صادر عن الجهة ذاتها أن غالبية هذه الأربطة تقع في مواقع استثمارية في حين تمثل قيمتها المادية النقدية ملايين الريالات إلا أنها صارت أوقافا معطلة.
ولفت إلى وجود أوقاف وأربطة لم تصل إلى علم اللجان وجميع الأربطة الصالحة للسكن ترتبط بما يسمى شرط الواقف وهي الشروط التي حددها من قام بوقفها في حينه.

وذكر أن هذه الأربطة أعدت في أزمنة بعيدة تبدل الغرض والفائدة المرجوة منها في الزمن الحاضر نظرا لتعاقب الأجيال وما يرافق ذلك من تغيرات اجتماعية من جيل إلى جيل ولم تعد تتماشى مع مستجدات ومشاكل الحياة العصرية حيث تعود إمكانية الموافقة على السكن من عدمها إلى رأي المالك أو الناظر أو المسؤول أو الوكيل أو حتى الحارس في بعض الأربطة.
سكان مخالفون
وأكد التقرير أن النسبة العظمى من سكان الأربطة غير سعوديين إذ تصل نسبة الأجانب في المعدل العام إلى 78% فيما ترتفع في أربطة بعينها إلى 90%.
وعزا انخفاض نسبة السعوديين في الأربطة إلى ما تشهده من المشاكل والانحرافات من ساكنيها وكذلك من بعض القائمين عليها و لذا تترفع بعض الأسر وخصوصا النساء المطلقات عن السكن في هذه الأربطة.
وابان التقرير أن بعض سكان الأربطة من كبار السن والأرامل والمطلقات ونسبة بسيطة من المعاقين وأغلبهم بحاجة للعناية والرعاية الاجتماعية والصحية والإنسانية.
وحسب نتائج البحث، فقد تبين أن نسبة كبيرة من سكان الأربطة غير مستحقين للسكن بها خاصة من تم إسكانهم منذ سنوات بعيدة بطريقة عشوائية وربما بغير علم المالك فصار المحتاجون وغير المحتاجين يسكنون في الرباط ويحدد ذلك عادة علاقة الساكن بصاحب الرباط أو الناظر أو المسؤول.
وشدد التقرير على أن بعض هذه الوحدات بحاجة إلى صيانة إذ تركت مهملة بسبب عدم رغبة ورثة المالك في الإنفاق على الصيانة وانشغالهم عنها بأمورهم و ترك المسؤولية إلى موظفين وحراس أجانب كما أن إدارة الأوقاف والمساجد ليس لديها بنود مالية لإجراء الصيانة لهذه الأربطة بتاتا.
وتعاني كثير من الأربطة من ظاهرة انعدام الرقابة على ساكنيهاحتى ان أغلب من يستلم الرباط يقوم بتأجيره على أشخاص من خارجه.

توصيات مجلس النظار
أقرت اللجنة الاجتماعية بمجلس محافظة جدة في 25/11/1427 هـ توصيات الاجتماع الاول لنظار الاربطة التي تشمل تكوين اللجنة التنسيقية للاربطة الخيرية وتوفير قاعدة معلومات جذرية لرسم التعديلات بعد دراسة الحالات التي تسكن في الاربطة ومتابعتها بيئيا واجتماعيا وصحيا. وبحث اجتماع اللجنة الاجتماعية موضوع الاربطة واطلع على كافة التوصيات. واوضح مدير عام فرع الشؤون الاسلامية بالمنطقة د.عبدالرحمن الحازمي ان دور المجلس استشاري وهناك جهات اخرى مسؤولة عن الدور التنفيذي. وكان المشاركون في الاجتماع بحثوا التقرير الذي اعده رئيس لجان الاربطة بالشؤون الاجتماعية سعود بخاري وتوصياته التي اقترحها ومنها تفعيل لجان الاربطة في جميع مناطق ومدن المملكة واجراء دراسة شاملة لكل الاربطة وساكنيها
كما بحث الاجتماع التقرير الاخر الذي اعده علي القعيطي واشرف عليه اسماعيل فلمبان والذي يتناول بعض الملاحظات وابرزها عدم وجود حراسة على اغلب الاربطة وعدم توفر اشتراطات الامن والسلامة في الكثير من الاربطة العديد من الاربطة تحتاج لصيانة داخلية وعدم وجود سجلات للسكان في بعض الاربطة، اغلب الحالات المرضية المنتشرة بين السكان عبارة عن امراض مزمنة «ضغط وسكر وشيخوخة».