دول التاج البريطاني بين الاستقلال والتبعية
الجمعة / 27 / صفر / 1444 هـ الجمعة 23 سبتمبر 2022 03:20
محمد مفتي
على الرغم من انقضاء قرابة أسبوعين على وفاة ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية، إلا أن وسائل الإعلام العالمية لا تزال تتناول سيرة الملكة الراحلة وأسرتها، وكذلك الدول التي حكمتها خلال سبعة عقود مضت، ومن المؤكد أن هذا الاهتمام البالغ كان متوقعاً تماماً وليس فيه أي نوع من أنواع المبالغة، فالمملكة المتحدة كانت ولا تزال واحدة من إحدى الدول العظمى المؤثرة في القرارين السياسي والعسكري الدولي، كما أن ملكة بريطانيا السابقة تعتبر واحدة من الشخصيات الرمزية الأكثر حضوراً وأهمية من بين كافة زعماء وقادة العالم.
من المؤكد أن المملكة المتحدة لعبت دوراً كبيراً عالمياً على الكثير من المستويات السياسية والعلمية والاقتصادية والعسكرية وغيرها، وذلك على الرغم من أن البعض لا يرى فيها سوى أنها قوة استعمارية غزت عشرات الدول خلال القرون الماضية (كونها كانت تمثل الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس). وعلى الرغم من انفصال الكثير من الدول عنها بعد حصولها على الاستقلال التام، إلا أن هناك دولاً أخرى مستقلة أيضاً ولكن يمثل ملك/ملكة المملكة المتحدة رأس الدولة فيها، مثل كندا وأستراليا ونيوزلاندا وجامايكا والبهاما وغيرها، ويخلط البعض بين ثلاثة مسميات وهي إنجلترا وبريطانيا العظمى والمملكة المتحدة، وللتوضيح فإن بريطانيا العظمى تتكون من ثلاثة أقاليم هي إنجلترا وويلز وأسكتلندا، أما المملكة المتحدة فهي تلك الأقاليم الثلاثة بالإضافة إلى إيرلندا الشمالية.
بنهاية الحرب العالمية الثانية بدأت تلك الإمبراطورية العملاقة في التفكك، وفي الواقع لم يثر ذلك الأمر اهتمام بريطانيا العظمى كثيراً كون الكثير من هذه الدول التي كانت تحتلها كانت تمثل عبئاً سياسياً واقتصادياً عليها لم يعد بوسعها تحمله، ولاسيما عقب الإنهاك الذي نال منها عقب انتهاء الحروب العالمية ولا سيما الحرب العالمية الثانية، والتي خرجت منها منتصرة رغم هذا الإنهاك، غير أن الرابطة التي تضم الكثير من الدول المنضوية تحت التاج البريطاني ظلت منتمية لها على الرغم من تنامي الحركات التي تطالب بالانفصال داخلها، وعلى الرغم من نجاح غالبية هذه الدول في الحصول على استقلالها كدول مستقلة ذات سيادة، إلا أن بعضها لا يزال متمسكاً بانتمائه للتاج البريطاني، بل حتى داخل المملكة المتحدة نفسها، على سبيل المثال رفضت أسكتلندا في استفتاء أجري في عام 2014 الانفصال عن التاج البريطاني، لأنه يمثل رمزاً لوحدتها وقوتها التاريخية والحاضرة.
ترى بعض الدول المستقلة التي يمثل العاهل البريطاني رأس الدولة فيها أن انفصالها عن التاج البريطاني قد يعرض أمنها القومي للخطر ويفقدها الدعم السياسي الذي تحتاجه، ويحضرنا في التاريخ الحديث ما يوضح هذه الفكرة، فعلى سبيل المثال تمثل جزر الفوكلاند التي تتمتع بالحكم الذاتي - وهي ليست دولة مستقلة - نموذجاً تاريخياً لمفهوم الدعم السياسي الذي توفره بريطانيا للأقاليم التابعة لها، وتبلغ مساحة تلك الجزر بضعة آلاف من الكيلومترات، وهي قريبة من الحدود الأرجنتينية، ولطالما سعت الأرجنتين لضم الجزر لها على الرغم من الرفض الشعبي لسكان تلك الجزر للانضمام لها.
في العام 1982 قامت الأرجنتين بمغامرة غير محسوبة العواقب لاحتلال الجزر، واستطاعت السيطرة عليها بالفعل خلال ساعات فقط، وقد اعتمدت حسابات القيادة السياسية الأرجنتينية على أن المملكة المتحدة لن تغامر بإرسال جيوشها لآلاف الكيلومترات وتعرض بوارجها الحربية للخطر من أجل بضعة جزر نائية، إضافة إلى ذلك، فإن مساحة الأرجنتين - والتي تقارب عشرة أضعاف مساحة المملكة المتحدة بأقاليمها الأربعة - دفعتها للاعتقاد بإمكانية الانتصار، كما أنها ظنت أن قربها من الجزر سيحسم الصراع لصالحها، وقد توقعت أن المملكة المتحدة لن تقوم بعملية عسكرية تكلفها أموالاً طائلة من أجل عدة جزر نائية ضعيفة القيمة الاقتصادية، إلا أن رئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارجريت تاتشر لم ترَ الأمر من هذا المنظور، واعتبرت أن الغزو الأرجنتيني للجزر هو غزو لإقليم تابع للتاج البريطاني، وبالتالي فإنه يتحتم عليها حمايته من الغزو الخارجي.
لم تكن الأرجنتين موفقة في توقعاتها كثيراً، فقد فاتها أن المملكة المتحدة عضو دائم في مجلس الأمن الدولي، كما أنها عضو فعال في حلف الناتو، لذلك فقد أيد كافة أعضاء حلف الناتو التحركات البريطانية العسكرية والاقتصادية لإعادة الجزر لها، وقدمت الولايات المتحدة وقتذاك الكثير من الدعم العسكري واللوجيستي للبوارج البريطانية، كما أمدتها بالقواعد العسكرية اللازمة لعملية استعادة الجزر، واستمر الصراع محتدماً حتى أعلنت الأرجنتين استسلامها خلال شهرين من بدايته، ويقدر الخبراء تكلفة هذه الحرب بما يقرب من مليار جنيه إسترليني.
هذا الصراع بين الأرجنتين وبريطانيا ربما دفع بعض الدول «الصغيرة» التابعة للتاج البريطاني إلى التأني قبل المطالبة بتحولها لجمهوريات مستقلة، وخاصة تلك الدول التي تحتاج لدعم سياسي، فعلى الرغم من أنها دول مستقلة وعضو في الأمم المتحدة إلا أن ارتباطها الرمزي بالتاج البريطاني يوفر لها نوعاً من التأييد السياسي في المحافل الدولية، وخاصة في عالم يموج بالصراعات والرغبة في الهيمنة، فمن وجهة نظر تلك الدول الصغيرة أن ارتباطها بالتاج البريطاني لا يمثل احتلالاً، بل هو شراكة وتحالف يصب في مصلحة أمن شعوبها، غير أن الوقت الراهن لم يعد يؤمن بالهيمنة ولا بسيطرة القوى العظمى على مقدرات الشعوب الأضعف منها، غير أنه على الرغم من ذلك فقد بدأت بعض الدول التي تنتمي للتاج البريطاني - وخاصة بعد وفاة الملكة إليزابيث - بالتفكير جدياً في الاستقلال خلال السنوات القادمة.
من المؤكد أن المملكة المتحدة لعبت دوراً كبيراً عالمياً على الكثير من المستويات السياسية والعلمية والاقتصادية والعسكرية وغيرها، وذلك على الرغم من أن البعض لا يرى فيها سوى أنها قوة استعمارية غزت عشرات الدول خلال القرون الماضية (كونها كانت تمثل الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس). وعلى الرغم من انفصال الكثير من الدول عنها بعد حصولها على الاستقلال التام، إلا أن هناك دولاً أخرى مستقلة أيضاً ولكن يمثل ملك/ملكة المملكة المتحدة رأس الدولة فيها، مثل كندا وأستراليا ونيوزلاندا وجامايكا والبهاما وغيرها، ويخلط البعض بين ثلاثة مسميات وهي إنجلترا وبريطانيا العظمى والمملكة المتحدة، وللتوضيح فإن بريطانيا العظمى تتكون من ثلاثة أقاليم هي إنجلترا وويلز وأسكتلندا، أما المملكة المتحدة فهي تلك الأقاليم الثلاثة بالإضافة إلى إيرلندا الشمالية.
بنهاية الحرب العالمية الثانية بدأت تلك الإمبراطورية العملاقة في التفكك، وفي الواقع لم يثر ذلك الأمر اهتمام بريطانيا العظمى كثيراً كون الكثير من هذه الدول التي كانت تحتلها كانت تمثل عبئاً سياسياً واقتصادياً عليها لم يعد بوسعها تحمله، ولاسيما عقب الإنهاك الذي نال منها عقب انتهاء الحروب العالمية ولا سيما الحرب العالمية الثانية، والتي خرجت منها منتصرة رغم هذا الإنهاك، غير أن الرابطة التي تضم الكثير من الدول المنضوية تحت التاج البريطاني ظلت منتمية لها على الرغم من تنامي الحركات التي تطالب بالانفصال داخلها، وعلى الرغم من نجاح غالبية هذه الدول في الحصول على استقلالها كدول مستقلة ذات سيادة، إلا أن بعضها لا يزال متمسكاً بانتمائه للتاج البريطاني، بل حتى داخل المملكة المتحدة نفسها، على سبيل المثال رفضت أسكتلندا في استفتاء أجري في عام 2014 الانفصال عن التاج البريطاني، لأنه يمثل رمزاً لوحدتها وقوتها التاريخية والحاضرة.
ترى بعض الدول المستقلة التي يمثل العاهل البريطاني رأس الدولة فيها أن انفصالها عن التاج البريطاني قد يعرض أمنها القومي للخطر ويفقدها الدعم السياسي الذي تحتاجه، ويحضرنا في التاريخ الحديث ما يوضح هذه الفكرة، فعلى سبيل المثال تمثل جزر الفوكلاند التي تتمتع بالحكم الذاتي - وهي ليست دولة مستقلة - نموذجاً تاريخياً لمفهوم الدعم السياسي الذي توفره بريطانيا للأقاليم التابعة لها، وتبلغ مساحة تلك الجزر بضعة آلاف من الكيلومترات، وهي قريبة من الحدود الأرجنتينية، ولطالما سعت الأرجنتين لضم الجزر لها على الرغم من الرفض الشعبي لسكان تلك الجزر للانضمام لها.
في العام 1982 قامت الأرجنتين بمغامرة غير محسوبة العواقب لاحتلال الجزر، واستطاعت السيطرة عليها بالفعل خلال ساعات فقط، وقد اعتمدت حسابات القيادة السياسية الأرجنتينية على أن المملكة المتحدة لن تغامر بإرسال جيوشها لآلاف الكيلومترات وتعرض بوارجها الحربية للخطر من أجل بضعة جزر نائية، إضافة إلى ذلك، فإن مساحة الأرجنتين - والتي تقارب عشرة أضعاف مساحة المملكة المتحدة بأقاليمها الأربعة - دفعتها للاعتقاد بإمكانية الانتصار، كما أنها ظنت أن قربها من الجزر سيحسم الصراع لصالحها، وقد توقعت أن المملكة المتحدة لن تقوم بعملية عسكرية تكلفها أموالاً طائلة من أجل عدة جزر نائية ضعيفة القيمة الاقتصادية، إلا أن رئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارجريت تاتشر لم ترَ الأمر من هذا المنظور، واعتبرت أن الغزو الأرجنتيني للجزر هو غزو لإقليم تابع للتاج البريطاني، وبالتالي فإنه يتحتم عليها حمايته من الغزو الخارجي.
لم تكن الأرجنتين موفقة في توقعاتها كثيراً، فقد فاتها أن المملكة المتحدة عضو دائم في مجلس الأمن الدولي، كما أنها عضو فعال في حلف الناتو، لذلك فقد أيد كافة أعضاء حلف الناتو التحركات البريطانية العسكرية والاقتصادية لإعادة الجزر لها، وقدمت الولايات المتحدة وقتذاك الكثير من الدعم العسكري واللوجيستي للبوارج البريطانية، كما أمدتها بالقواعد العسكرية اللازمة لعملية استعادة الجزر، واستمر الصراع محتدماً حتى أعلنت الأرجنتين استسلامها خلال شهرين من بدايته، ويقدر الخبراء تكلفة هذه الحرب بما يقرب من مليار جنيه إسترليني.
هذا الصراع بين الأرجنتين وبريطانيا ربما دفع بعض الدول «الصغيرة» التابعة للتاج البريطاني إلى التأني قبل المطالبة بتحولها لجمهوريات مستقلة، وخاصة تلك الدول التي تحتاج لدعم سياسي، فعلى الرغم من أنها دول مستقلة وعضو في الأمم المتحدة إلا أن ارتباطها الرمزي بالتاج البريطاني يوفر لها نوعاً من التأييد السياسي في المحافل الدولية، وخاصة في عالم يموج بالصراعات والرغبة في الهيمنة، فمن وجهة نظر تلك الدول الصغيرة أن ارتباطها بالتاج البريطاني لا يمثل احتلالاً، بل هو شراكة وتحالف يصب في مصلحة أمن شعوبها، غير أن الوقت الراهن لم يعد يؤمن بالهيمنة ولا بسيطرة القوى العظمى على مقدرات الشعوب الأضعف منها، غير أنه على الرغم من ذلك فقد بدأت بعض الدول التي تنتمي للتاج البريطاني - وخاصة بعد وفاة الملكة إليزابيث - بالتفكير جدياً في الاستقلال خلال السنوات القادمة.