إيران لا تريد حل ملفها النووي
الثلاثاء / 08 / ربيع الأول / 1444 هـ الثلاثاء 04 أكتوبر 2022 23:52
أحمد بوحجي
من المتعارف عليه تعنّت المسؤولين الإيرانيين بقراراتهم وآرائهم حتى وإن كانوا مخطئين فيها، العامل الذي شكّل صورة نمطية حول سياساتهم الخارجية بالنسبة للساسة وصنّاع القرار في العالم. وهذا التعنّت أمر متوارث، فالتاريخ يتذكر سقوط إمبراطورية الفرس في العام 330 قبل الميلاد نتيجة عدم احترام الاتفاقات المبرمة بينها وبين ملك بلاد الإغريق الإسكندر الثالث واستهانة الإمبراطورية الفارسية بقوة الممالك الإغريقية آنذاك، وأيضاً يوثق التاريخ خطأ شاه إيران بتجاهل رغبات شعبه وعدم تحقيق رغبات فئة كانت تطالب بتطبيق إجراءات محافظة والابتعاد عن تحكّم الغرب في شؤون البلاد الداخلية، مما أدى إلى إطاحته بنظام طائفي متطرف على الرغم من الازدهار الاقتصادي الذي كانت تعايشه إيران في السبعينيات من القرن الماضي.
كل الجولات التي عُقدت لمناقشة الاتفاق النووي الإيراني ما بعد وصول الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى البيت الأبيض لإعادة إحياء مشروع باراك أوباما، المشروع الذي يفخر به الحزب الديمقراطي الأمريكي، باءت بالفشل فلم يشهد العالم أي تقدم يذكر فيه، بل يبدو أن الحكومة الإيرانية قد نجحت في الضغط على شعبها للتأقلم على الظروف المعيشية الصعبة التي حملتها حزمة العقوبات الاقتصادية عليها خلال السنوات الماضية.
التاريخ يوثّق عدم احترام إيران للمعاهدات الدولية والاتفاقيات، فهي من أول الدول التي صادقت على اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية عام 1965م، وعلى الرغم من ذلك، تورّطت في احتجاز دبلوماسيي وموظفي السفارة الأمريكية في طهران لمدة 444 يوماً من قبل داعمي الثورة الإسلامية في إيران عام 1979م، ولم تتصدَ لاقتحام سفارة المملكة العربية السعودية في طهران عام 2016م. وكذلك هي من قامت بالانضمام لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية عام 1970م وتقوم اليوم بتطوير الأسلحة النووية دون مراعاة رأي الدول المجاورة لها ومنظمات المجتمع الدولي.
كما تستمر بين حين وآخر بنشر خطابات إعلامية استفزازية للمطالبة بسيادة الجمهورية على مملكة البحرين على الرغم من تصديق البرلمان الإيراني على مشروع القرار الأممي رقم: 278 لعام 1970م الذي اعترف بالبحرين دولة عربية مستقلة ذات سيادة تامة. ومثالاً حديثاً على عدم الاحترام هذا، عضوية إيران في لجنة وضع المرأة بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي في الأمم المتحدة للأعوام 2015-2019 وبالمقابل نرى نشاطاً غير إنساني من قبل شرطة الآداب الإيرانية التي لا تتوافق أبداً مع مبادئ اللجنة الأممية، وكانت آخر ضحاياها مقتل «مهسا أميني»، وهذه الأحداث ما هي إلا مواقف مختارة من بين العديد من المواقف الشاهدة على عدم احترام الأنظمة الإيرانية، سواءً كانت ليبرالية أو «إسلامية» للمعاهدات الدولية وممارساتها وأعرافها ومبادئ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.
فكيف لنا أن نثق بالتزام إيران بتنفيذ ما سيتضمنه الاتفاق النووي الجديد؟ ولهذا السبب ارتأت دول الخليج العربي فتح مجال الحوار المباشر مع الجمهورية الإيرانية في محاولة للمناقشة المباشرة بهدف إصلاح الوضع العام في المنطقة من أمن واستقرار اقتصادي واجتماعي، وفعلاً قامت المملكة العربية السعودية بإجراء ست جولات من الحوار الثنائي لحل المشاكل العالقة بين المملكة وإيران وبوساطة عراقية إذ قامت بغداد باستضافة هذه المحادثات، التي كانت آخرها في يوليو 2022م، وكانت نتائج تلك المحادثات تبشّر بالخير، فالمجتمع الدولي لاحظ تخفيف حدة الحرب بالوكالة لحدود الخليج العربي، ولربما أبرزها الاتفاق على الهدنة في اليمن التي ستنتهي صلاحيتها بداية أكتوبر 2022م، وهذا الأثر الإيجابي على أمن المنطقة لاقى اهتماماً موسعاً من العديد من الأطراف، ومن المؤمل أن يتم تمديد هذه الهدنة بناء على ضغط دولي مكثف، وبالإضافة إن إرجاع سفراء دولة الكويت ودولة الإمارات العربية المتحدة لطهران، يعد مثالاً جيداً على إبداء حسن النية من دول المنطقة تجاه إيران.
الجدير بالذكر أن أحد أسباب عدم التوصل لاتفاق هو المطالبات الجنونية وغير الواقعية للنظام الإيراني، ومنها المطالبة بحذف اسم الحرس الثوري الإيراني من قائمة الإرهاب التابعة لوزارة الخزانة الأمريكية، التي تم توثيق عملياتها الإرهابية، والمزعزعة لأمن واستقرار المنطقة والعالم. فإذاً السؤال الأهم هو: ما هي مبررات المماطلة من الجانب الإيراني؟
إن قرار الإدارة الأمريكية للرئيس دونالد ترمب في 2018م من انسحاب للاتفاق النووي وعزل إيران تنفيذاً لسياسة «الضغط الأقصى» الذي انتهجته إدارة ترمب في ذلك الوقت، أدى إلى تفرغ إيران لعملية تطوير برنامجها النووي بعيداً عن أنظار المجتمع الدولي، وخاصة المهام الرقابية الموكلة للوكالة الدولية للطاقة الذرية لضمان سلمية هذه الأنشطة، لتصل إيران لسلاح نووي حيث إن تقارير عديدة أكدت وصول إيران لنسبة 60% فيما يتعلق بتخصيب اليورانيوم، في خرق صارخ لما تضمنه الاتفاق النووي الموقع في 2015م.
كما تعتقد إيران أن الحالة الاقتصادية العالمية في الوقت الراهن -إضافة إلى دعم ومساندة روسيا والصين لها في طبيعة الحال- وخاصة في ظل ارتفاع أسعار السلع الأساسية سيمكّنها من الضغط على الدول الموقعة على الاتفاق النووي لإزالة العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها خارج إطار الاتفاق، لتتمكن من جانبها تزويد الأسواق العالمية بكميات كبيرة يومياً من النفط الخام والغاز المسال، مما يخدم مصالح الغرب في ظل العلاقة شبه المباشرة لارتفاع أسعار النفط على استقرار اقتصادات هذه الدول.
سبب آخر للتأجيل، يتمثل في ترقب صنّاع القرار في إيران نتائج انتخابات الكونجرس في نوفمبر القادم، حتى تتضح الصورة لإيران للشريك الأمريكي الذي ستتعامل معه خلال السنوات القادمة، فهل سيكون الكونجرس للديمقراطيين، وهل بإمكانهم تفادي الضرر الذي سيخلّفه تبدل القيادة الأمريكية، كما حدث في عام 2018م مع الجمهوريين؟
ختاماً إيران بالفعل لا تريد حل ملفها النووي، الأصح هو أن دول المنطقة والعالم يريدون ذلك خشية من تطويرها سلاحاً نووياً، لأن إيران ترى أن حيازتها على النووي قوة، حالها حال باقي الدول المتسلحة بهذه التقنية العسكرية. ففي الوقت الراهن نرى مماطلة النظام الإيراني لهذا الملف بشكل متعمد إيماناً منها من قدرتها على إدارة بلدها في ظل العقوبات المفروضة عليها وقد سارت على هذا النهج لأربعة أعوام حتى الآن، ولكنها لم تتخلَ عن المحادثات في حال لم تنجح خططها في الضغط على الغرب للتنازل عن بعض العقوبات خارج إطار الاتفاق النووي خاصة إنها باعتقادها هي الكفة الأقوى حالياً.
كل الجولات التي عُقدت لمناقشة الاتفاق النووي الإيراني ما بعد وصول الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى البيت الأبيض لإعادة إحياء مشروع باراك أوباما، المشروع الذي يفخر به الحزب الديمقراطي الأمريكي، باءت بالفشل فلم يشهد العالم أي تقدم يذكر فيه، بل يبدو أن الحكومة الإيرانية قد نجحت في الضغط على شعبها للتأقلم على الظروف المعيشية الصعبة التي حملتها حزمة العقوبات الاقتصادية عليها خلال السنوات الماضية.
التاريخ يوثّق عدم احترام إيران للمعاهدات الدولية والاتفاقيات، فهي من أول الدول التي صادقت على اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية عام 1965م، وعلى الرغم من ذلك، تورّطت في احتجاز دبلوماسيي وموظفي السفارة الأمريكية في طهران لمدة 444 يوماً من قبل داعمي الثورة الإسلامية في إيران عام 1979م، ولم تتصدَ لاقتحام سفارة المملكة العربية السعودية في طهران عام 2016م. وكذلك هي من قامت بالانضمام لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية عام 1970م وتقوم اليوم بتطوير الأسلحة النووية دون مراعاة رأي الدول المجاورة لها ومنظمات المجتمع الدولي.
كما تستمر بين حين وآخر بنشر خطابات إعلامية استفزازية للمطالبة بسيادة الجمهورية على مملكة البحرين على الرغم من تصديق البرلمان الإيراني على مشروع القرار الأممي رقم: 278 لعام 1970م الذي اعترف بالبحرين دولة عربية مستقلة ذات سيادة تامة. ومثالاً حديثاً على عدم الاحترام هذا، عضوية إيران في لجنة وضع المرأة بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي في الأمم المتحدة للأعوام 2015-2019 وبالمقابل نرى نشاطاً غير إنساني من قبل شرطة الآداب الإيرانية التي لا تتوافق أبداً مع مبادئ اللجنة الأممية، وكانت آخر ضحاياها مقتل «مهسا أميني»، وهذه الأحداث ما هي إلا مواقف مختارة من بين العديد من المواقف الشاهدة على عدم احترام الأنظمة الإيرانية، سواءً كانت ليبرالية أو «إسلامية» للمعاهدات الدولية وممارساتها وأعرافها ومبادئ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.
فكيف لنا أن نثق بالتزام إيران بتنفيذ ما سيتضمنه الاتفاق النووي الجديد؟ ولهذا السبب ارتأت دول الخليج العربي فتح مجال الحوار المباشر مع الجمهورية الإيرانية في محاولة للمناقشة المباشرة بهدف إصلاح الوضع العام في المنطقة من أمن واستقرار اقتصادي واجتماعي، وفعلاً قامت المملكة العربية السعودية بإجراء ست جولات من الحوار الثنائي لحل المشاكل العالقة بين المملكة وإيران وبوساطة عراقية إذ قامت بغداد باستضافة هذه المحادثات، التي كانت آخرها في يوليو 2022م، وكانت نتائج تلك المحادثات تبشّر بالخير، فالمجتمع الدولي لاحظ تخفيف حدة الحرب بالوكالة لحدود الخليج العربي، ولربما أبرزها الاتفاق على الهدنة في اليمن التي ستنتهي صلاحيتها بداية أكتوبر 2022م، وهذا الأثر الإيجابي على أمن المنطقة لاقى اهتماماً موسعاً من العديد من الأطراف، ومن المؤمل أن يتم تمديد هذه الهدنة بناء على ضغط دولي مكثف، وبالإضافة إن إرجاع سفراء دولة الكويت ودولة الإمارات العربية المتحدة لطهران، يعد مثالاً جيداً على إبداء حسن النية من دول المنطقة تجاه إيران.
الجدير بالذكر أن أحد أسباب عدم التوصل لاتفاق هو المطالبات الجنونية وغير الواقعية للنظام الإيراني، ومنها المطالبة بحذف اسم الحرس الثوري الإيراني من قائمة الإرهاب التابعة لوزارة الخزانة الأمريكية، التي تم توثيق عملياتها الإرهابية، والمزعزعة لأمن واستقرار المنطقة والعالم. فإذاً السؤال الأهم هو: ما هي مبررات المماطلة من الجانب الإيراني؟
إن قرار الإدارة الأمريكية للرئيس دونالد ترمب في 2018م من انسحاب للاتفاق النووي وعزل إيران تنفيذاً لسياسة «الضغط الأقصى» الذي انتهجته إدارة ترمب في ذلك الوقت، أدى إلى تفرغ إيران لعملية تطوير برنامجها النووي بعيداً عن أنظار المجتمع الدولي، وخاصة المهام الرقابية الموكلة للوكالة الدولية للطاقة الذرية لضمان سلمية هذه الأنشطة، لتصل إيران لسلاح نووي حيث إن تقارير عديدة أكدت وصول إيران لنسبة 60% فيما يتعلق بتخصيب اليورانيوم، في خرق صارخ لما تضمنه الاتفاق النووي الموقع في 2015م.
كما تعتقد إيران أن الحالة الاقتصادية العالمية في الوقت الراهن -إضافة إلى دعم ومساندة روسيا والصين لها في طبيعة الحال- وخاصة في ظل ارتفاع أسعار السلع الأساسية سيمكّنها من الضغط على الدول الموقعة على الاتفاق النووي لإزالة العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها خارج إطار الاتفاق، لتتمكن من جانبها تزويد الأسواق العالمية بكميات كبيرة يومياً من النفط الخام والغاز المسال، مما يخدم مصالح الغرب في ظل العلاقة شبه المباشرة لارتفاع أسعار النفط على استقرار اقتصادات هذه الدول.
سبب آخر للتأجيل، يتمثل في ترقب صنّاع القرار في إيران نتائج انتخابات الكونجرس في نوفمبر القادم، حتى تتضح الصورة لإيران للشريك الأمريكي الذي ستتعامل معه خلال السنوات القادمة، فهل سيكون الكونجرس للديمقراطيين، وهل بإمكانهم تفادي الضرر الذي سيخلّفه تبدل القيادة الأمريكية، كما حدث في عام 2018م مع الجمهوريين؟
ختاماً إيران بالفعل لا تريد حل ملفها النووي، الأصح هو أن دول المنطقة والعالم يريدون ذلك خشية من تطويرها سلاحاً نووياً، لأن إيران ترى أن حيازتها على النووي قوة، حالها حال باقي الدول المتسلحة بهذه التقنية العسكرية. ففي الوقت الراهن نرى مماطلة النظام الإيراني لهذا الملف بشكل متعمد إيماناً منها من قدرتها على إدارة بلدها في ظل العقوبات المفروضة عليها وقد سارت على هذا النهج لأربعة أعوام حتى الآن، ولكنها لم تتخلَ عن المحادثات في حال لم تنجح خططها في الضغط على الغرب للتنازل عن بعض العقوبات خارج إطار الاتفاق النووي خاصة إنها باعتقادها هي الكفة الأقوى حالياً.