كتاب ومقالات

فهم السبب الأعمق.. سيمنع تجاوزات المناسبات

بشرى فيصل السباعي

هناك سلسلة أفلام أمريكية اسمها The Purge«- التطهير بالاستفراغ» من ستة أجزاء ومستمرة، وهناك مسلسل من موسمين بذات الاسم والموضوع، وواضح من كل هذا العدد أن فكرتها رائجة وأن لم تكن صائبة أو إيجابية الأثر، وفكرتها أن الحكومة الأمريكية تسنّ قانوناً يحدد يوماً في السنة تسمح فيه للشعب القيام بكل أنواع الجرائم وتوقف عمل السلطات الأمنية التي تحارب الجريمة تحقيقاً لمعتقد ثبت علمياً خطاؤه وهو أن إخراج الإنسان لإحباطاته المكتومة عبر الأفعال العنيفة المقننة يجعله لا يقترف أفعال عنف منفلت خارج الإطار المقنن وهو تبع للفكرة التقليدية بأن السماح للرجال بإخراج عنفهم على أهل بيتهم باعتباره عنفاً مقنناً أي مسموحاً به ولو أدى للقتل يمنع الرجال من إخراجه على المجتمع، وهذه هي الفكرة وراء تقليعة غرف تكسير الصحون والأشياء التي يدفع فيها الشخص مبلغاً ليس بالقليل ليقوم بتكسير الأطباق وغيرها من الأشياء، وعلمياً مثل هذه الممارسة تجعل الناس يستمرئون نمط التعبير العنيف عن مشاعرهم السلبية وهذا يزيد من احتمالية اقترافهم لأعمال عنف يعاقبهم القانون عليها، وكان مؤسس علم النفس «كارل يونج» أول من رصد تقليداً جماعياً يعبّر عنها في بلدة سويسرية هادئة أهلها ككل أهل زمانه كانوا أناساً محترمين يتصرفون بشكل منضبط محافظ دينياً وأخلاقياً، لكن في يوم واحد في السنة كان هناك مهرجان يرتدون فيه ملابس واقنعة تنكرية ويتصرفون بكل الأنماط المحرجة والمعيبة والمشاغبة والصادمة التي لا يمكن أن يتصرف بها أحدهم في الأيام العادية ولا تتم محاسبتهم عليها في ذلك اليوم، فحاول تفسير هذه الممارسة التي يوجد نظيراً لها في كل المجتمعات البشرية، وتمت إعادة إنتاجها بصور لا واعية معاصرة في بريطانيا على سبيل المثال حيث تحصل فيها تلك الممارسة من جماهير مباريات كرة القدم وتسمى بظاهرة «الهمجية الرياضية-الهوليجنيزم» فهذا النمط راسخ باللاوعي الجماعي للبشرية ويظهر للسطح بمناسبات تعتبر الفئات غير الناضجة أن بنية الواقع الذي يجعل سلوكهم منضبطاً ما عاد لها وجود، كما يحدث عند انقطاع الكهرباء العام في أمريكا وعند حصول مظاهرات احتجاجية، وعند سقوط السلطة المركزية للبلدان بالغزو والاحتلال أو الحرب الأهلية كما حدث بالعراق والدول العربية التي حصلت فيها ثورات وهي مجتمعات الثقافة التقليدية «لجرائم الشرف» لكن تم اغتصاب النساء والرجال والمسنين والأطفال جماعياً ولم يظهر أثر لثقافة الشرف، وقديماً قبل العصر الحديث وقوانين حقوق الإنسان الدولية كان من ضمن الأسباب الأساسية للحروب الخارجية هو تحقيق هذه الخرافة؛ وعلى سبيل المثال هناك إجماع من المتخصصين الغربيين بالحملات الصليبية الأوروبية بالعصور الوسطى أن السبب الحقيقي الأعمق لها لم يكن دينياً، إنما كان ضيق السلطة البابوية المسيحية بتقاتل ملوك أوروبا فيما بينهم على فرض الهيمنة والنفوذ على بعضهم وبعد فشل جهود البابا في إيقاف تلك الحروب وقتل المسيحيين لبعضهم توصل لفكرة أنه إن سمح لهم بإخراج تلك النزعات السلطوية المتوحشة ضد طرف خارجي فهذا سيوقفهم عن إخراجها على بعضهم، وهذا كان منطقاً شائعاً «أنا وأخي على ابن عمي، وأنا وابن عمي على الغريب»، وعند القتال ضد عدو ليس من العصبة تتم إباحة فعل كل أنواع المحرّمات الدينية والأخلاقية بحقه، أي استحلال جرائم القتل والاغتصاب والسرقة والتعذيب والتخريب على أمل أنه عندما يقترفها الرجال ضد من هم ليسوا من العصبة فهم لن يقترفونها ضد العصبة، لكن الواقع أثبت عكس ذلك وأن زوال الحاجز النفسي عند القيام بها ضد من هم خارج العصبة يسهل القيام بها تجاه من هم من العصبة سواء دون مسوغات أو بمسوغات مفبركة مثل التكفير والتخوين التي تجعل من يريد استحلال المحرّمات بحق العصبة يتهمهم أنهم صاروا بحكم من هم ليسوا من العصبة بتكفيرهم أو تخوينهم، كما حصل من الخوارج وكما حصل في عهد «يزيد بن معاوية» من قتل وسرقة وتعذيب واغتصاب، والسبب هو بالأصل؛ استحلال اغتصاب إناث العدو الخاسر غير المسلم بما يسمى السبي رغم أنه ليس مذكوراً بالقرآن، ولو كان مشروعاً لذكر بالقرآن كما ذكر بالتوراة بالتفصيل الذي تضمن قتل كل الإناث المتزوجات أو اللاتي لهن أبناء وسبي فقط العذارى وغير المتزوجات لاستعبادهن جنسياً وهن كن عادة الطفلات، لأنه كان نادراً أن لا يتم تزويج الفتيات عند البلوغ، لكن لو كان هناك اعتقاد بحرمة الاغتصاب حتى بحق نساء العدو الخاسر لما تم تكفير وتخوين المسلمين لاستحلال اغتصاب المسلمات، او استحلال التحرش بالنساء اللاتي يصنفن على أنهن لسن على المظهر التقليدي للفضيلة/‏‏المحافظة بسبب عدم لبسهن للباس التقليدي أو تواجدهن بالفضاء العام غير المعتاد تواجدهن فيه تقليدياً، ومعنى أنه في مناسبة معينة أو ضد فئة معينة يتم استحلال اقتراف كل المحرمات؛ أي لا يعود الفرد يشعر بتأنيب الضمير الأخلاقي والديني على جرائمه، ولا يتلقى أي إدانة اجتماعية أو دينية أو قانونية عليها وهي بالطبع الروادع الأساسية للإنسان عن الجرائم، وهذه هي الخلفية اللا واعية المسوغة للتجاوزات التي تحصل لدينا في المناسبات العامة، ويمكن منع هذا النمط الراسخ في اللاوعي الجماعي عبر؛ منع وضع أي أقنعة تنكرية أو لثام أو طلاء على الوجه أو نظارات شمسية بالليل في الاحتفالات والمناسبات العامة، فالدراسات على الشرطة والجيش الأمريكي أظهرت أن وضع رجال الشرطة والجنود أيّاً من تلك المظاهر أدى لوقوعهم بالتجاوزات بشكل أكبر لأنها تشعرهم أنه بات لا يمكن التعرف عليهم وبالتالي ما عاد يمكن تحميلهم المسؤولية الاجتماعية والقانونية على أفعالهم، مع كثافة التنبيه على وجود كاميرات المراقبة، ليتكرّس مبدأ أنه لا توجد مناسبة ولا حال من أي نوع يصبح العدوان والجرائم ليست مدانة بالثقافة العامة وروافدها، وهذا يتضمن شعر الحماسة والفخر الشعبي و«الشيلات».