نصرٌ.. ولكن !
الثلاثاء / 15 / ربيع الأول / 1444 هـ الثلاثاء 11 أكتوبر 2022 00:13
طلال صالح بنان
يوم الخميس الماضي حَلّت الذكرى التاسعة والأربعون، لحرب أكتوبر ١٩٧٣. كانت أول حربٍ، أثبت فيها العربُ أنهم قادرون على خوضِ حربٍ حديثة، جنداً وعتاداً وتدريباً و«تكتيكاً»، بروحٍ قتاليةٍ ومعنويةٍ عاليتين، وإيمانٍ قوي بعدالة قرار الحرب، يصحبه إيمانٌ واثقٌ بالنصر. في ست ساعات، تعالت فيها صيحاتُ الجنودِ (الله أكبر)، انهارت حصون وخنادق ودشم العدو الإسرائيلي، على طول جبهتي القتال في شرق قناة السويس وهضبة الجولان. كانت حرباً مصيريةً اشترك فيها كل العرب، من المحيط إلى الخليج.. وكان النفط أمضى أسلحتها الناعمة، الذي تجاوز مسرح عمليات معاركه، السياسية والاقتصادية، العالم بأسره.
لكن الحربَ، لا تُقيّم ببدايات اشتعال معاركها، بل بما انتهى إليه الأمر سياسياً وأمنياً وعسكرياً وإستراتيجياً، بعد وضع الحرب أوزارها. الحربُ لا تُشن من أجل القتال وسفك الدماء والتدمير، فهي ليست غايةً في ذاتها. الحربُ، كما يقول المؤرخ العسكري الألماني كارل فون كلاوزفينتز (١٧٨٠ – ١٨٣١)، إنما هي امتدادٌ للسياسة، لكن بوسائل عنيفة. قبله قال الفيلسوف الصيني سون تزن (٥٥١ – ٤٩٦ ق.م): الحربُ قد لا تكون لها ضرورة لو أمكن تحقيق أهدافها بوسائل أقل عنفاً (الدبلوماسية).
حربُ أكتوبر ليست بدعاً في تاريخ الحروب. من أجل تقييم الحرب موضوعياً، علينا أن نبحث في مآلاتها، وما انتهت إليه تبعاتها السياسية، بعد أن وضعت أوزارها. يوم نهاية حرب أكتوبر لم يكن كيوم اشتعال فتيلها. عندما ثُبت قرار مجلس الأمن بوقف الحرب، بعد صدوره في ٢٢ أكتوبر ١٩٧٣، بأيام، كانت إسرائيل قد أعادت احتلال الجولان، ولم يكن أمام الجيش الإسرائيلي ما يحول بينه والزحف إلى دمشق. على الجبهة المصرية: الجيش الإسرائيلي عبرَ قناة السويس غرباً محاصراً مدن القناة والجيش الثاني الميداني شرق القناة، ووصل إلى الكيلو ١٠١ في طريق السويس القاهرة.
لكن الآثار السياسية للحرب لم تظهر إلا بعد ذلك بسنوات، وإن كانت إرهاصاتها قد بدأت عسكرياً في ما عرف بمفاوضات الكيلو ١٠١ العسكرية. وقّعَت مصر في ١٧ سبتمبر ١٩٧٨ اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل. تبعها توقيع معاهدة السلام (٢٦ مارس ١٩٧٩). وحصلت مصر بموجبها على سيناء، إلا أنها استعادتها غير مكتملة السيادة، تقريباً شبه منزوعة السلاح. كما أن مصر، بموجب تلك المعاهدة فَضّلت إقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل.
لعلّ أخطر قرار إستراتيجي اتخذته مصر، كان إعلان القاهرة: أن حرب أكتوبر هي آخر الحروب. إعلانٌ من جانب واحد لا يلزم إسرائيل. إسرائيلُ بعد أن أمِنَت الجبهة المصرية إستراتيجياً، أصبحت طليقة اليد بمواصلةِ عدوانها على العرب. قصفت المفاعل النووي العراقي (٧ يونيه ١٩٨١).. وغزت لبنان (٦ يونيه ١٩٨٢)، لتحتل بيروت وبقيت محتلة جنوب حتى ٢٥ مايو ٢٠٠٠.. كما امتدت يد إسرائيل لتطال مناطق لم تكن لتطالها، من قبل، من تونس لصنعاء لعنتيبي.
حربُ أكتوبر كان أول انتصار للعرب على إسرائيل، لكنه انتصار لم يكتمل عسكرياً، ليتوقف القتال عند ما يشبه «نكسة» عسكرية أخرى، وينتهي الأمر بتبعات سياسية وإستراتيجية خطيرة، على الأمن القومي العربي والسلام في المنطقة. سُئل وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه ديان (١٩١٥ – ١٩٨١) عن تعريفه للسلام، أجاب: عندما يدخل الخيط الإسرائيلي في النسيج العربي. بدورها، سئلت رئيسة الوزراء الإسرائيلية غولدا مائير (١٨٩٨ – ١٩٧٨) عن ما يعنيه لإسرائيل السلام مع العرب، قالت: عندما أذهب صباحاً إلى القاهرة للتسوق، وأعود إلى منزلي في تل أبيب لأُحَضرَ طعام الغداء لأسرتي.
بعد تسع وأربعين سنة من حرب أكتوبر ١٩٧٣، أين العرب، وإسرائيل من النتائج السياسية والإستراتيجية لتلك الحرب.. ولا نحتاج أن نسأل: مَنْ المنتصرُ في تلك الحرب؟
لكن الحربَ، لا تُقيّم ببدايات اشتعال معاركها، بل بما انتهى إليه الأمر سياسياً وأمنياً وعسكرياً وإستراتيجياً، بعد وضع الحرب أوزارها. الحربُ لا تُشن من أجل القتال وسفك الدماء والتدمير، فهي ليست غايةً في ذاتها. الحربُ، كما يقول المؤرخ العسكري الألماني كارل فون كلاوزفينتز (١٧٨٠ – ١٨٣١)، إنما هي امتدادٌ للسياسة، لكن بوسائل عنيفة. قبله قال الفيلسوف الصيني سون تزن (٥٥١ – ٤٩٦ ق.م): الحربُ قد لا تكون لها ضرورة لو أمكن تحقيق أهدافها بوسائل أقل عنفاً (الدبلوماسية).
حربُ أكتوبر ليست بدعاً في تاريخ الحروب. من أجل تقييم الحرب موضوعياً، علينا أن نبحث في مآلاتها، وما انتهت إليه تبعاتها السياسية، بعد أن وضعت أوزارها. يوم نهاية حرب أكتوبر لم يكن كيوم اشتعال فتيلها. عندما ثُبت قرار مجلس الأمن بوقف الحرب، بعد صدوره في ٢٢ أكتوبر ١٩٧٣، بأيام، كانت إسرائيل قد أعادت احتلال الجولان، ولم يكن أمام الجيش الإسرائيلي ما يحول بينه والزحف إلى دمشق. على الجبهة المصرية: الجيش الإسرائيلي عبرَ قناة السويس غرباً محاصراً مدن القناة والجيش الثاني الميداني شرق القناة، ووصل إلى الكيلو ١٠١ في طريق السويس القاهرة.
لكن الآثار السياسية للحرب لم تظهر إلا بعد ذلك بسنوات، وإن كانت إرهاصاتها قد بدأت عسكرياً في ما عرف بمفاوضات الكيلو ١٠١ العسكرية. وقّعَت مصر في ١٧ سبتمبر ١٩٧٨ اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل. تبعها توقيع معاهدة السلام (٢٦ مارس ١٩٧٩). وحصلت مصر بموجبها على سيناء، إلا أنها استعادتها غير مكتملة السيادة، تقريباً شبه منزوعة السلاح. كما أن مصر، بموجب تلك المعاهدة فَضّلت إقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل.
لعلّ أخطر قرار إستراتيجي اتخذته مصر، كان إعلان القاهرة: أن حرب أكتوبر هي آخر الحروب. إعلانٌ من جانب واحد لا يلزم إسرائيل. إسرائيلُ بعد أن أمِنَت الجبهة المصرية إستراتيجياً، أصبحت طليقة اليد بمواصلةِ عدوانها على العرب. قصفت المفاعل النووي العراقي (٧ يونيه ١٩٨١).. وغزت لبنان (٦ يونيه ١٩٨٢)، لتحتل بيروت وبقيت محتلة جنوب حتى ٢٥ مايو ٢٠٠٠.. كما امتدت يد إسرائيل لتطال مناطق لم تكن لتطالها، من قبل، من تونس لصنعاء لعنتيبي.
حربُ أكتوبر كان أول انتصار للعرب على إسرائيل، لكنه انتصار لم يكتمل عسكرياً، ليتوقف القتال عند ما يشبه «نكسة» عسكرية أخرى، وينتهي الأمر بتبعات سياسية وإستراتيجية خطيرة، على الأمن القومي العربي والسلام في المنطقة. سُئل وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه ديان (١٩١٥ – ١٩٨١) عن تعريفه للسلام، أجاب: عندما يدخل الخيط الإسرائيلي في النسيج العربي. بدورها، سئلت رئيسة الوزراء الإسرائيلية غولدا مائير (١٨٩٨ – ١٩٧٨) عن ما يعنيه لإسرائيل السلام مع العرب، قالت: عندما أذهب صباحاً إلى القاهرة للتسوق، وأعود إلى منزلي في تل أبيب لأُحَضرَ طعام الغداء لأسرتي.
بعد تسع وأربعين سنة من حرب أكتوبر ١٩٧٣، أين العرب، وإسرائيل من النتائج السياسية والإستراتيجية لتلك الحرب.. ولا نحتاج أن نسأل: مَنْ المنتصرُ في تلك الحرب؟