كتاب ومقالات

السعودية.. نفط وعقول

خالد سيف

ترتكز السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية على مبادئ ثابتة ومعطيات تاريخية واقتصادية وأمنية، تتميز بالاعتدال والواقعية، وأسس واضحة تقوم على تعزيز العلاقات مع الدول الشقيقة والصديقة على كافة المستويات، بما يخدم المصالح الوطنية والإقليمية والدولية.

وتعتمد المملكة على عقول ناضجة ترسم لها استراتيجيات ترسخ مبدأ التعاون على كافة الأصعدة مع المجتمع العالمي، وفق مواقف مؤيدة لضمان الأمن والاستقرار الاقتصادي في المنطقة والعالم.

وتضطلع المملكة من هذا المنطلق، وباعتبارها من أكبر الدول المصدرة للنفط، بمسؤولية عالمية تجاه استقرار النظام المالي في العالم الذي تضرر كثيرا عقب جائحة كورونا، بدور محوري متوازن في أسواق الطاقة العالمية على مدى السنوات الماضية للحفاظ على استقرارها، وقدرتها مع الدول الأعضاء في منظمة أوبك على معالجة تلك الآثار، والتعامل بطريقة مسؤولة للتخفيف من أي اضطرابات محتملة.

وما تمخض في اجتماع أوبك بلس الأخير من قرار بخفض الإنتاج بمقدار مليوني برميل يوميا بموافقة 22 دولة، كان إجراء اقتصاديا استباقيا له مبرراته وأسبابه ولا علاقة له بالسياسة، بل اتخذ جماعيا، في صالح استقرار الاقتصاد العالمي وتعافيه وضمان استمرار تدفق الإمدادات للأسواق، وتحريك عجلة الاستثمار الراكدة في قطاع الطاقة بعيدا عن المخاطر.

غير أن هناك أصواتا خرجت تشيطن المنظمة في محاولة لخلط الأمور، وإقحام القرار الاقتصادي البحت في دهاليز السياسة، وربطه بالمصالح الأحادية الجانب، والقفز فوق المصالح الوطنية للدول، وكذلك المصالح الدولية المشتركة. وتم تفسير الأمر من منظور ضيق، بعيدا عن النظرة الشمولية، من خلال قراءات خاطئة، تراعي مصالح دول على حساب استقرار الاقتصاد العالمي.

كما أن المملكة تعيش عصرا تنمويا ورؤية تهتم بصناعة مستقبل واعد يحقق طموحات الأجيال، وهي جزء من هذا العالم الذي يتطلع لازدهار الاقتصاد ونموه على نطاق واسع، لذلك كان القرار استباقيا للتصدي للركود العالمي المحتمل عقب القرارات التي فرضتها البنوك المركزية لمعالجة التضخم برفع أسعار الفائدة، ما قد يضر بأسواق الطاقة وأسعار النفط.

وترفض الرياض التشكيك بدورها الساعي إلى تحقيق التوازن واستقرار السوق لمصلحة المستهلكين والمنتجين، وما صدر من تحوير لأهدافها واتهامها بالانحياز إلى طرف على حساب طرف أمر مستغرب في قرار اتخذ بإجماع دول المنظمة.

ولابد أن يدرك هؤلاء أن العلاقات الدولية الراسخة التى قامت على أسس وتفاهمات ومصالح مشتركة، تضر بها التصريحات المثيرة التي تخدم الأجندات الداخلية والحزبية. وكل دولة تملك قرارها السيادي وترفض المساس به أو التدخل في شؤونها، ويبقى الاحترام المتبادل أساس التعامل، والمملكة دولة تلتزم بمبادئ عدم التدخل في شؤون الغير، ولا تقبل الإملاءات، وتحتفظ بعلاقات دولية متينة وراسخة مع الجميع.