كتاب ومقالات

الكل يريد أن يُفصِح

أنمار مطاوع

(الإفصاح أو عدم الإفصاح) هو تحدي ثقافة العصر الحديث.. فالكل يريد أن يُفصح.. بدءاً من العاقل وانتهاء بالمعتوه.. الكل لديه - أو يعتقد أن لديه - ما يقوله للآخرين.. سواء معلومة صحيحة أو خاطئة، مفيدة أو غير مفيدة، مسيئة أو مهذّبة.. المهم أن يُفصح عن شيء ما طالما أن الإفصاح على أطراف الأصابع.

حجر الزاوية لهذه الظاهرة هو (الشهرة) أو الرغبة الجامحة للشهرة. ففي العصر الحديث، لم تعد الشهرة في حاجة إلى جهد أو وقت أو مثابرة.. كل ما تحتاجه هو (رسالة) على وسائل التواصل الاجتماعي.. ولو شاءت الأقدار - لعل وعسى - أن تنتشر وتشتهر تلك الرسالة، يصبح صاحبها (محظوظاً) وتُفتح له أبواب الشهرة.. فهذه الأبواب خلفها الكثير.. الكثير من المال.. لذلك هي مطمع من له عمل ومن ليس له عمل.

هذا الحجر - أي الإفصاح رغبة في الشهرة - يمر فوق صراط هاشتاق: #تم_القبض. ففي الأحايين العثِرة، تنتشر الرسالة بشكل سلبي.. ومع بعض الحظ النّكِد، تتحول لرأي عام ساخط يُدخل صاحبها بكل طموحاته الثريّة ضمن قائمة (تم القبض).

الخروج عن المألوف دائماً يجذب الانتباه، بل هو الأكثر لفتاً للانتباه، وينتشر - كما يقول الأدباء - انتشار النار في الهشيم. هذا الخروج يتجلى في أعلى حالاته في: نشر الأفعال المشينة أو غير اللائقة؛ على سبيل المثال، التعليقات السخيفة، أو تصنُّع الغباء، أو الاستفزاز، أو حتى القيام بأفعال منافية للإنسانية أو منافية للذوق العام كالتلفظ بعبارات خادشة للحياء، أو القيام بفعل متهور كقائد المركبة الذي صوّر ونشر فيديو وهو يسير بمركبته على أحد الطرق السريعة دون الجلوس على مقعد السائق.. وحدود الإفصاح لا نهاية لها.

القاعدة القديمة للإعلام التقليدي (.. أن يعض الرجل كلباً) لا زالت هي الخبر المثير للاهتمام.. ولكن بأشكال وأوجه وإصدارات أكثر حداثة وتميزاً.. وشخصنة.

سيد الموقف في الإفصاح الصحيح هو (الإبداع) المحفوف بالحذر.. والأدلة على هذا النوع من الإبداع كثيرة ومشاهدة في أطراف العالم المترامية لأشخاص استطاعوا أن يجنوا شهرتهم بإبداعات بسيطة؛ ولكنها مؤثرة ولافتة لانتباه العقل البشري.

الإفصاح فطرة إنسانية.. لذلك، أساليب ووسائل الإفصاح لن تتوقف.. وسيستمر البشر في ممارسته بأشكال متعددة ومختلفة ومثيرة للجدل.. وسيرى العالم الكثير من الوسائل.. والكثير من الطرق التي يُفصح بها الأفراد عن أنفسهم.