هل تتحدى السعودية واشنطن ؟
الاثنين / 21 / ربيع الأول / 1444 هـ الاثنين 17 أكتوبر 2022 00:24
محمد الساعد
قبل عامين فقط، وصل سعر برميل البترول إلى أقل من «صفر دولار»! لم نسمع الرئيس الأمريكي بايدن يدافع عن حق السعوديين في أسعار نفط عادلة، ولا أحد من أعضاء الكونغرس تحرك وقال إن السعوديين أصدقاؤنا وهم يمرون بظرف اقتصادي وعلى العالم دعم الأسعار، لم تكن المرة الأولى التي تنهار فيها الأسعار، بل حدث ذلك مرات عدة وكافحت الرياض مع شركائها لاستعادة الأسعار من جديد، إنها سوق تتأثر بالعرض والطلب والظروف السياسية والاقتصادية، والسعوديون يعرفون ذلك.
السؤال الكبير الذي يطرح اليوم وببنط عريض: هل تتحدى السعودية أمريكا؟
بالتأكيد لا.. فالرياض لا تتخلى عن حلفائها وأصدقائها، ولا تبني علاقاتها على النفس القصير، ولا على التحديات والمماحكات ولا حتى الألاعيب السياسية المنتشرة عند كثير من السياسيين حول العالم، وهي ليست في وارد تحدي دولة شريكة منذ أكثر من 80 عاماً في حجم الولايات المتحدة الأمريكية العظمى، لكنها تدافع عن مصالحها المصيرية وأمنها الذي يتعرض للتهديد من حلفاء واشنطن الجدد في طهران، وهي في ذلك صادقة مخلصة لا تتهاون فيه، وهو أمر عرفه السعوديون وعُرِف عنهم منذ الملك المؤسس حتى اليوم.
ولعل أكثر الطُرف السياسية التي روجت لها إدارة الديموقراطيين في واشنطن زعمها أن الرياض تنحاز إلى روسيا، وفي الوقت نفسه لم تتوان عن طلب الانحياز إلى الحزب الديموقراطي في صراعه مع الجمهوريين، وكأن بايدن يقول: حرام في موسكو حلال في واشنطن، لا شك أن تلك الطرفة ستبقى طويلاً يتذكرها السياسيون الجدد للإشارة إلى سذاجة من عمّر طويلاً في أروقة وصوالين السياسة الأمريكية دون أن يتعلم.
بالرغم من أن التصرفات السعودية بين الطرفين «الأوكراني والروسي» محايدة ومبنية على القرارات الدولية وعدم الانحياز لأي طرف، وهو ما أنتج صفقة الأسرى السابقة وفي الطريق صفقات أخرى كما صرحت بذلك الرئاسة الأوكرانية نفسها والتي شكرت الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي على جهوده في دعم الأمن والسلام والاستقرار على الحدود الأوكرانية الروسية، إلا أن الديموقراطيين لم يرحبوا بها لأن لديهم موقفاً مبدئياً وقراراً بالارتماء في أحضان طهران والتخلي عن دولة صديقة، وما كانت أمريكا بهذه العظمة لولا شراكتها النفطية مع الرياض.
أمريكا «رشيدة طليب» و«الهان عمر»، وغيرهما الكثير ممن تسللوا إلى قواعد الحزب الديموقراطي خلال السنوات الماضية، هم أبناء المهاجرين الذين وجدوا في أمريكا ملاذهم الأخير، لكنهم حملوا في حقائبهم أحقاد وأجندات آبائهم وأجدادهم، جاءوا ولم يتخلصوا في مياه المحيط المالحة من عقدة عداء عرب الشمال وحقد العجم على عرب الجزيرة العربية، إنها شعوبية سياسية تختلط بكثير من المصالح العابرة والانتماء سياسياً ليس لأمريكا، بل لأحزاب وتنظيمات لا تزال تعمل في الشوارع الخلفية للشرق الأوسط.
من يعرف كيف تعمل المكنة «السياسية» الأمريكية يفهم كيف أن القواعد الحزبية وقواعد الموظفين الصغار في الكونغرس والحكومة وخاصة الخارجية معظمهم أبناء مهاجرين إيرانيين أو عرب ذوو نزعات معقدة، وهم من يقومون بطبخ الأفكار والقرارات ويضعون التوصيات قبل صعودها متدرجة إلى أعلى السلطة الأمريكية، ولذلك فإن الكثير من المعلومات المضللة والمفاهيم غير الحقيقية عن السعودية تطبخ هناك، لقد استسلم بايدن وكثير من مخضرمي السياسة في واشنطن لأهواء المتطرفين المهاجرين واليساريين، وهم من يقودون أمريكا الداخل لانقسام عميق وصل تأثيره إلى الحلفاء التقليديين وراء المحيط الأطلسي.
من المهم أن نراجع الأسبوعين الأخيرين قبل عاصفة البيت الأبيض التي افتعلها بايدن والتي تحولت إلى مادة نقاش سياسية وإعلامية أربكت العالم نظراً لأهمية الرياض وواشنطن.
ففي الوقت الذي يرسل فيه الرئيس الأمريكي بايدن وفداً لمقابلة المسؤولين السعوديين لإقناع الرياض بعدم تخفيض إنتاج النفط، كان يتم التحضير في أروقة واشنطن لقبول دعاوى الهارب سعد الجبري والمتهم بالتجسس والخيانة ضد السعودية وضد مسؤولين فيها، عن أي صداقة وعن أي حصافة سياسية نتكلم؟
أيضاً كانت الرياض توضح لوفد لواشنطن أن قراءتها لأسعار السوق النفطية ــ وهي الخبيرة ولا غيرها ــ مقلقة، والمؤشرات تؤكد على انهيار قريب، وربما لأكثر من 50 دولاراً بسبب التضخم العالمي وتباطؤ الاقتصاد وانخفاض الطلب، وهو أمر كارثي لكثير من الدول المنتجة، فالسعودية مثلاً بَنَت ميزانيتها العامة على متوسط سعري سنوي لا يقل عن 75 دولاراً، وأي رقم غيره يعني العودة لمصاعب اقتصادية تخلصت منها الرياض بجهود جبارة، كما أن استعادة السعر العادل من جديد سيصحبه الكثير من التضحيات الاقتصادية والتنموية، وعدم المسارعة إلى تخفيض التخمة النفطية يعني أن أي إجراء لاحق سيكون متأخراً جداً.
لا شك أن أمريكا التي قدمت نفسها للعالم منذ هزيمتها للإمبراطوريات الألمانية واليابانية منتصف القرن الماضي، ثم دحرها الإمبراطورية السوفيتية حتى انهيارها نهاية القرن، قد تغيرت كثيراً ليس على حلفائها فقط، بل حتى داخل أمريكا نفسها، إن الخلاف الاجتماعي والسياسي يغوص عميقاً داخل أمريكا، ويكاد يعصف بها، بسبب محاولة اليسار الأمريكي الانقلاب على القيم الأمريكية واختطافها لصالح أجندة غاية في التطرف والتبجح والانهيار الأخلاقي.
لم تكن العلاقة السعودية الأمريكية في صفاء دائم، وكثيراً ما تخللها اختلاف في وجهات النظر، ولطالما أسمعت الرياض واشنطن كلاماً صلباً في الاجتماعات الخاصة، لكنها حافظت على كثير من اللياقة والاحترام أمام الإعلام والرأي العام، ولم تكن الرياض أول من أخل بسمات العلاقة، بل كانت واشنطن هي من تورطت في تلك الدعايات السياسية المسمومة بالهجوم على «الوطن السعودي» تارة، وعلى القيادة تارة أخرى، والتبجح بذلك أمام وسائل الإعلام، واشنطن لم تعد قادرة على الفصل بين المشاعر الأيديولوجية المتطرفة والعلاقة السياسية والأمنية والاقتصادية مع شريك لطالما نجحت واشنطن معه في مكافحة الكثير من المخاطر والمصاعب حول العالم، وعليها أن تعيد تقييم موقفها وتراجع فواتير 80 سنة من الشراكة والصداقة في عهود لم تكن طهران ولا الهان عمر جزءاً منها.
السؤال الكبير الذي يطرح اليوم وببنط عريض: هل تتحدى السعودية أمريكا؟
بالتأكيد لا.. فالرياض لا تتخلى عن حلفائها وأصدقائها، ولا تبني علاقاتها على النفس القصير، ولا على التحديات والمماحكات ولا حتى الألاعيب السياسية المنتشرة عند كثير من السياسيين حول العالم، وهي ليست في وارد تحدي دولة شريكة منذ أكثر من 80 عاماً في حجم الولايات المتحدة الأمريكية العظمى، لكنها تدافع عن مصالحها المصيرية وأمنها الذي يتعرض للتهديد من حلفاء واشنطن الجدد في طهران، وهي في ذلك صادقة مخلصة لا تتهاون فيه، وهو أمر عرفه السعوديون وعُرِف عنهم منذ الملك المؤسس حتى اليوم.
ولعل أكثر الطُرف السياسية التي روجت لها إدارة الديموقراطيين في واشنطن زعمها أن الرياض تنحاز إلى روسيا، وفي الوقت نفسه لم تتوان عن طلب الانحياز إلى الحزب الديموقراطي في صراعه مع الجمهوريين، وكأن بايدن يقول: حرام في موسكو حلال في واشنطن، لا شك أن تلك الطرفة ستبقى طويلاً يتذكرها السياسيون الجدد للإشارة إلى سذاجة من عمّر طويلاً في أروقة وصوالين السياسة الأمريكية دون أن يتعلم.
بالرغم من أن التصرفات السعودية بين الطرفين «الأوكراني والروسي» محايدة ومبنية على القرارات الدولية وعدم الانحياز لأي طرف، وهو ما أنتج صفقة الأسرى السابقة وفي الطريق صفقات أخرى كما صرحت بذلك الرئاسة الأوكرانية نفسها والتي شكرت الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي على جهوده في دعم الأمن والسلام والاستقرار على الحدود الأوكرانية الروسية، إلا أن الديموقراطيين لم يرحبوا بها لأن لديهم موقفاً مبدئياً وقراراً بالارتماء في أحضان طهران والتخلي عن دولة صديقة، وما كانت أمريكا بهذه العظمة لولا شراكتها النفطية مع الرياض.
أمريكا «رشيدة طليب» و«الهان عمر»، وغيرهما الكثير ممن تسللوا إلى قواعد الحزب الديموقراطي خلال السنوات الماضية، هم أبناء المهاجرين الذين وجدوا في أمريكا ملاذهم الأخير، لكنهم حملوا في حقائبهم أحقاد وأجندات آبائهم وأجدادهم، جاءوا ولم يتخلصوا في مياه المحيط المالحة من عقدة عداء عرب الشمال وحقد العجم على عرب الجزيرة العربية، إنها شعوبية سياسية تختلط بكثير من المصالح العابرة والانتماء سياسياً ليس لأمريكا، بل لأحزاب وتنظيمات لا تزال تعمل في الشوارع الخلفية للشرق الأوسط.
من يعرف كيف تعمل المكنة «السياسية» الأمريكية يفهم كيف أن القواعد الحزبية وقواعد الموظفين الصغار في الكونغرس والحكومة وخاصة الخارجية معظمهم أبناء مهاجرين إيرانيين أو عرب ذوو نزعات معقدة، وهم من يقومون بطبخ الأفكار والقرارات ويضعون التوصيات قبل صعودها متدرجة إلى أعلى السلطة الأمريكية، ولذلك فإن الكثير من المعلومات المضللة والمفاهيم غير الحقيقية عن السعودية تطبخ هناك، لقد استسلم بايدن وكثير من مخضرمي السياسة في واشنطن لأهواء المتطرفين المهاجرين واليساريين، وهم من يقودون أمريكا الداخل لانقسام عميق وصل تأثيره إلى الحلفاء التقليديين وراء المحيط الأطلسي.
من المهم أن نراجع الأسبوعين الأخيرين قبل عاصفة البيت الأبيض التي افتعلها بايدن والتي تحولت إلى مادة نقاش سياسية وإعلامية أربكت العالم نظراً لأهمية الرياض وواشنطن.
ففي الوقت الذي يرسل فيه الرئيس الأمريكي بايدن وفداً لمقابلة المسؤولين السعوديين لإقناع الرياض بعدم تخفيض إنتاج النفط، كان يتم التحضير في أروقة واشنطن لقبول دعاوى الهارب سعد الجبري والمتهم بالتجسس والخيانة ضد السعودية وضد مسؤولين فيها، عن أي صداقة وعن أي حصافة سياسية نتكلم؟
أيضاً كانت الرياض توضح لوفد لواشنطن أن قراءتها لأسعار السوق النفطية ــ وهي الخبيرة ولا غيرها ــ مقلقة، والمؤشرات تؤكد على انهيار قريب، وربما لأكثر من 50 دولاراً بسبب التضخم العالمي وتباطؤ الاقتصاد وانخفاض الطلب، وهو أمر كارثي لكثير من الدول المنتجة، فالسعودية مثلاً بَنَت ميزانيتها العامة على متوسط سعري سنوي لا يقل عن 75 دولاراً، وأي رقم غيره يعني العودة لمصاعب اقتصادية تخلصت منها الرياض بجهود جبارة، كما أن استعادة السعر العادل من جديد سيصحبه الكثير من التضحيات الاقتصادية والتنموية، وعدم المسارعة إلى تخفيض التخمة النفطية يعني أن أي إجراء لاحق سيكون متأخراً جداً.
لا شك أن أمريكا التي قدمت نفسها للعالم منذ هزيمتها للإمبراطوريات الألمانية واليابانية منتصف القرن الماضي، ثم دحرها الإمبراطورية السوفيتية حتى انهيارها نهاية القرن، قد تغيرت كثيراً ليس على حلفائها فقط، بل حتى داخل أمريكا نفسها، إن الخلاف الاجتماعي والسياسي يغوص عميقاً داخل أمريكا، ويكاد يعصف بها، بسبب محاولة اليسار الأمريكي الانقلاب على القيم الأمريكية واختطافها لصالح أجندة غاية في التطرف والتبجح والانهيار الأخلاقي.
لم تكن العلاقة السعودية الأمريكية في صفاء دائم، وكثيراً ما تخللها اختلاف في وجهات النظر، ولطالما أسمعت الرياض واشنطن كلاماً صلباً في الاجتماعات الخاصة، لكنها حافظت على كثير من اللياقة والاحترام أمام الإعلام والرأي العام، ولم تكن الرياض أول من أخل بسمات العلاقة، بل كانت واشنطن هي من تورطت في تلك الدعايات السياسية المسمومة بالهجوم على «الوطن السعودي» تارة، وعلى القيادة تارة أخرى، والتبجح بذلك أمام وسائل الإعلام، واشنطن لم تعد قادرة على الفصل بين المشاعر الأيديولوجية المتطرفة والعلاقة السياسية والأمنية والاقتصادية مع شريك لطالما نجحت واشنطن معه في مكافحة الكثير من المخاطر والمصاعب حول العالم، وعليها أن تعيد تقييم موقفها وتراجع فواتير 80 سنة من الشراكة والصداقة في عهود لم تكن طهران ولا الهان عمر جزءاً منها.