كتاب ومقالات

الحرب الهرمونية

أريج الجهني

تم تحديد أكثر من خمسين هرموناً في البشر وكذلك في الكائنات الفقاريات الأخرى. رغم ذلك أنت لا تجد حديثاً في الحياة الاجتماعية المحلية والعالمية سوى عن هرمونات الأنوثة كشكل من أشكال التحقير الثقافي أو حتى الإهانة الجسدية في حديثهم مثلاً عن الدورة الشهرية للإناث وكيف تكبر الفتاة منفصلة عن جسدها، ثم تطالب بالاندماج مع شريكها العاطفي والإنجاب دون وجود أي توعية في سنواتها المبكرة، بالتأكيد ليس هذا محور الحديث لكن من المهم أن أعرّج على هذه النقطة حيث نشاهد وبشكل يومي هذا النوع من الخطابات كعبارات: (جاتها الحالة) أو (حساسة بزيادة) والواقع أنه لو تم فهم هذا النظام الهرموني العظيم الذي هو من صنع الخالق سبحانه لتغيرت الكثير من المفاهيم، بل لتحسّنت الصحة لدى الكثير من النساء بجانب قرارات الإنجاب وغيرها.

يصف الكثير من العلماء الهرمونات بأنها (رسائل كيميائية) وجهاز متكامل يخدم صحة الإنسان ويؤثر على حياة الجنسين، ما بين تنظيم الأيض وتغير المزاج أو الجوع، خلطة عجيبة ومتمايزة ولكل هرمون وظيفته التي متى ما فهمها الإنسان استطاع أن يطوّر لنفسه وبنفسه نظاماً صحياً متكاملاً ونمط حياة مختلفاً. بل الكثير من الخصائص النفسية تظهر اختلافات بين الجنسين حيث تقول الباحثة شيري ابيرنبم وادريني مبلتز في ورقة «كيف تشكّل الهرمونات التطور بين الجنسين» وجدوا أن هناك العديد من الأدلة على مستوى هرمون الذكورة قبل الولادة تؤثر على تفضيلات الأطفال في اللعب. كما كان لها تأثير على الاستجابة العصبية ومنبهات العقل والعواطف. وتختم الورقة بعبارة مهمة «إن فهم التأثيرات الهرمونية على تطور الجنس يعزز المعرفة بالتطور النفسي بشكل عام، وله آثار مهمة على الأسئلة الأساسية والتطبيقية، بما في ذلك الفروق بين الجنسين في علم النفس المرضي، ونقص تمثيل المرأة في العلوم والرياضيات، والرعاية السريرية للأفراد الذين لديهم اختلافات في التعبير الجنسي». هذا كلام العلم ماذا عن الفهم الاجتماعي لكل ما سبق؟.

في كتاب «الهرمونات والجنس والمجتمع: علم النفس» لهيلموث نيبورج عالم نفس دينماركي يؤكد فيه على تأثير التفاعل البيئي المباشر مع الهرمونات، وهو يركز أيضاً على تأثير الهرمونات على سلوكيات الناس والمجتمع، وبالمجمل هناك العديد من الأوراق العلمية الشيقة حول هذه النقطة التي للأسف لا تجد لها نظيراً في المحتوى العربي أو المحلي، سواء كان هذا الشيء يحدث من باب التحيزات اللاواعية أو الواعية. نحن ببساطة لا ندرس أنفسنا، وبينما نتجه لتحولات عالمية جديدة مبهمة وصراعات ثقافية تغلب في كثير منها سلطة المجتمع على سلطة العلم والفكر فإنه من المهم أن نتأمل في (حرب الجنسين) المفتعلة وقراءة العوامل البيولوجية والثقافية وعدم عزلهم عن العالم.

أخيراً فإني في صباح الإثنين استمعت لحديث الرئيس التنفيذي لمؤسسة مبادرة مستقبل الاستثمار FII ريتشارد آتياس بدعوة من واس (سبق أن كتبت عنه مقالاً خاصاً قبل عام)، والذي أكد على أهمية الجلسات والمناقشات التي ستشهدها النسخة السادسة للمبادرة التي ستعقد بالرياض في الفترة من 25 إلى 27 أكتوبر الجاري تحت شعار «الاستثمار في الإنسانية - تمكين نظام عالمي جديد» في مركز الملك عبدالعزيز للمؤتمرات بالرياض. والحقيقة أن الاستماع لهذا الشخص في كل مرة يضيف لي الكثير؛ حيث تستمع للحديث عن «النظام العالمي الجديد»، وكيف يمكن أن نمكّن الشباب في ظل هذا النظام، بل كان شعار «قمة الأولوية» وتحديداً سؤال ما هي أولويتك خاصة بعد عام 2019 هو المحور في النقاش، من الرائع أن تحيا في وطن يستقطب هذه المبادرات الإنسانية النوعية بل ستشمل هذه النسخة أكثر من 500 متحدث حول العالم، وهنا أقول «على حد سواء» ليست مجرد عبارة، بل نحن اليوم نساء ورجالاً نمثل وطننا أمام العالم وجدير أن نصنع لأنفسنا ممارسات صحية وحوارات مفيدة، وبدلاً من تبادل الاتهامات لنستثمر في الأجيال الشابة، فهم قادة العالم أو كما قال السيد آتياس «نحن هنا من أجلهم»!. نعم نحن دائماً وأبداً هنا من أجلهم.. كونوا بخير