كتاب ومقالات

لماذا كثيرون يشعرون أنهم بالجسد الخطأ؟

بشرى فيصل السباعي

لا يكاد يمر يوم دون أخبار عن شخصيات مشهورة عالمياً تعلن خضوعها أو خضوع أحد الأبناء والأقارب لعمليات تحويل للجنس، التي باتت تجرى حتى للأطفال، مع العلم أنه كان ممنوعاً بجراحة التجميل إجراء عمليات للصغار دون الثامنة عشرة لأن ملامح الإنسان تكون في طور النمو والتغير ولا تستقر إلا بعد الثامنة عشرة، لكن بسبب هيمنة ونفوذ جماعات الضغط القائمة على أجندة الشذوذ تم إلزام الأهالي والمؤسسات الطبية بإجراء عمليات تحويل الجنس للصغار تتضمن بتر واستئصال أعضاء ما زالت بطور النمو، لكن كما تساءل مؤخراً المعلق السياسي والإعلامي الأمريكي «بيل ماهر» لماذا يبدو أن كل الأجيال الجديدة ولدوا بالأجساد الخطأ ويريدون تغيير جنسهم؟ وإذا استمر هذا المنحى المتصاعد فحسب الدراسة التي عرضها ببرنامجه سيصبح جميع الأمريكيين شاذين ومتحولين جنسياً عام 2040! السبب هو أن الثقافة الحالية المعولمة شكّلتها بالكامل مواد الترفيه المهوسة جنسياً وجماعات الضغط وهي مقطوعة بالكامل عن جذور العمق الفكري والعلمي والطبي والنفسي والفلسفي والديني، ولذا صارت كل الأجوبة التي تقدم للأسئلة الوجودية الأساسية هي من قشرة تلك الثقافة السطحية المادية، وتم ترهيب من يحملون الإجابات المعمقة عن هذه الأسئلة الوجودية بوصمهم بوصمات تنهي مستقبلهم العملي والاجتماعي، وحتى بالشرق صار هذا سبباً رئيسياً لهروب الأبناء للخارج ليتحولوا جنسياً، لكن الحقيقة العلمية أن شعور المراهقين أنهم بالجسد الخطأ هي مرحلة طبيعية يمكن أن يمر بها كل المراهقين ويتجاوزونها دون أي اضطراب بالهوية والميول الجنسية، وهي ناتجة عن التغيرات التي تطرأ على الجسد بمرحلة البلوغ، ولو أن شخصاً ارتدى ذات اللباس لأكثر من عقد من الزمن ثم فجأة غيره بلباس مختلف فسيشعر أنه يرتدي اللباس الخطأ، وبالمثل المراهق عاش عقداً في جسد لا يتضمن المظاهر الجنسية التي تظهر بمرحلة البلوغ فمن الطبيعي أن يشعر بالغرابة وعدم التماهي مباشرة مع جسده المتغير حتى يتعود على تلك التغيرات، لكن وجدت دراسات أن النسبة الأكبر من المتحولين هن بنات وأن السبب الأعمق لإرادتهن تحويل جنسهن هو التخلص من الصعوبات المعيشية التي تعانيها الإناث، فالمغنية الأمريكية «مادونا» صرحت أن حلمها الأكبر بصغرها كان أن تحول جنسها إلى ذكر لأن أهلها كانوا يحملون ثقافة المهاجرين المتشددة دينياً والعنصرية ضد الإناث التي تجعل الإناث يشعرن بالكراهية والاحتقار لجنسهن وأنه أشبه بإهانة وحكم بالسجن لأنهن يمنعن بسببه من الحقوق والحريات التي تمنح لأشقائهن الذكور لكن مادونا بلغت الستين من العمر ولم تقم بعملية تحويل لجنسها وتزوجت رجالاً وأنجبت، فرغبتها بتحويل جنسها بصغرها كانت ردة فعل على الثقافة العائلية السلبية تجاه الإناث وليست اضطراباً بالهوية الجنسية، لكن لو مرت بخبرة صغرها بوقتنا الحالي لكانت السلطات أجبرت والديها على إجراء عمليات تحويل الجنس لها، وأيضاً تعرض البنات للتحرش والاعتداءات الجنسية والتنمر من قبل الذكور يجعلهن يردن تحويل جنسهن للتخلص من هذا الخطر، وفي أفغانستان يكثر بالعائلات الفقيرة أن تقوم بعملية تحويل شكلي لبنت واحدة على الأقل بحلق شعرها وتغيير اسمها وجعلها تعيش كولد بسبب القوانين التي تمنع خروج وعمل الإناث وهم يحتاجون أن تخرج لقضاء حوائجهم وتعمل، وبالمقابل بسبب تغييب النساء عن الواقع العام تنتشر بأفغانستان عادة شراء الرجال لأطفال ذكور من العائلات الفقيرة أو اختطافهم وإلباسهم ملابس وحلي الإناث وإجبارهم على التصرف كإناث ويستعبدونهم جنسياً ويتفاخر الرجال بها ويسمونها «Bacha bazi» وهي سبب أن الأهالي بأفغانستان يخافون من خروج الأطفال الذكور لوحدهم أكثر من خوفهم على الإناث، فانتشار الانحرافات والاضطرابات بالهوية الجنسية بمثل المجتمع الأفغاني ناتج عن التقاليد الاجتماعية والقوانين الدينية التي تحبس وتلغي وجود الإناث، وهي لا تقتصر فقط على المجتمعات المسلمة فذات الانحرافات وقعت بالمجتمعات المسيحية التي ألغت وجود الإناث، كما في أديرة الرهبان، فغياب الإناث لم يجعل رجال الدين المسيحيين أكثر فضيلة باعتبار الإناث سبب إفساد الرجال حسب زعمهم إنما جعلهم يغتصبون الأطفال الذكور والنتيجة فضائح شبه يومية بالكنائس المسيحية عن الجرائم الجنسية لرجال الدين المسيحيين بحق الأطفال، والانحرافات واضطرابات الهوية الجنسية الناتجة عن التقاليد الاجتماعية العصابية والقوانين الدينية المعادية للإناث لا يمكن علاجها بغير منع تلك التقاليد الاجتماعية وإلغاء القوانين الدينية المعادية لوجود الإناث الفطري العفوي بالواقع العام، وأما في الغرب فالعلاج لهذا الاضطراب الجماعي بالهوية الجنسية هو برفع الترهيب عن الأطباء والعلماء ليمكنهم إخبار المراهقين أنهم يمرون بمرحلة طبيعية مؤقتة عند شعورهم بعدم التماهي مع الهوية الجنسية لأجسادهم وسيتجاوزونها، وأنه من الطبيعي أن يميل الإنسان دون مرحلة البلوغ ونضجه إلى صحبة من يشبهه أي من هم من جنسه وينفر ممن لا يشبهه، وهذا لا علاقة له بالميول الجنسية ويظهر حتى بالنسبة لعلاقة الإخوة والأخوات ببعضهم أي يحب الأولاد أن يلعبوا مع الأولاد وتحب البنات أن يلعبن مع البنات ولا تكون الهرمونات الجنسية وشهواتها وميولها قد تفعَل عملها بمرحلة ما قبل البلوغ، ولا يتبلور الميل للجنس الآخر إلا بعد تكامل مرحلة البلوغ، لكن حاليا أجندة الشذوذ تقول للصغار إن كل تلك الأحوال النفسية الطبيعة المؤقتة تعني أنهم يجب أن يقوموا بعمليات تحويل الجنس وبأن يكونوا شاذين. ومن منظور فلسفي وجودي يمكن طرح السؤال ما الحكمة الإلهية من كون التحولات المرتبطة بمرحلة البلوغ لا تحدث منذ ولادة الإنسان لكي لا يمر بمرحلة التشوش التي تحصل عند البلوغ؟ الحكمة هي أن يعيش الإنسان تلك المرحلة العمرية غافلاً تماماً عن الجانب الجنسي مثل آدم وحواء قبل تناول الثمرة الممنوعة لأن الطفل لا يملك النضج النفسي والعقلي اللازم ولا القدرة الواقعية على تحمل مسؤوليات الجانب الجنسي، ولذا تزويج الصغار ضد هذه الحكمة الإلهية، والحكمة والغاية الإلهية الثانية من هذا الحال هي ذات الحكمة التي يكتشفها كل من يعانون أزمات وجودية عقائدية وفكرية عامة بسبب عدم تماهيهم مع الواقع بالشكل اللاواعي التلقائي الذي عليه الغالبية؛ وهي أن عليهم أن يتوصلوا ليقين عبر التفكر والتأمل والبحث والتقصي والتحري والدراسة الموسعة والاستكشاف المعمق لماهية وحقيقة، ومعنى هذا الواقع الذي يفترض أن يتماهوا معه لكي يتوصلوا بالنهاية للوعي الأعمق بحقيقة ماهية الطبيعتين المؤنثة والمذكرة التي خلق الإنسان بهما ثم فصل الجسد الواحد المتضمن لكليهما إلى جسدين تتجسد في كل منهما طبيعة إحدى القطبيتين لأن الضد بالضد يعرف، ليكتشف ويعرف الإنسان ماهية القطبية المذكرة والقطبية المؤنثة عبر الوعي بها مجسدة بالزواج من الجنس الآخر مقابل الوعي بجنسه الخاص، وبالأصل الإنسان كنفخة من روح الله متضمن للقطبيتين المؤنثة والتي تتمثل بصفات كالرحمة والمنظور المعنوي المعمق والشمولي متعدد الأبعاد والآفاق، والقطبية المذكرة التي تتمثل بصفات كالحزم والمنظور الحرفي المادي الظاهري الحدي المقنن، وعضوياً الشق الأيمن للدماغ بالجنسين يمثل سجايا «القطبية المؤنثة»، والشق الأيسر للدماغ بالجنسين يمثل سجايا «القطبية المذكرة»، وكون ذكر لديه غلبة بسجايا «القطبية المؤنثة» لا يعني أنه يعاني من خلل وشذوذ بالهوية والميول الجنسية إنما يعني فقط أن وظائف الشق الأيمن للدماغ هي المهيمنة، وبالمثل هو الحال بالنسبة للإناث اللاتي لديهن غلبة بسجايا «القطبية المذكرة» فالشق الأيسر من الدماغ هو المهيمنة، فبغزوة الأحزاب لما رصدت «صفية بنت عبدالمطلب» رجلاً من الأعداء حول حصن المسلمين دعت الصحابي «حسان بن ثابت» لقتله فرد «ما أنا بصاحب هذا» أي أنه من اللطف والحساسية بحيث أنه لا يستطيع القتل فهو شاعر، وقال النبي بالصحيح إنه مؤيد بروح القدس، فقامت صفية بقتله بنفسها، ولذا تكريس كمال «الذات الإنسانية الربانية» للجنسين كما تقول أدبيات الحكمة الربانية يكون بالاقتداء بأخلاق الرب في التحلي بصفات الجمال «القطبية المؤنثة» وصفات الجلال «القطبية المذكرة» وهذا للجنسين، وأما هوية الإنسان الجنسية فهي ما ولد عضوياً به، وعليه أن يستعين بما يساعده على التماهي نفسياً معها ومع ميولها الطبيعية.