كتاب ومقالات

الإعلام الجديد وذائقة المتلقي

ضيف الله نافع الحربي daifallhnafa@

ما بين حقبة الإعلام التقليدي الذي وافق شح التقنيات وضعف الإمكانات الفنية مع جودة المحتوى المُقدم بمهارة وتميز، وما بين الإعلام الجديد الذي تغيرت ملامحه عما كان عليه الإعلام التقليدي، آراء متباينة، فهناك من يرى أن رحيل وغياب جيل الرواد والهشاشة المهنية لبعض الكوادر الإعلامية التي تتصدّر المشهد اليوم أسهم كثيراً في انحدار المحتوى المرئي والمسموع والمقروء، ليجد من يخالفه الرأي واقفاً إلى جوار الإعلام الحديث بكافة مكوناته مُشيداً به معجباً بمواكبته للغة العصر بعدما خرج من تقليدية الإعلام التي بقيت على جمودها ورتابتها وضعف تطورها لعقود طويلة، ولكل طرف منهم الحق في إبداء رأيه، وإن كان الإعلام هو كما كان قبل عقود يؤدي رسالته ويقوم بدوره، كل ما تغير هو أدوات الإعلام التي أصبحت أكثر مرونة وبالتالي هي اليوم أكثر تأثيراً وأوسع انتشاراً، والقائمون على الإعلام والمنتسبون له أكثر ذكاء ولديهم مساحة إبداع وحرية لا تقارن بتلك المساحة الممنوحة للإعلامي قبل 30 سنة وأكثر، ولكل حقبة إنجازاتها وإخفاقاتها.

قد يعتقد البعض أن الإعلام اليوم في أسوأ حالاته وهذا اعتقاد يفتقد الدقة إلى حد كبير، نعم تعددت وسائل الإعلام وأصبح بإمكان كل شخص امتلاك منصة إعلامية مسموعة أو مرئية أو مقروءة بأقل تكلفة وأيسر جهد، ومن السهل أن يظهر من خلالها ويقدم المحتوى الذي يريد، ولكن التحدي الأكبر الذي يواجهه الإعلام الحديث هو ثقافة المتلقي وقدرته على تقييم المحتوى ومُقدمه سواء كان في وسيلة خاصة أو عبر وسائل الإعلام المعروفة الإذاعة والتلفزيون والصحف، لذا نجح الكثير من مُقدمي المحتوى الجيد بعدما أجازتهم ذائقة المجتمع وسقط العدد الأكبر لمجرد أنهم لم يراعوا قوة وثقافة المتلقي الذي هو الوقود الحقيقي لمركب الإعلام الجديد.

ومحاولة المقارنة بين الجيل القديم للإعلام والجيل الحالي ليست مقارنة خاطئة، لكن الميل التام للجيل القديم وانتقاص الجيل الحالي خطأ، نعم جيل الرواد لا يتكرر، ولو حظي بذات الفرصة والمساحة التي حظي بها جيلنا لحقق أضعاف ما حققه من تميز، وفي الوقت ذاته هناك مبدعون في وسائل الإعلام الحالية ونجوم إعلام تفوقوا على الجيل الذهبي وهذه حقيقة لا ينكرها مُنصف.