كتاب ومقالات

بولندا على خط الصراع الروسي ـ الأوكراني

رامي الخليفة العلي

في تطور هو الأخطر منذ اندلاع الحرب الروسية في أوكرانيا، سقطت صواريخ على الأراضي البولندية في مناطق قريبة من الحدود مع أوكرانيا، السلطات البولندية، وحتى كتابة هذه السطور، لم تحدد مصدر هذه الصواريخ أو الجهة المسؤولة عن إطلاقها، ولكن وسائل الإعلام البولندية تشير بأصابع الاتهام إلى موسكو، خصوصاً أن الجانب البولندي لطالما حذر من إمكانية استهداف أراضيه من قبل القوات الروسية. أما الجانب الروسي فقد أعلن وبشكل رسمي عبر وزارة الدفاع بأن لا علاقة له بهذه الهجمات، واعتبر أن الإشارة إلى موسكو باعتبارها مسؤولة يمثل استفزازاً. الجانب الأوكراني بدوره اتهم موسكو بشكل مباشر وعلى لسان كبار المسؤولين ومنهم الرئيس الأوكراني فولودومير زيلنسكي. من الواضح أن كييف تريد تصعيد الموقف لزيادة الدعم الغربي لها؛ لذلك يبدو الاتهام الأوكراني لموسكو اتهاماً سياسياً أكثر منه معرفة تقنية وعسكرية. الواقع المعقد في الحرب الأوكرانية والعلاقات المتوترة والمتشعبة بين روسيا وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، هذا الواقع يجعل الاحتمالات والسيناريوهات كلها ورادة. بعض الخبراء يرون أن اجتماع قمة العشرين الذي استبعد روسيا والانسحاب من خرسون الذي فُهم أنه هزيمة أخرى للجانب الروسي حتى داخل روسيا، هذا كان يتطلب ردة فعل واضحة وحاسمة وبدون تكلفة من قبل الرئيس الروسي بوتين، وبالتالي استهداف بولندا يوجه الرسالة الروسية ويمتحن إلى حد كبير إرادة الناتو في المواجهة الشاملة مع روسيا. الاحتمال الآخر هو أن تكون أوكرانيا هي المسؤولة لأنها بالفعل تريد جر الناتو إلى الصراع بما يضمن الدفاع عن أوكرانيا لتحقيق النصر على روسيا. يبقى أن الطرف الآخر الذي سيكون له دور مهم وحاسم في تطور الصراع هي الولايات المتحدة الأمريكية، وحتى الآن يبقى موقفها متحفظاً، فمع تأكيدها على الدفاع عن أراضي حلف الأطلسي، إلا أنها لم تذهب إلى اتهام روسيا بشكل مباشر. حتى الآن الإشارات القادمة من واشنطن تشير أنها غير معنية بصراع عسكري مفتوح مع موسكو دون أن تنفي احتمالات الوصول إلى هذه النتيجة غير المرغوبة. تفسير واشنطن لما حدث في بولندا هو الذي سوف يعطينا الإشارة الواضحة إلى ما يمكن أن تتطور إليه الأمور، فإذا تم إبقاء الأمر مجهولاً وتم الإعلان عن عدم الوصول إلى نتيجة يقينية حول ما حدث فهذا يعني أن التصعيد سوف يتوقف عند هذه النقطة. أما إذا أعلنت واشنطن أن موسكو هي المسؤولة عن هذا الاستهداف، ولكن بطريق الخطأ، فإن هذا سوف يؤدي إلى ردة فعل أطلسية ولكن لا تصل إلى حد الصراع المفتوح. أما إذا أعلنت واشنطن مسؤولية موسكو المباشرة وبالتالي ذلك يتطلب ردة فعل وهذا سوف يوصل الصراع إلى نقطة خطيرة جداً وقد تؤدي لاندلاع حرب عالمية ثالثة. وهناك احتمال أخير وهو أن يدرك الناتو أن موسكو هي المسؤولة ولكنه لا يعلن ذلك، وفي نفس الوقت يوجه ضربة إلى القوات الروسية ومن المرجح أن تكون الضربة في أوكرانيا وأيضاً دون أن يعلن الناتو أنه المسؤول.

بغض النظر عن هذه الاحتمالات فإن العلاقة بين روسيا والناتو وصلت إلى نقطة خطيرة، تبدو فيها كافة الأطراف ترقص على حافة الهاوية وتضع باستهتار الأمن والسلم الدوليين على المحك.