كتاب ومقالات

عُشّة تشيلك ولا صندقة تشيلها

علي بن محمد الرباعي

بكّر (أبو شمسا) في استيقاظه، وفتح زرفال الباب مع انبلاج السفر، وطلب من زوجته تستعد للمهباط لسوق الخميس، انطلقا، قبل نفرة الطير من أعشاشها، هو بيسوّق له، كيس لوز غضاريف ما بعد فقّقها، عاونته في رفعه، وشدّه فوق حماره، وهي معها صوف منفوش، شلّته في قُفة فوق رأسها، وسارت قُدامه، والحمار يدبي وراه، وبقيت (شمسا) وجدتها في البيت، وانشغلت كل واحدة منهما بنفسها.

في الطريق للسوق، لمح أبو حميميق يحوم على أطراف القرية، فقال، (يا بو حميميق، طلبتك فكوك ريق، قبل كل المخاليق)، لمح الحمار حمارة تتقمقم من فوق دمنة، فنتر الحبل من يد بو شمسا، ونكس الكيس بغضاريفه، وانفلت، فخلاه، وقال، الله لا يعفي عنك حمار، ولا عن أبو حميميق، هذي فكّة الريق اللي طلبتها.

مغّطت الجدة كراعينها، فوق حِرانة الملّة، لتقربها من دفء لهب القرض المتواري ، مع هبوب ضحوي بارد، وطلبت أم المنيمس (كما يطلقون عليها عجايز القرية)، من حفيدتها (شمسا)، تفتح السحارية، وتخرج لها (أبو فاس)، وتمرّخ رقابها، وركبها، ليخفف عنها، من الصليب اللي بيخرج وجعه من وسط رأسها.

تعذّرت شمسا من الجدة، وقالت، ما تشوفيني أمشط شعري، وأفرده بالمكّد، قالت، لو كديت ودعيتِ خلق الله يكدون معك، ما انفرد، شعرك مقرفط ، ما كنّه إلا سلك مواعين. وسألتها، إلى متى تتصيبين، وتتفركين بالدهان، وأبى يبان الزين، يا شمسا، قالت، وش درّاك إني ماني مزيونة، وإنت حفافك مغطي على عيونك، فحذفتها بمسبحة، كانت في يدها وقالت، قومي، قومي، ما يعطي الزين إلا ربي.

بدأت تفرك رقبتها وظهرها، وسمعت الجدة ، صوت داعي عند الباب، فطلبت منها توقف، (الفرك) وتبدي تشوف من اللي جاءهم في هذي الحزة، ففزت وشدّت ثوبها للأسفل، ووضعت شيلتها على رأسها، رحّبت بالضيف، لكنه لم يدخل، وطلب تفرش له الجاعد في بسطة الدرج.

رشّقت الدلة، وقالت لجدتها، أخرجي تقهوي وتهرّجي مع الضيف، تعذّرت بريحة أبو فاس، وقالت، ادعي جارنا (بخيت) يتقهوى، مع اللافي، زهمت على الجار، وما كذّب خبر، التقط الفأرة والقدوم، وجاء بعود غرب، أوشك على تحويله لصحفة، ورحّب بالرجال، وقال، أعذرني باتهرج معك، وآخذ علمك، وأكمّل شغلي، تراني مواعد بهذي الصحفة العريفة، ودي، أسلمها له قبل المغرب.

أخذ علم وأعطى علم، وعرّف أن الرجال موسر، (عيش ودبيش)، فقال، قم، وألحقني سواة المطاليق، وانتقله لبيته، وما ربط (أبو شمسا) حماره، إلا وشمسا تعطيه علومها، فالتقص، وبدى من سُدة الباب، وألقى عليهما السلام، ما قال له، (بخيت) زِلّ، ولا عذّر عليه، فعاد ينزّل مقاضيه من الخُرج مُردداً، أعقب يا (جارش الحبالى)، إن كان ما يعذّر عليّه، أربّني باخشف الصحفة، أنا بو شمسا ماني أحمر بطن.

وجد الضيف طلبه، عند (بخيت) خصوصاً عندما، شاف أخته (شافية) وتمقلها، وهي تمد له بالفنجال، وأعجبه جسم بينطّق من العافية، ووجه ينخرط منه الزين، ففهّى وكشر، وارتقل الفنجال في يده، وتكفح على ثوبه، ما جعل شافية تطلق ضحكة، بغُنج، ارتفع ثوبه إلى وسطه، فأدارت وجهها وصدت عنه، فأخرج من كمره، خمسمائة ريال، ورق أحمر من عُملة الشيبة، ومدّ بها لبخيت، قائلاً، شريت عنوّتك، فقامت العروس.

تسلبى (بخيت) بعد ما ودّى الصحفة، للعريفة، ودق الباب على بو شمسا، ففتح وقال، خير، من حصّب لك الطريق، فقال، سامحني يا جار، الرجال جاني يخطب في أختي، وتدري المسكينة كلما أخذت لها زوج ينصك نصيبها، وتعوّد في حلقي، فاحتج أبو شمسا، وقال، يا قِليل العِرف تنتقل ضيفي من فوق فراشي، فأخرج لسانه من بين شفتيه، وأصدر صوتاً، وقال ساخراً، الله أكبر يا فراش الصبّان.

تعالمت القرية، بخطوبة شافية، قالوا، الله يجعله من نصيبها، ولكن أبو شمسا تنشّد عن الرجال، وعرف بيته وقريته، وما أستاد، إلا وهو داخل عليه، حيّ الله، سلّم الله، ناوله فنجال البُن، قال، الأخبار بالأستار، اعرف أنك جيت قاصد بيتي، لأني من أطيب البيوت، وأخلفك (جارش الحبالى) فضحك العريس، وردّ عليه، بأن الزواج قسمة، وما يتروّح اثنان في الأرض، لين يروّحهم الله في عالي سماه. حاول يحرفه ما أفلح، فكرّم وضرب الباب.

راحت شافية على (الملتقص) وعدّى الشهر الأول وهو يرقب نومها واستيقاظها، وما كيّفت رأسه في نهارها، فانفعل عليها، وقال، أشوفك ما ترفعين الفنجال من الحيلة، ولا تلمحين لحليل ولا حلال، وأنا بغيتك مكدّة ومخدة، فقالت، أما مكدّة والله ما معك منها زِنه.

يتمدد كل ليلة على فراشه، ويقضي ساعات بطولها ، يكيل ويكب، وشافية في سابع نومة، فقال، صدق من قال، ما ضعيف إلا ضعيف الحيلة، وما صدق على الله يلتقي بخيت في سوق الأحد، فطلب منه، يمر ويأخذ أخته معه.

نصى أبو شمسا، فرحّب وسهّل، وقال مهر البكر، ضعف مهر الثيّب، فاقتشع الثوب، ومدّ ايده على الكمر، وعدّ له عشر مية ورقة، فقال أبو شمسا أبشر بأُنثى رجّاليّه.

راحت شمسا عليه، وسرّته في كل ما يلزم سيدة قومانية، وراعية ضيعة، فتهيّض، وقال، (والزين والشين باين من ورا شرشفه) وذات يوم التقى بشافية في الوادي، فقالت، تعاف الصندقة، وتأخذ عُشّة؟ فقال، عُشّة تشيلني، ولا صندقة أشيلها.