الانتصار بأدوات الهزيمة !
الأحد / 26 / ربيع الثاني / 1444 هـ الاحد 20 نوفمبر 2022 23:32
نجيب يماني
مهما بلغت بك سعة التقدير، واصطناع العذر لمن يخطئ اللّفظ مع سلامة النيّة، أو ينشد المدح والتقريظ، من قاموس القدح والذم الصريح، فإنّك لا شك مهزوم حين تقرأ مقال الكاتبة ريهام زامكه، المعنون بـ«الشيطان تلميذ المرأة!»، المنشور في «عكاظ»، فما زادت ريهام أن «هبطت» بالمرأة شأوًا من حيث أرادت لها «الرفعة»، بجعلها تلميذة للشيطان، وحسبك به مقامًا لا يذكر إلا مصحوبًا بـ«التعوّذ» من الرّجيم الملعون، أو مقرونًا برجاء الحفظ من همزاته الآزّة، فغاية ما يمكن أن تخلص إليه «النساء» من طائف المعاذير المختلقة اختلاقًا لتبرير ما ذهبت إليه زميلتهن «ريهام»، أن يرددن حسرة، في معرض الأسى والعزاء:
أقول للنّفسِ تأساءً وتعزيةً
إحدى يديَّ أصابتني ولم تُردِ
موقنات أن «ريهام» دخلت عليهن من باب الخروج، ودافعت عنهن بما عاد عليهن بالمنقصة والبوار.. ذلك؛ أنّ المسطور الذي تفضّلت به انتاشته سهام النقد والتقريع حيث نعى عليها الجميع هذه المقاربة المطففة، والتشبيه الأخرق، والمماثلة الدنيئة، والإزراء بحقّ المرأة، وإنزال آدميتها إلى أسافل الشياطين، وهي التي حسبت أنّها بذلك ترفعها مقامًا سنيًّا بإيراد قصص ونماذج تصوّر براعة المرأة في صنع الفخاخ، وخبرتها في نصب الشباك، وإجادتها في تلغيم طريق الرجل حتى يستبين «خبله» وتنكشف «غباوته»، في سياق تحس معه أن المقال يكاد يكون «تصفية حساب»، أو نفثة مصدور موجع.
حتى وإن سلمنا أن للمرأة كيدًا فهو كيد صادر عن نفس حنونة تواقة للحب والعطف والحنان. امرأة العزيز كادت ليوسف لأنه شغفها حباً، وإخوته كادوا له موتًا عن حقد وغيرة وحسد.
ولست هنا آخذ نفسي بأسباب الغوص عميقًا في ما يخص العلاقة بين المرأة والرجل وأوجه الاختلاف بينهما، والنوازع النفسية وما يسندها من تباين في المكونات العقلية، والدراسات التي تحاول أن تجد أسبابًا منطقية لماهية الاختلاف في التصرفات بينهما.. ولكني في المقابل سأحاول المرور، من باب «المعابثة» فقط، في حقل «الألغام» المزروع في «الشيطان تلميذ المرأة!».. فكلّ ما ذكرته الفضلى «ريهام» من مسرودات قصصية حول براعة المرأة في الكيد، و«الشيطنة»، والتدليل بذلك على «خبل» و«غباء» الرجل، فإنّي داعيها إلى أن تتراحب في قراءة مسرودات كثيرة تكشف لها عن طرق «استغفال» الرجل للمرأة، واللعب بعواطفها، والذهاب بها إلى أقصى احتمالات التيه والضياع وأخذ كل ما يريده منها بكلمتين (يأكل بعقلها حلاوة) وما من امرأة تعيش الضياع والألم وغدر الزمن إلا بكيد رجل.
وإن أرادت - «ريهام» - المزيد فلتأخذ جولة عابرة في الأدب الإنساني، بكل لغاته، وبخاصة في ما يتصل بعلاقة الرجل والمرأة، فإني ضامن لها إدراك أنّ الرجل – قياسًا على نماذجها – يفوق المرأة في هذا الجانب بمراحل بعيدة، وله من أفانين الخداع والمماراة جولات وصولات، ومع ذلك يتفضلون بـ«التغابي» أمام المرأة اصطناعًا للمودة، ورجاء للإيلاف وحسن العشرة، هكذا كان الرجل منذ ما قبل التاريخ، ودونكم الشاعر الجاهلي طفيل الغنوي، فقد عرف المرأة حقّ المعرفة الفطرية الساذجة، فأنشد يقول:
إن النِّساءَ كَأَشجَارٍ نَبتنَ معًا
منها المرارُ وبعضُ المرّ مأكولُ
إنّ النِّساء متى يَنهَيْن عن خُلُقِ
فإنَّهُ واجِبٌ لا بُـدَّ مَفعُولُ
لا يَنْثَنيْن لِرُشدٍ إن مُنِيْنَ لـه
وهُنَّ بعدُ مَلُومَـاتٌ مَخَاذِيلُ
أرأيت كيف يا «ريهام» الرجل يعرف المرأة حقّ المعرفة، ويدرك نفسيتها، ويفهم تصرفاتها، ويمدّ لها من باب «التّغافل» ما ترضى به نفسًا، وتشفى به صدرًا، وتطيب به حياة.. انظري إلى قول إيليا أبوماضي، في رائعته «المرأة والمرآة»
فلو أمنت سخط الرّجال وأيقنت
بسخط الغواني أوشكت تترّجل
قد اتخذت مرآتها مرشدا لها
إذا عنّ أمر أو تعرّض مشكل
وما ثمّ من أمر عويص وإنّما
ضعيف النّهى في وهمه السهل معضل
تكتّم عمّن يعقل الأمر سرها
ولكنّها تفشيه ما ليس يعقل
فلو كانت المرآة تحفظ ظلّها
رأيت بعينيك الذي كنت تجهل
أمثل هذا البصير بنفسية المرأة، والحاذق بأمورها تنطلي عليه حيلها، ولو كان «الشيطان لها تلميذًا».. ليت «ريهام» أصاخت السّمع ومدت طرفها إلى قول أحلام مستغانمي «حين تخجل المرأة، تفوح عطرًا جميلاً لا يخطئه أنف رجل»..
أحسنت «بنت مستغانمي» القول، فها هنا يكمن سرّ العلاقة بين الرّجل والمرأة،، وجوهرها، ومناط اشتعالها وفورانها المستمر، لا في أحابيل الوقيعة، وأناشيط الغبن، بما يجعل الحياة نكدة لا تطاق.. هنا حيث كل منهما يحاور الآخر بما يملك من جواذب الفتنة، وبهارج الجمال، ومحاسن العرض، يلتقيان حينًا على بساط الرضا والقبول فتزهر الدنيا وتورق.. ويعتكر ما بينهما عرضًا فتغتمّ الدنيا وتظلم، ليجد الصفح ساحته، ويعمل عمله في التهدئة، و«فض الاشتباك»، وهكذا تمضي الحياة بلا «أبلسة»، أو تلمذة عند «شيطان» مريد.
المرأة آية من آيات الله خلقها وقدمها زهرة عطرة للحياة. تعطي الحب وتمنح السكن وتعمر الكون هي العطاء والحضن والسكينة والمتعة واللذة والحكمة والفرش والغطاء!
أقول للنّفسِ تأساءً وتعزيةً
إحدى يديَّ أصابتني ولم تُردِ
موقنات أن «ريهام» دخلت عليهن من باب الخروج، ودافعت عنهن بما عاد عليهن بالمنقصة والبوار.. ذلك؛ أنّ المسطور الذي تفضّلت به انتاشته سهام النقد والتقريع حيث نعى عليها الجميع هذه المقاربة المطففة، والتشبيه الأخرق، والمماثلة الدنيئة، والإزراء بحقّ المرأة، وإنزال آدميتها إلى أسافل الشياطين، وهي التي حسبت أنّها بذلك ترفعها مقامًا سنيًّا بإيراد قصص ونماذج تصوّر براعة المرأة في صنع الفخاخ، وخبرتها في نصب الشباك، وإجادتها في تلغيم طريق الرجل حتى يستبين «خبله» وتنكشف «غباوته»، في سياق تحس معه أن المقال يكاد يكون «تصفية حساب»، أو نفثة مصدور موجع.
حتى وإن سلمنا أن للمرأة كيدًا فهو كيد صادر عن نفس حنونة تواقة للحب والعطف والحنان. امرأة العزيز كادت ليوسف لأنه شغفها حباً، وإخوته كادوا له موتًا عن حقد وغيرة وحسد.
ولست هنا آخذ نفسي بأسباب الغوص عميقًا في ما يخص العلاقة بين المرأة والرجل وأوجه الاختلاف بينهما، والنوازع النفسية وما يسندها من تباين في المكونات العقلية، والدراسات التي تحاول أن تجد أسبابًا منطقية لماهية الاختلاف في التصرفات بينهما.. ولكني في المقابل سأحاول المرور، من باب «المعابثة» فقط، في حقل «الألغام» المزروع في «الشيطان تلميذ المرأة!».. فكلّ ما ذكرته الفضلى «ريهام» من مسرودات قصصية حول براعة المرأة في الكيد، و«الشيطنة»، والتدليل بذلك على «خبل» و«غباء» الرجل، فإنّي داعيها إلى أن تتراحب في قراءة مسرودات كثيرة تكشف لها عن طرق «استغفال» الرجل للمرأة، واللعب بعواطفها، والذهاب بها إلى أقصى احتمالات التيه والضياع وأخذ كل ما يريده منها بكلمتين (يأكل بعقلها حلاوة) وما من امرأة تعيش الضياع والألم وغدر الزمن إلا بكيد رجل.
وإن أرادت - «ريهام» - المزيد فلتأخذ جولة عابرة في الأدب الإنساني، بكل لغاته، وبخاصة في ما يتصل بعلاقة الرجل والمرأة، فإني ضامن لها إدراك أنّ الرجل – قياسًا على نماذجها – يفوق المرأة في هذا الجانب بمراحل بعيدة، وله من أفانين الخداع والمماراة جولات وصولات، ومع ذلك يتفضلون بـ«التغابي» أمام المرأة اصطناعًا للمودة، ورجاء للإيلاف وحسن العشرة، هكذا كان الرجل منذ ما قبل التاريخ، ودونكم الشاعر الجاهلي طفيل الغنوي، فقد عرف المرأة حقّ المعرفة الفطرية الساذجة، فأنشد يقول:
إن النِّساءَ كَأَشجَارٍ نَبتنَ معًا
منها المرارُ وبعضُ المرّ مأكولُ
إنّ النِّساء متى يَنهَيْن عن خُلُقِ
فإنَّهُ واجِبٌ لا بُـدَّ مَفعُولُ
لا يَنْثَنيْن لِرُشدٍ إن مُنِيْنَ لـه
وهُنَّ بعدُ مَلُومَـاتٌ مَخَاذِيلُ
أرأيت كيف يا «ريهام» الرجل يعرف المرأة حقّ المعرفة، ويدرك نفسيتها، ويفهم تصرفاتها، ويمدّ لها من باب «التّغافل» ما ترضى به نفسًا، وتشفى به صدرًا، وتطيب به حياة.. انظري إلى قول إيليا أبوماضي، في رائعته «المرأة والمرآة»
فلو أمنت سخط الرّجال وأيقنت
بسخط الغواني أوشكت تترّجل
قد اتخذت مرآتها مرشدا لها
إذا عنّ أمر أو تعرّض مشكل
وما ثمّ من أمر عويص وإنّما
ضعيف النّهى في وهمه السهل معضل
تكتّم عمّن يعقل الأمر سرها
ولكنّها تفشيه ما ليس يعقل
فلو كانت المرآة تحفظ ظلّها
رأيت بعينيك الذي كنت تجهل
أمثل هذا البصير بنفسية المرأة، والحاذق بأمورها تنطلي عليه حيلها، ولو كان «الشيطان لها تلميذًا».. ليت «ريهام» أصاخت السّمع ومدت طرفها إلى قول أحلام مستغانمي «حين تخجل المرأة، تفوح عطرًا جميلاً لا يخطئه أنف رجل»..
أحسنت «بنت مستغانمي» القول، فها هنا يكمن سرّ العلاقة بين الرّجل والمرأة،، وجوهرها، ومناط اشتعالها وفورانها المستمر، لا في أحابيل الوقيعة، وأناشيط الغبن، بما يجعل الحياة نكدة لا تطاق.. هنا حيث كل منهما يحاور الآخر بما يملك من جواذب الفتنة، وبهارج الجمال، ومحاسن العرض، يلتقيان حينًا على بساط الرضا والقبول فتزهر الدنيا وتورق.. ويعتكر ما بينهما عرضًا فتغتمّ الدنيا وتظلم، ليجد الصفح ساحته، ويعمل عمله في التهدئة، و«فض الاشتباك»، وهكذا تمضي الحياة بلا «أبلسة»، أو تلمذة عند «شيطان» مريد.
المرأة آية من آيات الله خلقها وقدمها زهرة عطرة للحياة. تعطي الحب وتمنح السكن وتعمر الكون هي العطاء والحضن والسكينة والمتعة واللذة والحكمة والفرش والغطاء!