أخبار

وهم الطاقة .. جنون ورزق

بين قوانين الجذب وكتابة الأكواد وإطلاق النوايا

زياد القرشي

عبدالله الروقي (مكة المكرمة) alroogy@

هل تصدق.. أن كتابة خمسة أو ستة أرقام على ساعدك تعينك على تجاوز محنة أو استدعاء حبيب غائب أو حتى في زيادة رصيدك في البنك.

هل يعقل أن مجرد إطلاق نية تجعلك تعيش في صفاء وهناء ويبعد عنك المرض، هل سمعت يوماً بـ(قانون الجذب) الذي يمكنك من استدعاء أمنياتك وتحقيق متطلباتك بلا تعب أو جهد فقط بالطلب والتمني.

«عكاظ»، رصدت قناعات البعض بالأوهام وإيمانهم بالخزعبلات بصورة تفوق حدود العقل واعتقادهم في نفعها وجدواها والحيرة على قدرة العقل البشري على تصديق تلك الأوهام والتعلق بها واعتقاد فائدتها.

والمتابع في الآونة الأخيرة لمنصات التواصل الاجتماعي، يجد أن تجارة (الأكواد) و(الطاقة) أخذت منحى متصاعداً، بل أصبحت مصدر دخل ورزقٍ للكثيرين ممن أصبحوا يسوّقون الوهم على خفاف العقول، فيطلبون منهم كتابة مجموعة أرقام على ساعد اليد؛ بحجة أن الكود سيساعدهم في كل مشكلة أو القضاء على أي معضلة، وأنه سيجلب الرزق والنفع والعون، وأخرى تجمع النقود كي تطلق لمتابعيها (النوايا) التي تساعدهم في معمعة الحياة في مختلف جوانبها؛ مادية وعاطفية وحتى جسدية، ففي أكتوبر النية تختلف عن ديسمبر، وهذه مفعولها مغاير عن تلك إذا كانت في وقت محدد. «عكاظ» فتحت ملف (وهم الطاقة.. ودجل الأكواد) واستطلعت آراء المختصين التربويين والنفسيين والشرعيين.

معتقدات وهمية عن الشمس والتراب !

المتخصصة في علم النفس الإرشادي والصحة النفسية الدكتورة ندى الرشود، ترى أن علم الطاقة مبنيّ على تصورات عقلية وخيالات من طقوس غريبة وقضايا غيبية ومعتقدات تدعي قوة الشمس والهواء والماء والتراب، وتمضي الأوهام إلى ضرورة الاندماج مع طاقة الأرض لأنك خلقت منها وستعود إليها على -حد زعمهم-، وهناك مسارات محددة في الجسد تستقبل الطاقة، والعلاج -بحد زعمهم- يعتمد على أنك يجب أن تتخيل الطاقة وهي تتدفق عبر جسدك من خلال قنوات في الرأس والقلب وأجزاء الجسد، وأوهام كثيرة جدّاً يروَّج لها كثير من الناس من أجل التأثير على الناس، ويحاول هؤلاء تلبيس أوهامهم ملابس العلم والنظريات القديمة المستوحاة من التراث بغرض الحصول على المال لصالح علماء الطاقة، فالمهتمون بعلم الطاقة غالباً ما يلعبون على وتر العاطفة لكسب أكبر شريحة ممكنة ممن فقدوا أهاليهم وأزواجهم ووظائفهم أو حتى تعليمهم فيجعلونهم يتعلقون بهذا الوهم.

وتضيف الدكتورة الرشود: إن وقوع الكثيرين في التعلُّق بالغيبيات نتيجة غياب الرقابة من الأهالي والمجتمع والغياب ساهم في انتشار أصحاب هذا النهج وتقوية نفوذهم، مع الأخذ بالاعتبار أنه في أي حال من الأحوال لا يمكن أن تكون الطاقة مصدراً للعلاج الجسدي أو النفسي لأنها مجرد أفكار وأوهام وخرافات يتخيلها الإنسان ويراها حقيقة، بينما هي في الواقع بعيدة كل البعد عن العلم والمنطق وتعتمد على تدريبات وتجارب شخصية ليس لها أي أساس علمي، ونتائجها غامضة، ولا يمكن التنبؤ بها.

دجل وشعوذة وخرافات

الباحث الشرعي زياد منصور القرشي، يقول إن العلاج بالطاقة الحيوية في أصله يقوم على طقوس عقائدية تعتمد على الخُرافات والأوهام والكذب والدجل والشعوذة وأكل أموال الناس بالباطل، والمهتمون بعلم الطاقة محتالون يبيعون الوهم على الناس وهو مخالف للعقيدة وبعيد كل البعد عن الدين والعلم والمنطق وإنما إعجاب وانبهار بعقائد ضالة ومنحرف، ولو نظرتم على مستوى العالم ستجدون أن معظم من يبحث في هذا العلم (علم الطاقة الكونية) أناس لديهم عقائد فاسدة، كما أنها أصل في كثير من التطبيقات الرياضية، والاستشفائية كـ«الريكي»، و«التشي كونغ»، و«اليوجا»، و«الماكروبيوتيك»، و«التاي شي»، وكثير من المعالجين يخدع الطالبين للعلاج، فيدعي توصيلهم إلى قدرات خارقة، كالمشي على المسامير والزجاج، أو النار، وهذا كله من الشعوذة والدجل المحرم، فهذه عقائد باطلة يجب ألّا نلتفت إليها ولا نقلدها.

عجز وتكاسل وعيش في الخيال

عن التعلق بعلم الطاقة، يقول أستاذ الإرشاد النفسي المساعد في الجامعة الإسلامية الدكتور علي السويهري، إن ذلك يرجع إلى تعلق الفرد بالرمز الذي يشكله هنا (كود الطاقة)، كما يزعم منظرو هذا العلم. وفسرت بعض النظريات سبب تعلق هذه الفئة من المجتمع بهذا الدجل في أنه يعود إلى عجز الفرد عن تحقيق أمنياته وتكاسله واعتماده على طاقات خفية غير موجودة وافتقاده لوجود من يسانده اجتماعياً وعاطفياً، لا سيما أن التعلق هو أحد الدوافع الحياتية الرئيسية التي تأتي ضمن سياق محدد مرتبط بالحاجات الاجتماعية وعلاقات الإنسان اليومية مع الآخرين ويكون التعلق طبيعياً لحد معين، لكن إذا زاد عن حده يصبح مرضياً؛ أي أنه قد يُدخل الإنسان في حالة قهرية إلحاحية، وبالتالي يؤثر ذلك على ثقته بنفسه وعلى تعاطيه مع الآخرين، بل يؤثر بشكل عام على نواحي الحياة كالدراسة والعمل، ما يدفعهم للجوء إلى طبيب نفسي مختص ليساعدهم في التخلص من التعلق المرضي بوضع برنامج وخطط عمل ليكون لهؤلاء شخصيتهم الخاصة الراضية عن حياتهم.

امنعوا الخزعبلات

وينصح القرشي، الجميع بالتمسك بالعقيدة الصحيحة، وأن يحرص الآباء والأمهات على المحافظة على أولادهم من الخزعبلات، وتحذيرهم منها، وسؤال العلماء عمَّا يشكل عليهم، والاستشفاء بالقرآن الكريم والرقية الشرعية والأدعية الصحيحة من الكتاب والسنة، وأشار إلى أن الإسلام أمر بالتداوي ولم يحرمه، والرسول صلى الله عليه وسلم أمرنا بالتدواي بقوله: «يَا عِبَادَ اللَّهِ تَدَاوَوْا، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلا وَضَعَ لَهُ شِفَاءً».

الريكي والماكرو بيوتيك والأيور فيد

أستاذ العقيدة المشارك في جامعة أم القرى الدكتور أبو زيد بن محمد مكي، يرى أن المراد بالفكر الباطني الحديث هو الفكر الذي يعتقد بأن للظواهر حقائق باطنة لا يطلع عليها إلا خواص من الناس؛ سواء ظواهر الحقائق الكونية أو ظواهر النصوص، وقد سمي بذلك نسبة لعلم الباطن الذي يدّعونه، وهو العلم الذي يقول بأن لكل ظاهر باطناً، وأن الباطن هو الحكمة المخفية والمقصودة، وتقوم معتقدات الفكر الباطني على عقيدة وحدة الوجود، فالكون ظاهره التعدد، وباطنه الوحدة، فظاهره مخلوق، وعقيدة الشرارة بداخل الإنسان وعقيدة الاتحاد وعقيدة وحدة الأديان، فالأديان ظاهرها التعدد، وباطنها شيء واحد وعقيدة نسبية الحقائق والقيم؛ فالحقائق والقيم ظاهرها التعدد والتميز، وباطنها النسبية، فالحقائق نسبية ليست ثابتة ولا متميزة. ويستطرد الدكتور مكي، في تشخيص أبرز تطبيقات الفكر الباطني الحديث فيعددها قائلاً: إن منها (الريكي) ويقصد بها طاقة الحياة المستمدة و(الأيور فيدا) ويقصدون بها علم إطالة العمر، أو فن الحياة، أو علم الحياة و(الماكرو بيوتيك) ويقصدون بها الحياة الكبيرة، وهذه التطبيقات وما شابهها تقوم على معتقد وحدة الوجود، فهم يعتقدون بوجود طاقة مبثوثة في كل ذرة من ذرات الكون، متى استطاع الإنسان تسليكها في داخل جسده، ومارس الرياضات الروحية المهيأة لذلك حصل على الشفاء.

ويؤكد الدكتور مكي، أن الفكر الباطني الحديث يأتي بتعبيرات جميلة؛ كالتخلص من الطاقة السلبية بسبب الأفكار السلبية، ويأتي ضمن مصطلحات جذابة فتظنها ثابتة علمياً، لذا يجب علينا تعليم الأبناء العقيدة الصحيحة.