المملكة تكرّس معادلة جديدة في العلاقات الدولية
الثلاثاء / 19 / جمادى الأولى / 1444 هـ الثلاثاء 13 ديسمبر 2022 22:53
رامي الخليفة العلي
استقبلت الرياض الرئيس الصيني شي جين بينغ في زيارة تاريخية بكل المقاييس، فقد تكون هذه الزيارة هي بداية مرحلة مختلفة في العلاقات الدولية ربما لم يشهدها العالم منذ نهاية الحرب الباردة في تسعينيات القرن المنصرم. أهمية الزيارة تنبع من التوقيت باعتبار أن العالم وعلاقاته المتشابكة تشهد مرحلة حرجة وتوتراً غير مسبوق منذ عقود، وهناك حرب باردة تلوح في الأفق بين الولايات المتحدة والصين. عندما اختار الرئيس الصيني الرياض في زيارته الحالية فهو يدرك جيداً أنها أصبحت عاصمة القرار العربي، وهذا لا يرتبط فقط بدور المملكة العربية السعودية وثقلها الروحي والسياسي والاقتصادي، ولكن بسبب الطريقة الحصيفة التي اتبعتها المملكة في إدارة علاقاتها مع الأطراف الدولية. منذ عام 2016 والمملكة تعمل على إعادة الروح للعمل العربي المشترك والتنسيق بين الدول العربية من أجل الوصول إلى رؤى مشتركة حول القضايا الدولية، فعندما شارك الأمير محمد بن سلمان في قمة العشرين في بوينس آيريس في عام 2018 سبق ذلك بزيارة لأبرز الدول العربية حتى يتم التنسيق معها. وفي كل الاستحقاقات اللاحقة كانت الدول العربية جزءاً من صياغة القرار، حتى أصبح قراراً عربياً بقيادة سعودية، حدث ذلك في عاصفة الحزم التي كانت بتحالف عربي، ثم بالتحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب الذي كان بمشاركة عربية فاعلة وكذا زيارة الرئيسين الأمريكيين ترمب ثم بايدن، حيث كانت القمم سعودية وعربية وخليجية. وهذه أصبحت سنة عربية ليس في إطار الشكل ولكن في إطار المضمون بحيث يتحدث العرب بلسان واحد فيكون ذلك مدعاة لحماية المصالح العربية. والحقيقة أن التنسيق العربي وجد طريقه إلى تحقيق بعض السياسات التي كانت غير متوقعة في ظل الأزمات والصراعات التي تشهدها المنطقة العربية (للأسف الشديد) فقد نجح التنسيق العربي في تجنيب المنطقة سياسة المحاور التي باتت تتشكل بدفع من الولايات المتحدة الأمريكية، فالمملكة ومن ورائها الدول العربية الفاعلة أخذت موقفاً يمكن وصفه بالحياد الإيجابي اتجاه ملف الحرب الروسية ـ الأوكرانية، وهذا ما سمح للأمير محمد بن سلمان بأن يأخذ المبادرة ويجري وساطة ساهمت بالإفراج عن أسرى بعضهم أمريكيون، الأهم من ذلك أن هذه السياسة العربية ساهمت في تجنيب عدد من الدول العربية أزمة غذاء حادة، بل إن هذه السياسة فتحت النوافذ للأطراف الفاعلة لبناء الجسور مع العالم العربي، وما زيارة الرئيس الصيني شي إلا التجلي الأبرز لهذه المرحلة الجديدة في السياسة الخارجية العربية. لا يوجد هناك خيار واحد أمام المملكة العربية السعودية وشقيقاتها العربية، بل هناك طيف واسع من الخيارات، وهذا ما لم تستوعبه بعض الدول، هناك أطراف لا تزال لم تستوعب المرحلة الجديدة في العلاقات الدولية، ونتحدث عن إدارة الرئيس الأمريكي بايدن. هذا لا يعني أن العلاقات الجيدة أو الممتازة مع الصين أو روسيا سوف تكون على حساب واشنطن والغرب عموماً، بل الهدف هو بناء مروحة من العلاقات مع أطراف متعددة بما يخدم المصالح العربية بالدرجة الأولى، هذا هو فهم الدول العربية، والجميع يتمنى أن تفهم الولايات المتحدة ذلك وتتفهمه ولا تتوقع أن تجعل الدول العربية علاقاتها مع الغرب على حساب أي طرف دولي آخر.. هذه هي المعادلة الجديدة بكل بساطة.