وزير الثقافة لـ«عكاظ»: هدفنا أن تكون الفنون والثقافة أساسية في مراحل الدراسة الأولى
أكد أن المملكة غنية بإنسانها المبدع وإرثها العريق
الجمعة / 22 / جمادى الأولى / 1444 هـ الجمعة 16 ديسمبر 2022 01:31
حاوره: علي الرباعي (الرياض) Al_ARobai@
عقب إطلاق وزارة الثقافة ووزارة التعليم إستراتيجية تنمية القدرات الثقافية، التي تعوّل وزارة الثقافة ومنظومة التعليم والتدريب عليها الكثير في تأسيس بنية تحتية صلبة في رأس المال البشري في القطاعات الثقافية، أكد وزير الثقافة الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان آل سعود، لـ«عكاظ» أن تنمية القدرات الثقافية تُمكّن النمو الاقتصادي بصورة مباشرة، وتساهم على المدى الطويل في رفع الذائقة العامة، وتقدير الفنون، وجودة الحياة، والرفاه للمجتمع.
وأوضح وزير الثقافة في حوار مع «عكاظ» أن لتنمية القدرات الثقافية أثراً أساسياً يكمن في زيادة فرص العمل؛ نظراً لتوفر مبدعين مؤهلين بالمهارات اللازمة لشغل وظائف القطاعات الثقافية، كما ستُسهم في الناتج المحلي الإجمالي من خلال المنافع المباشرة وغير المباشرة، مشدداً على أهمية الآثار الأخرى سواء على الطالب أو الممارس أو الهاوي أو المجتمع عموماً، ومنها زيادة خيارات التعلم، وتطوير الهوايات، وتعزيز التقدير، والتمتع، وفهم الثقافة والفنون، والتراث المحلي، والوطني، والعالمي المعاصر والتقليدي، وبناء وتعزيز تجانس المجتمع بزيادة المهارات الاجتماعية، وتطوير المهارات الإبداعية، والابتكار، والريادة. فإلى نص الحوار:
• سمو الوزير، إلى ماذا تهدف إستراتيجية تنمية القدرات الثقافية؟
•• دعنا نتفق أولاً أن تنمية القدرات هي العنصر الأساسي والأهم لتنمية وبناء المجتمعات عموماً والثقافة خصوصاً، فلا يمكن لأي حضارة وأمّة أن تزدهر ثقافياً وتمثل بلادها، ووطنها، وحضارتها ثقافياً، وتبدع، وتنتج أنماطاً ثقافية جديدة تخلّد ذكرها للأجيال القادمة دون تنمية الإنسان وقدراته الثقافية، فالإبداع عبر الزمان كان ولا يزال مرتبطاً بالعقل الإنساني وقدرته على صنع وفعل الكثير، وهذا الدور استشعرناه مبكراً في الإستراتيجية الوطنية للثقافة.
ونمتلك في المملكة العربية السعودية كنزاً عظيماً من المبدعين والعقول القادرة على فعل الكثير، وصناعة المستحيل، بإيمان كبير من قبل مولاي خادم الحرمين الشريفين وسمو سيدي ولي العهد اللذين يؤكدان دائماً أن الإنسان السعودي قادر على الوصول إلى عنان السماء، ولنا فيما حققته رؤية السعودية 2030 حتى الآن خير مثال، فهِمّة السعوديين -كما قال سمو سيدي ولي العهد- كجبل طويق.
• هل يمكن للإستراتيجية أن تنعكس على حياة المجتمع عموماً، أم أن الأثر الرئيسي للإستراتيجية سيقتصر فقط على المتخصصين والمهتمين؟
•• ستنعكس الإستراتيجية على جودة حياة الفرد في المجتمع سواء كان متخصصاً ومهتماً أم لا، إذ تهدف إلى رفع جودة الحياة والرفاه للسعوديين والمقيمين على أرضنا، ولخلق مناخ عام يساهم في اكتشاف أكبر قدر ممكن من المبدعين في المجالات الثقافية، وخلق بيئة حاضنة ومحفزة لهم، إضافة إلى التعرّف على أنماط الفنون وتعزيز تقدير المجالات الثقافية المختلفة.
كما ستساهم الإستراتيجية بصورة مباشرة في زيادة فرص العمل عبر تأهيل قدرات متخصصة في مجالات ثقافية متنوعة بالمهارات اللازمة لشغل وظائف مستقبلية تراعي حاجة سوق العمل للمتغيرات تحت مظلة القطاعات التي ترعاها وزارة الثقافة سواء في المسرح والفنون الأدائية، الطهي، الأزياء، الفنون البصرية، الأفلام، فنون العمارة والتصميم، الموسيقى، المتاحف، التراث، المكتبات والأدب والنشر والترجمة، فبتوافر هذه القدرات يحصل النمو في الاقتصاد الإبداعي الجديد، والمساهمة في الناتج المحلي التي نطمح لها.
وأؤكد أن الإبداع، والاحتراف في الصنعة، والاستمتاع بأشكال الثقافة والفنون، لا يقتصر أبداً على فئة معينة من المجتمع، ففرص الممارسة الثقافية تنبع أساساً من تراث المملكة الغني والمتنوع في مختلف المناطق وتعزيزه وتطويره؛ ولذلك تعمل إستراتيجية تنمية القدرات على التوعية لعامة المجتمع، ولإدراج الثقافة والفنون في جميع المدارس وفي التعليم العالي، وإتاحة فرص التعلم على المنصات الإلكترونية مدى الحياة.
بذلك يمتد أثر تنمية القدرات الثقافية من بناء مهارات متعددة التخصصات في الأفراد لتحقيق النجاح الشخصي والمهني، إلى تنمية الوعي المجتمعي العام، والفهم والتقدير تجاه الفنون والثقافة، مما يبني الترابط الاجتماعي بتبادل المعرفة عبر الأجيال، وحتى الوصول إلى وطن ينافس عالمياً في الصناعات الإبداعية لإبراز المواهب المحلية التي نفخر بها.
• إلى أي مدى يمكن الجمع بين متطلبات سوق العمل، والثقافة، بحكم أن الثقافة إنتاج إبداعي لا يخضع بالضرورة لأدبيات السوق؟
•• هذه نقطة مهمة وجوهرية، إذا توفرت طاقات بشرية قادرة على صناعة حراك ثقافي يثري المجتمع سيزيد الطلب، وستخلق سوقاً نشطة لتداول الفنون والإبداع، الأمر الذي سيثري الذائقة والاقتصاد معاً، هي عملية مترابطة ولا تتعارض. نؤمن أن العمل الثقافي قادر على التأثير المباشر وغير المباشر على السوق وخلق فرص اقتصادية جديدة؛ لذلك تهتم الإستراتيجية بزيادة عدد القدرات الفردية في القطاعات الثقافية بما يحقق نمو القطاع الثقافي، والمساهمة في الناتج الاقتصادي المحلي، الذي سيتعاظم بفضل ازدهار القطاعات الثقافية المعنية.
لك أن تتخيل حجم سوق الفنون البصرية في المملكة بعد زيادة عدد المحترفين الموهوبين في هذا القطاع الذين سيلبون رغبات الذائقة الفنية في السعودية. الأمر يتكرر في قطاعات العمارة والتصميم، والمسرح، والموسيقى، والأدب والنشر والترجمة، وفنون الطهي، والأزياء وقِس على ذلك الكثير. وعلى الطرف المقابل، سترتفع بطبيعة الحال المنافع غير المباشرة التي ستخلقها المساهمة الثقافية في الناتج الاقتصادي، الأمر الذي ستساهم فيه الثقافة في تحسين ميزان المدفوعات الوطني بشكل مباشر وغير مباشر.
• كأنكم تتحدثون عن الأثر الاقتصادي سمو الوزير؟
•• رؤية السعودية 2030، تضمنت في ركائزها الإستراتيجية مجتمعاً حيوياً، ووطناً طموحاً، واقتصاداً مزدهراً، والثقافة عموماً أحد العناصر التي تعتمد عليها الرؤية لتحقيق أهدافها.
ونعمل على مساهمة القطاعات الثقافية بما يقارب 3% من الناتج المحلي، فالثقافة مصدر أساسي لإنتاج المحتوى المحلي، كما أنها عامل في تعزيز الاقتصاد الوطني، من خلال توفير فرص وظيفية محلية، وتداولها بشكل أوسع في المجتمع حتى نصل لتحقيق هدفنا في أن تصبح الثقافة نمط حياة، ومُساهِمة في الاقتصاد الوطني، ومُعزِّزة لمكانة المملكة الدولية.
• ماذا عن العلاقة بين الثقافة وبرنامج جودة الحياة؟
•• للوزارة مبادرات عدة مرتبطة ببرنامج جودة الحياة تعنى بتطوير البنية التحتية الثقافية، والفعاليات، والمشاركة المجتمعية، وتطوير وتنمية المواهب الثقافية، وتحسين السياسات والإجراءات الثقافية، هذا عموماً. وللإستراتيجية خصوصاً آثار أخرى على جودة الحياة تتمثل في زيادة خيارات التعلّم، وتطوير الهوايات، وإشراك فئات المجتمع في العديد من المجالات الثقافية، وزيادة المهارات الاجتماعية، والاندماج والمشاركة الاجتماعية، وتطوير المهارات الإبداعية، والابتكار، والروح الريادية.
• إلى ماذا تطمحون بالإستراتيجية؟
•• نطمح إلى اكتشاف القدرات الثقافية مبكراً، وبدء الرحلة معهم نقشاً على الحجر، من خلال محطات الاستكشاف والإعداد، تعزيز الكفاءات المهنية، والتقدير، فتطوير القدرات الثقافية يبدأ من التعليم. سنبحث بين طلبة المدارس -من خلال تعليم الفنون والثقافة داخل الفصول- عن الأثر الإبداعي داخلهم، واكتشاف الموهوبين بالفطرة من خلال الأنشطة غير المنهجية التي ستسلط الضوء على المواهب، وإعدادها، وتحديد الطلبة الموهوبين، لتنتقل الرحلة بعد ذلك إلى احتوائهم في مسارات الفنون والثقافة من خلال الأكاديميات الإبداعية، والخدمات الاستشارية، وعند التخصص سيلقون كل الدعم عبر الابتعاث الثقافي، وفرصاً للحصول على شهادات أكاديمية، وفنية، ومهنية متخصصة في الفنون والثقافة من المؤسسات المحلية والعالمية، وسيتم فتح المجال للتعلّم على رأس العمل.
• ما أبرز ملامح خطة الإستراتيجية في التعليم؟
•• التعليم واحتضان المواهب في المراحل الدراسية المبكرة أقوى وأهم أشكال التنمية الممكن اتباعها، ونستهدف في الإستراتيجية أن تصبح الفنون والثقافة وأنشطتها أمراً أساسياً في مراحل الدراسة الأولى للطلاب، وإضافتها إلى الأنشطة الثقافية غير المنهجية، واطلاعهم على الموضوعات المتعلقة بها. ونراهن في نجاحنا على التكامل بين قوة المناهج، وأولياء الأمور الداعمين، والمعلمين الماهرين؛ لخلق قطاع ثقافي مزدهر لمستقبل الوطن.
أما على مستوى التعليم في المراحل المتقدمة سنمكّن الطلاب المهتمين من تطوير مهاراتهم والوصول إلى أن يصبحوا هواة، أو إكمال المسيرة للدخول إلى قطاع الثقافة فنانين وممارسين.
• هل ستقتصر الإستراتيجية على حدود التعليم العام والعالي؟
•• بالطبع لا، نسعى في وزارة الثقافة مع شركائنا في منظومة التعليم والتدريب إلى جعل التعليم والتدريب في قطاع الثقافة مدى الحياة، إذ ستقدم الهيئات الثقافية التراخيص اللازمة لتأسيس مؤسسات التدريب التقني والمهني الثقافية، إضافة إلى اعتماد المؤسسات والبرامج، وستؤسس وزارة الثقافة بعض المؤسسات التعليمية للمرحلة ما بعد الثانوية، بعضها تم تأسيسها بالفعل كالمعهد الملكي للفنون. وستدعم الوزارة القطاع الخاص والقطاع الثالث في تقديم فرص تعلّم مدى الحياة خارج منظومة التعليم والتدريب للهواة وعامة المجتمع.
شركاؤنا في منظومة التعليم والتدريب وضعوا أيديهم بأيدينا من خلال 33 مبادرة، ونعمل معاً على تحقيق المستهدفات منها.
• كيف سيتم استقطاب المواهب في سوق العمل؟
• من خلال التوعية وتوفير الاستدامة المهنية، إذ تدعم إستراتيجية تنمية القدرات الثقافية الإستراتيجية الوطنية للثقافة عن طريق تلبية متطلبات الوظائف المستدامة للفنون والثقافة، ودعم سوق العمل في المجالات الثقافية، وتغيير التصورات عن تعلّم المهارات الفنية. وتعمل الوزارة ضمن شراكتها مع وزارة الموارد البشرية والتنمية وصندوق الموارد البشرية على الخروج بحِزم وبرامج تدعم العاملين والمنشآت الثقافية.
• كيف يمكن تغيير بعض التصورات عن المجالات المهنية الثقافية؟
•• الثقافة عامل ضروري ومكون أساسي لتعزيز الهوية الوطنية، وعامل تأثير إيجابي كبير إقليمياً ودولياً، وثقافتنا زاخرة بالكثير من الجمال وكل ما هو مدعاة للفخر؛ لذلك وضعت الإستراتيجية رؤية خاصة بها في التعليم والتدريب، ترتكز على تنمية جيل سعودي من طلاب مبدعين ومبتكرين، مقدّرين للثقافة، ومتصلين ومفتخرين بجذورهم التراثية الثرية، وقادرين على المساهمة في ريادة الوطن اقتصادياً واجتماعياً.
تنمية القدرات الثقافية عبر كل الأجيال ستزيد من المواهب التي ستنتج خير سفراء للإبداع الفنّي والتراث الثقافي الوطني، وستساهم في ريادة المملكة اقتصادياً واجتماعياً.
• تركزون في حديثكم عن الأجيال المستقبلية والتعليم المبكر، ماذا عن المواهب التي تعيش بيننا الآن وأنهت مسيرة التعليم؟
•• أحد الأهداف الإستراتيجية الستة لإستراتيجية تنمية القدرات الثقافية هو «الاستدامة المهنية»، وهذا سرّ قوة الإستراتيجية في تغطية جميع مراحل التعلم في حياة الفرد، إذ وضعت الاستراتيجية 9 مبادرات ضمن مسار التعلم مدى الحياة، كبرامج الحاضنات الثقافية لدعم رواد الأعمال المتخصصين، وبرامج الإقامات الفنية للممارسين وأصحاب العمل الحر، وأنشطة الهواة المتاحة للجميع بالتعاون مع الجهات المعنية بالثقافة والفنون، وبرامج صقل المهارات، والمسابقات المتخصصة بالقطاعات.
• ماذا عن المبدعين الحاليين؟
•• هم رأسمال الثقافة، وستكمل الإستراتيجية ما بدأت به الوزارة وأكثر؛ لتمكينهم من تلبية احتياجات السوق عبر زيادة الدورات المتخصصة وورش العمل المتاحة، وحاضنات الأعمال، وبرامج الإقامة، والإرشاد، والجمعيات المهنية، وبرامج الإعارة، وغيرها الكثير.
• كيف سيتم قياس الأداء في تنفيذ الإستراتيجية؟
•• هناك 25 مؤشر أداء لضمان سير تنفيذ الإستراتيجية على أكمل وجه، فعند حلول عام 2026 نسعى للوصول إلى 770 ألف مشارك في فعاليات تنمية القدرات الثقافية، والوصول إلى 3.8 مليون شخص عبر الحملات الافتراضية والمباشرة، كما نطمح أيضاً إلى رفع التصور الإيجابي تجاه المسارات والهوايات الفنية والثقافية إلى 60%، وسنعمل على تقديم أنشطة لا صفية في 50% من المدارس السعودية، وإلحاق 15 ألف معلم بدورات متخصصة لتنمية قدرات الثقافة والفنون، والوصول إلى 19 برنامجاً ثقافياً وفنياً محسناً في الجامعات السعودية، وتخريج 20 ألف متخصص في الثقافة والفنون من التعليم العالي والتدريب التقني والمهني، وإشراك أكثر من 6000 ممارس في برامج التطوير المهني.
• في الختام.. نتمنى لكم التوفيق في مساعيكم لازدهار القطاعات الثقافية..
•• شكراً لكم.. وأود أن أؤكد أن دورنا يكمن في تعزيز القطاعات الثقافية لبناء مستقبل مزدهر لها، تنطلق فيه من ماضينا العريق، وتفتح للعالم منافذ جديدة للإبداع والتعبير الثقافي من خلال دعم المواهب السعودية التي ستثري البشرية بالكثير من جمال ثقافتنا، وتراثنا الوطني.
وأوضح وزير الثقافة في حوار مع «عكاظ» أن لتنمية القدرات الثقافية أثراً أساسياً يكمن في زيادة فرص العمل؛ نظراً لتوفر مبدعين مؤهلين بالمهارات اللازمة لشغل وظائف القطاعات الثقافية، كما ستُسهم في الناتج المحلي الإجمالي من خلال المنافع المباشرة وغير المباشرة، مشدداً على أهمية الآثار الأخرى سواء على الطالب أو الممارس أو الهاوي أو المجتمع عموماً، ومنها زيادة خيارات التعلم، وتطوير الهوايات، وتعزيز التقدير، والتمتع، وفهم الثقافة والفنون، والتراث المحلي، والوطني، والعالمي المعاصر والتقليدي، وبناء وتعزيز تجانس المجتمع بزيادة المهارات الاجتماعية، وتطوير المهارات الإبداعية، والابتكار، والريادة. فإلى نص الحوار:
• سمو الوزير، إلى ماذا تهدف إستراتيجية تنمية القدرات الثقافية؟
•• دعنا نتفق أولاً أن تنمية القدرات هي العنصر الأساسي والأهم لتنمية وبناء المجتمعات عموماً والثقافة خصوصاً، فلا يمكن لأي حضارة وأمّة أن تزدهر ثقافياً وتمثل بلادها، ووطنها، وحضارتها ثقافياً، وتبدع، وتنتج أنماطاً ثقافية جديدة تخلّد ذكرها للأجيال القادمة دون تنمية الإنسان وقدراته الثقافية، فالإبداع عبر الزمان كان ولا يزال مرتبطاً بالعقل الإنساني وقدرته على صنع وفعل الكثير، وهذا الدور استشعرناه مبكراً في الإستراتيجية الوطنية للثقافة.
ونمتلك في المملكة العربية السعودية كنزاً عظيماً من المبدعين والعقول القادرة على فعل الكثير، وصناعة المستحيل، بإيمان كبير من قبل مولاي خادم الحرمين الشريفين وسمو سيدي ولي العهد اللذين يؤكدان دائماً أن الإنسان السعودي قادر على الوصول إلى عنان السماء، ولنا فيما حققته رؤية السعودية 2030 حتى الآن خير مثال، فهِمّة السعوديين -كما قال سمو سيدي ولي العهد- كجبل طويق.
• هل يمكن للإستراتيجية أن تنعكس على حياة المجتمع عموماً، أم أن الأثر الرئيسي للإستراتيجية سيقتصر فقط على المتخصصين والمهتمين؟
•• ستنعكس الإستراتيجية على جودة حياة الفرد في المجتمع سواء كان متخصصاً ومهتماً أم لا، إذ تهدف إلى رفع جودة الحياة والرفاه للسعوديين والمقيمين على أرضنا، ولخلق مناخ عام يساهم في اكتشاف أكبر قدر ممكن من المبدعين في المجالات الثقافية، وخلق بيئة حاضنة ومحفزة لهم، إضافة إلى التعرّف على أنماط الفنون وتعزيز تقدير المجالات الثقافية المختلفة.
كما ستساهم الإستراتيجية بصورة مباشرة في زيادة فرص العمل عبر تأهيل قدرات متخصصة في مجالات ثقافية متنوعة بالمهارات اللازمة لشغل وظائف مستقبلية تراعي حاجة سوق العمل للمتغيرات تحت مظلة القطاعات التي ترعاها وزارة الثقافة سواء في المسرح والفنون الأدائية، الطهي، الأزياء، الفنون البصرية، الأفلام، فنون العمارة والتصميم، الموسيقى، المتاحف، التراث، المكتبات والأدب والنشر والترجمة، فبتوافر هذه القدرات يحصل النمو في الاقتصاد الإبداعي الجديد، والمساهمة في الناتج المحلي التي نطمح لها.
وأؤكد أن الإبداع، والاحتراف في الصنعة، والاستمتاع بأشكال الثقافة والفنون، لا يقتصر أبداً على فئة معينة من المجتمع، ففرص الممارسة الثقافية تنبع أساساً من تراث المملكة الغني والمتنوع في مختلف المناطق وتعزيزه وتطويره؛ ولذلك تعمل إستراتيجية تنمية القدرات على التوعية لعامة المجتمع، ولإدراج الثقافة والفنون في جميع المدارس وفي التعليم العالي، وإتاحة فرص التعلم على المنصات الإلكترونية مدى الحياة.
بذلك يمتد أثر تنمية القدرات الثقافية من بناء مهارات متعددة التخصصات في الأفراد لتحقيق النجاح الشخصي والمهني، إلى تنمية الوعي المجتمعي العام، والفهم والتقدير تجاه الفنون والثقافة، مما يبني الترابط الاجتماعي بتبادل المعرفة عبر الأجيال، وحتى الوصول إلى وطن ينافس عالمياً في الصناعات الإبداعية لإبراز المواهب المحلية التي نفخر بها.
• إلى أي مدى يمكن الجمع بين متطلبات سوق العمل، والثقافة، بحكم أن الثقافة إنتاج إبداعي لا يخضع بالضرورة لأدبيات السوق؟
•• هذه نقطة مهمة وجوهرية، إذا توفرت طاقات بشرية قادرة على صناعة حراك ثقافي يثري المجتمع سيزيد الطلب، وستخلق سوقاً نشطة لتداول الفنون والإبداع، الأمر الذي سيثري الذائقة والاقتصاد معاً، هي عملية مترابطة ولا تتعارض. نؤمن أن العمل الثقافي قادر على التأثير المباشر وغير المباشر على السوق وخلق فرص اقتصادية جديدة؛ لذلك تهتم الإستراتيجية بزيادة عدد القدرات الفردية في القطاعات الثقافية بما يحقق نمو القطاع الثقافي، والمساهمة في الناتج الاقتصادي المحلي، الذي سيتعاظم بفضل ازدهار القطاعات الثقافية المعنية.
لك أن تتخيل حجم سوق الفنون البصرية في المملكة بعد زيادة عدد المحترفين الموهوبين في هذا القطاع الذين سيلبون رغبات الذائقة الفنية في السعودية. الأمر يتكرر في قطاعات العمارة والتصميم، والمسرح، والموسيقى، والأدب والنشر والترجمة، وفنون الطهي، والأزياء وقِس على ذلك الكثير. وعلى الطرف المقابل، سترتفع بطبيعة الحال المنافع غير المباشرة التي ستخلقها المساهمة الثقافية في الناتج الاقتصادي، الأمر الذي ستساهم فيه الثقافة في تحسين ميزان المدفوعات الوطني بشكل مباشر وغير مباشر.
• كأنكم تتحدثون عن الأثر الاقتصادي سمو الوزير؟
•• رؤية السعودية 2030، تضمنت في ركائزها الإستراتيجية مجتمعاً حيوياً، ووطناً طموحاً، واقتصاداً مزدهراً، والثقافة عموماً أحد العناصر التي تعتمد عليها الرؤية لتحقيق أهدافها.
ونعمل على مساهمة القطاعات الثقافية بما يقارب 3% من الناتج المحلي، فالثقافة مصدر أساسي لإنتاج المحتوى المحلي، كما أنها عامل في تعزيز الاقتصاد الوطني، من خلال توفير فرص وظيفية محلية، وتداولها بشكل أوسع في المجتمع حتى نصل لتحقيق هدفنا في أن تصبح الثقافة نمط حياة، ومُساهِمة في الاقتصاد الوطني، ومُعزِّزة لمكانة المملكة الدولية.
• ماذا عن العلاقة بين الثقافة وبرنامج جودة الحياة؟
•• للوزارة مبادرات عدة مرتبطة ببرنامج جودة الحياة تعنى بتطوير البنية التحتية الثقافية، والفعاليات، والمشاركة المجتمعية، وتطوير وتنمية المواهب الثقافية، وتحسين السياسات والإجراءات الثقافية، هذا عموماً. وللإستراتيجية خصوصاً آثار أخرى على جودة الحياة تتمثل في زيادة خيارات التعلّم، وتطوير الهوايات، وإشراك فئات المجتمع في العديد من المجالات الثقافية، وزيادة المهارات الاجتماعية، والاندماج والمشاركة الاجتماعية، وتطوير المهارات الإبداعية، والابتكار، والروح الريادية.
• إلى ماذا تطمحون بالإستراتيجية؟
•• نطمح إلى اكتشاف القدرات الثقافية مبكراً، وبدء الرحلة معهم نقشاً على الحجر، من خلال محطات الاستكشاف والإعداد، تعزيز الكفاءات المهنية، والتقدير، فتطوير القدرات الثقافية يبدأ من التعليم. سنبحث بين طلبة المدارس -من خلال تعليم الفنون والثقافة داخل الفصول- عن الأثر الإبداعي داخلهم، واكتشاف الموهوبين بالفطرة من خلال الأنشطة غير المنهجية التي ستسلط الضوء على المواهب، وإعدادها، وتحديد الطلبة الموهوبين، لتنتقل الرحلة بعد ذلك إلى احتوائهم في مسارات الفنون والثقافة من خلال الأكاديميات الإبداعية، والخدمات الاستشارية، وعند التخصص سيلقون كل الدعم عبر الابتعاث الثقافي، وفرصاً للحصول على شهادات أكاديمية، وفنية، ومهنية متخصصة في الفنون والثقافة من المؤسسات المحلية والعالمية، وسيتم فتح المجال للتعلّم على رأس العمل.
• ما أبرز ملامح خطة الإستراتيجية في التعليم؟
•• التعليم واحتضان المواهب في المراحل الدراسية المبكرة أقوى وأهم أشكال التنمية الممكن اتباعها، ونستهدف في الإستراتيجية أن تصبح الفنون والثقافة وأنشطتها أمراً أساسياً في مراحل الدراسة الأولى للطلاب، وإضافتها إلى الأنشطة الثقافية غير المنهجية، واطلاعهم على الموضوعات المتعلقة بها. ونراهن في نجاحنا على التكامل بين قوة المناهج، وأولياء الأمور الداعمين، والمعلمين الماهرين؛ لخلق قطاع ثقافي مزدهر لمستقبل الوطن.
أما على مستوى التعليم في المراحل المتقدمة سنمكّن الطلاب المهتمين من تطوير مهاراتهم والوصول إلى أن يصبحوا هواة، أو إكمال المسيرة للدخول إلى قطاع الثقافة فنانين وممارسين.
• هل ستقتصر الإستراتيجية على حدود التعليم العام والعالي؟
•• بالطبع لا، نسعى في وزارة الثقافة مع شركائنا في منظومة التعليم والتدريب إلى جعل التعليم والتدريب في قطاع الثقافة مدى الحياة، إذ ستقدم الهيئات الثقافية التراخيص اللازمة لتأسيس مؤسسات التدريب التقني والمهني الثقافية، إضافة إلى اعتماد المؤسسات والبرامج، وستؤسس وزارة الثقافة بعض المؤسسات التعليمية للمرحلة ما بعد الثانوية، بعضها تم تأسيسها بالفعل كالمعهد الملكي للفنون. وستدعم الوزارة القطاع الخاص والقطاع الثالث في تقديم فرص تعلّم مدى الحياة خارج منظومة التعليم والتدريب للهواة وعامة المجتمع.
شركاؤنا في منظومة التعليم والتدريب وضعوا أيديهم بأيدينا من خلال 33 مبادرة، ونعمل معاً على تحقيق المستهدفات منها.
• كيف سيتم استقطاب المواهب في سوق العمل؟
• من خلال التوعية وتوفير الاستدامة المهنية، إذ تدعم إستراتيجية تنمية القدرات الثقافية الإستراتيجية الوطنية للثقافة عن طريق تلبية متطلبات الوظائف المستدامة للفنون والثقافة، ودعم سوق العمل في المجالات الثقافية، وتغيير التصورات عن تعلّم المهارات الفنية. وتعمل الوزارة ضمن شراكتها مع وزارة الموارد البشرية والتنمية وصندوق الموارد البشرية على الخروج بحِزم وبرامج تدعم العاملين والمنشآت الثقافية.
• كيف يمكن تغيير بعض التصورات عن المجالات المهنية الثقافية؟
•• الثقافة عامل ضروري ومكون أساسي لتعزيز الهوية الوطنية، وعامل تأثير إيجابي كبير إقليمياً ودولياً، وثقافتنا زاخرة بالكثير من الجمال وكل ما هو مدعاة للفخر؛ لذلك وضعت الإستراتيجية رؤية خاصة بها في التعليم والتدريب، ترتكز على تنمية جيل سعودي من طلاب مبدعين ومبتكرين، مقدّرين للثقافة، ومتصلين ومفتخرين بجذورهم التراثية الثرية، وقادرين على المساهمة في ريادة الوطن اقتصادياً واجتماعياً.
تنمية القدرات الثقافية عبر كل الأجيال ستزيد من المواهب التي ستنتج خير سفراء للإبداع الفنّي والتراث الثقافي الوطني، وستساهم في ريادة المملكة اقتصادياً واجتماعياً.
• تركزون في حديثكم عن الأجيال المستقبلية والتعليم المبكر، ماذا عن المواهب التي تعيش بيننا الآن وأنهت مسيرة التعليم؟
•• أحد الأهداف الإستراتيجية الستة لإستراتيجية تنمية القدرات الثقافية هو «الاستدامة المهنية»، وهذا سرّ قوة الإستراتيجية في تغطية جميع مراحل التعلم في حياة الفرد، إذ وضعت الاستراتيجية 9 مبادرات ضمن مسار التعلم مدى الحياة، كبرامج الحاضنات الثقافية لدعم رواد الأعمال المتخصصين، وبرامج الإقامات الفنية للممارسين وأصحاب العمل الحر، وأنشطة الهواة المتاحة للجميع بالتعاون مع الجهات المعنية بالثقافة والفنون، وبرامج صقل المهارات، والمسابقات المتخصصة بالقطاعات.
• ماذا عن المبدعين الحاليين؟
•• هم رأسمال الثقافة، وستكمل الإستراتيجية ما بدأت به الوزارة وأكثر؛ لتمكينهم من تلبية احتياجات السوق عبر زيادة الدورات المتخصصة وورش العمل المتاحة، وحاضنات الأعمال، وبرامج الإقامة، والإرشاد، والجمعيات المهنية، وبرامج الإعارة، وغيرها الكثير.
• كيف سيتم قياس الأداء في تنفيذ الإستراتيجية؟
•• هناك 25 مؤشر أداء لضمان سير تنفيذ الإستراتيجية على أكمل وجه، فعند حلول عام 2026 نسعى للوصول إلى 770 ألف مشارك في فعاليات تنمية القدرات الثقافية، والوصول إلى 3.8 مليون شخص عبر الحملات الافتراضية والمباشرة، كما نطمح أيضاً إلى رفع التصور الإيجابي تجاه المسارات والهوايات الفنية والثقافية إلى 60%، وسنعمل على تقديم أنشطة لا صفية في 50% من المدارس السعودية، وإلحاق 15 ألف معلم بدورات متخصصة لتنمية قدرات الثقافة والفنون، والوصول إلى 19 برنامجاً ثقافياً وفنياً محسناً في الجامعات السعودية، وتخريج 20 ألف متخصص في الثقافة والفنون من التعليم العالي والتدريب التقني والمهني، وإشراك أكثر من 6000 ممارس في برامج التطوير المهني.
• في الختام.. نتمنى لكم التوفيق في مساعيكم لازدهار القطاعات الثقافية..
•• شكراً لكم.. وأود أن أؤكد أن دورنا يكمن في تعزيز القطاعات الثقافية لبناء مستقبل مزدهر لها، تنطلق فيه من ماضينا العريق، وتفتح للعالم منافذ جديدة للإبداع والتعبير الثقافي من خلال دعم المواهب السعودية التي ستثري البشرية بالكثير من جمال ثقافتنا، وتراثنا الوطني.