كتاب ومقالات

زراعة الورقيات بمياه الصرف

عقل العقل

هناك بعض الأخبار لا تصدق ويمكن تخيلها في مجتمع متطور يفترض أن تكون فيه جهات رسمية من بلدية وبيئية وزراعية ترعى حقوق وصحة مواطني هذا المجتمع، الميزانيات الضخمة لتلك الجهات وغيرها التي لها علاقة بهذا الموضوع يبدو أنها تصرف في قنوات أقل أهمية باعتقادي، فصحة المواطن تأتي بالأساس مما يستهلكه ويشتريه من الأسواق التجارية التي يفترض أن تكون وزارة التجارة وأمانات المدن تحت مطرقتها الرقابية كما تطالعنا في أعداد جولاتها الرقابية لضبط الجودة والأسعار، ولكن أن نقرأ أنه في الأسبوع الماضي تمت مداهمة وإزالة عدد من المزارع بمساحة 8 آلاف متر مربع في جنوب مكة المكرمة ثبت للجهات الرقابية والأمنية أنها تستخدم مياه الصرف الصحي في محاصيلها الورقية المتنوعة التي تتواجد على موائدنا بشكل يومي.

هل مثل هذه الأخبار صدمة؟ نعم -وبلا شك- أنها صدمة نفسية كبيرة، فكنا نعتقد أن مثل هذه الشائعات تظل تدور في مخيلة البعض منا وليس في الواقع لها وجود، الحالة النفسية الآن كيف تقدم على شراء هذه الورقيات التي تشع نضارة وتدفع المستهلكين لشرائها اعتقاداً بجودتها العالية، وفي النهاية نكتشف أنها نتائج عملية قد تجلب الكثير لجسم الإنسان من الأمراض الخطيرة جداً وترفع من نسب الإصابة بالأمراض السرطانية، لا يمكن تصور أن أسواق الخضار في مدننا الرئيسة لا يوجد فيها أجهزة متطورة تستطيع الكشف وبسرعة عن جودة ومصدر زراعة تلك المنتجات، البعض من تجار الورقيات يدعون أن لديهم الخبرة لمعرفة الغش في زراعة وسقي تلك الورقيات، ولكن لا يجب أن تترك صحة وحياة الناس بيد هؤلاء التجار، الأمانات تقوم بجولات روتينية على تلك الأسواق ولكن يبدو أنها قليلة الفائدة، فمشكلة استخدام مياه الصرف الصحي بزراعة الورقيات قديمة ومتكررة وتعرضت لها وسائل الإعلام منذ سنوات وكانت أغلبية تلك المزارع في شرق مدينة جدة وشكلت لجان وأصدر تعليمات ودونت مطالبات لحماية المجتمع من هذه السلوكيات الخطرة إلا أنها تعود كل مرة وكأننا نرى المشهد ثانية للأسف.

كم من هذه المزارع التي تستخدم مياه الصرف الصحي القاتل للإنسان في مدننا أو حولها وجلبها للأسواق الرئيسية دون أية رقابة جادة مستخدمة تقنية متطورة لكشف هذا التلاعب الخطير بحياة وصحة الناس، وهذا باعتقادي من أكثر أنواع الفساد فتكاً في البلد يجب أن تتصدى له كل الأجهزة الرقابية ذات الصلاحية المطلقة، ويكون هناك رقابة استباقية على مصادر زراعة هذه الخضار السامة. هل هناك صعوبة في إيجاد مختبرات تكشف على هذه الورقيات والفواكه للأسواق ومدى صلاحيتها للاستهلاك الآدمي ومعرفة مصدر المياه في زراعتها ونسبة المبيدات المستخدمة في رشها لتجعلها أكثر نضارة للمستهلك المسكين؟

هناك مشاريع لمعالجة مياه الصرف الصحي من قبل وزارة الزراعة والبيئة تستخدم في مثل هذه الزراعة تحت إشراف الجهات ذات العلاقة ولكن يبدو أن الجشع والربح السريع هو ما يدفع البعض وخاصة العمالة الوافدة غير النظامية للعمل في هذه الزراعة المدمرة، ولا يوجد لدي شك أن الأجهزة الأمنية تقوم بدورها ولكن المسألة الرقابية هي لجهات أخرى مثل البلدية والصحة والتجارة التي يجب عليها أن تنفض الغبار عن مركباتها وتدعم موظفيها في الجانب الرقابي للعمل بجد وعزيمة لوقف مثل هذا العبث بصحة وجسد الإنسان.