كتاب ومقالات

الصلات التاريخية للعلاقات السعودية الصينية

د. فيصل بن سالم الشدقاء

إن المتتبع لتاريخ وحضارات الشعوب يتضح له مدى الترابط الإنساني بين شعوب الجزيرة العربية والشعب الصيني، حيث يرجع التواصل بين الشعبين إلى القرن الأول قبل الميلاد عند وصول سفن البحارة العرب والتجار إلى بلاد جنوب الصين، حيث عرف العرب المنتوجات الصينية التي ازدهرت خارج أراضي الصين؛ ومنها الأواني الخزفية ذات الأشكال الحديثة على المجتمعات العربية في تلك العصور، وذات التصاميم الفريدة والمميزة، وكذلك من المنتوجات المتبادلة بين الجانبين البخور والصمغ والنسيج.

ويلاحظ القارئ في التاريخ أن البحارة العرب كان لهم دور وسيادة على طرق التجارة البحرية والتجارة في بحر العرب، خاصة بين سواحل شرق أفريقيا وجنوب الجزيرة العربية والخليج العربي من جهة، وكذلك بين السواحل الغربية للهند من جهة أخرى.

وقد وصل البحارة الصينيون إلى سواحل وشواطئ البحر الأحمر، ومن أشهر الرحلات التي وصلت إليه الرحلة التي قام بها البحارة الصيني المسلم (زنج هي) وذلك خلال الفترة من 1405م، أي تقريباً خلال فترة حكم أسرة منج، ووصل إلى سواحل البحر الأحمر وزار مكة المكرمة.

وقد كان لتلك الرحلات البحرية دور في تبادل الحضارة والثقافة العربية والإسلامية بين الشعوب العربية والصينية، وبذلك كان هذا الدور مؤثراً لانتشار الإسلام منذ القرن السادس الميلادي في أرجاء الصين.

وفي العصر الحديث تطورت العلاقات العربية الصينية، وعلى رأسها العلاقات السعودية الصينية على أوسع نطاق، واستمر تبادل السلع والتجارة بين الجانبين السعودي والصيني، ومن ثم تم التطور في العلاقات الدبلوماسية حتى تم تبادل التمثيل الدبلوماسي عام 1990م، وأعطى ذلك دفعة قوية للعلاقات الثنائية مما كان له دور في اتساع مجالات الاقتصاد بين البلدين.

والمطلع لتطور العلاقات السعودية الصينية يجد أن المملكة العربية السعودية اتبعت سياسة الانفتاح السياسي والاقتصادي الواسع مع الصين. وكان للزيارات الملكية التي قام بها ملوك المملكة العربية السعودية دور في الانفتاح، حيث زار خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله- جمهورية الصين الشعبية في أكتوبر عام 1998م، وقد التقى سموه -حينئذ- بفخامة الرئيس الصيني (جيانج زمين)، وكذلك فخامة رئيس الوزراء الصيني. وفي العام الذي يليه نوفمبر 1999م قام فخامة الرئيس الصيني بزيارة رسمية إلى المملكة، كما زار سمو ولي العهد الأمير سلطان بن عبدالعزيز -رحمه الله- الصين في أكتوبر من عام 2000م وأجرى محادثات سياسية واستراتيجية مع القادة الصينيين.

وفي السبع السنوات الأخيرة تنامت العلاقات الثنائية بوتيرة أسرع ولآفاق أوسع وزيارات متبادلة على أعلى المستويات، حيث زار الرئيس الصيني شي جين بينج السعودية عام 2016، وزار الملك سلمان بن عبدالعزيز الصين عام 2017، وزيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لبكين في عام 2019.

وكان قادة البلدين حريصين على إقامة علاقات استراتيجية شاملة، لما فيه مصلحة البلدين. وتقوم تلك العلاقات على الشراكة بين الجانبين السعودي والصيني على أبعاد ثقافية وحضارية، خاصة في المجال التعليمي حيث فتحت المملكة العربية السعودية المجال للطلبة السعوديين لتلقي دراساتهم الجامعية والعليا في الجامعات الصينية.

وفي مجال الطاقة فقد كان للبلدين وجهات نظر متوافقة للعمل في مجال الطاقة، حيث تعتبر الرياض أكبر شريك للصين، إذ إنها المصدر الأول للنفط، والشريك الاستراتيجي في هذا المجال.

وجاءت زيارة الرئيس الصيني -أخيراً- للمملكة العربية السعودية ولقاء خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، أيده الله، وعقد القمة السعودية الصينية برئاسة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، حفظه الله، وكذلك عقد القمتين الخليجية-الصينية، والعربية-الصينية في العاصمة الرياض لتؤكد على الثقل السياسي والاقتصادي للمملكة العربية السعودية والثقة التي تتبوأها على المستوى العالمي كأحد أهم وأكبر اقتصادات دول العشرين، كما أن هذه القمم تعكس الرؤى الإستراتيجية المشتركة، كما تؤسس هذه القمم لعلاقات استراتيجية مستقبلية بين المملكة العربية السعودية وجمهورية الصين الشعبية.

fbsalshadqaa@