كتاب ومقالات

حتى على التقاعد لا يخلو من الحسد !

محمد الساعد

حادثتان مهمتان خلال أقل من عام تعطي ملمحاً لما وصل إليه تفكير البعض عند مناقشة قضية الإحلال الإداري بين جيلين، والمقصود هنا: إحلال الشباب والشابات السعوديين في الوظائف العامة والخاصة، التي توسعت بشكل كبير في السنوات الماضية.

في هذه القضية هناك رأيان؛ أحدهما يقول: إن الاحلال السريع دون تدرج قد يخلق فراغاً إدارياً وأخطاء صعبة، وآخر يؤكد أن إبقاء الموظفين القدامى بجانب الشباب الجدد سيسمح بدمج الأفكار ويساهم في «المناولة الإدارية»، وهي نقل المعرفة من جيل إداري إلى جيل جديد، كما أنها ستمنح الشباب والشابات المهارات اللازمة لإدارة الأزمات وعند مواجهة التحديات، ملاحظة لا بد من ذكرها، مجلس الوزراء السعودي ومجلس الشؤون الاقتصادية، وهي من أكبر مراكز القيادة في البلاد تعطي نموذجاً للدمج بين الأجيال والخبرات المتعددة والشابة، وأداء المجالس وقرارتها وإنجازاتها كبيرة جدّاً.

ما يحصل من إحلال بين الأجيال ليس فريداً في عالمنا السعودي، فعند حصول حراك اقتصادي واجتماعي وإداري وإعادة هيكلة لمفاصل القطاعات العامة والخاصة حول العالم ينتج عنها احتكاك خشن أحياناً، وناعم أحياناً أخرى، إلا أن هذا لا يدعو لإخراج هذا الاحتكاك من أسوار الإدارات والوزارات والشركات للشوارع والأسواق والمقاهي، فهنا يتلاشى التراتب الإداري، ويصبح الجميع متساوين، فلا الشاب، ولا متوسطي العمر، ولا حتى كبار السن لأحدهم أفضلية على الآخرين إلا بما يفرضه القانون، والعرف، ومكارم الأخلاق.

وأيضاً لا يعطي لأي أحدٍ الحق في التنمر على الأجيال السابقة وتحدي سلوكهم والهجوم على خياراتهم، والسابق هنا لا تعني الرجعية أو تقادم الأفكار، لكنها صفة تلازم كل من ترجل عن العمل أو ترك تجارته أو قرر الاعتزال، موظفاً أو رجل أعمال أو حتى لاعب كرة لم يبلغ الأربعين.

نعود للمسكوت عنه في العلاقة بين جيلين هما الأغلبية اليوم في مجتمعنا السعودي، جيل أكبر من الأربعين عاماً وجيل أصغر من ذلك.

الأول يظن أنه ضحية القوانين والأسلوب الإداري البطيء الذي كان سائداً لعقود وانعكس بالتالي على إنجازاته وطبيعة حياته، وخاصة أنه كان ينفذ القوانين والقرارات والتعاميم دون أن يكون صاحب صلاحية في التغيير.

وجيل جديد قدره أنه بدأ حياته العملية في ظل رؤية اجتماعية واقتصادية وإدارية منحته جودة حياة، تدعم الطموح وتنفذ التزاماتها، وإلا لكان ذلك الموظف أو تلك الموظفة مثل سابقيهم، إذن فالفضل هنا للقيادة وليس لهم.

لعلنا نتذكر كيف أن متحدثاً باسم التأمينات الاجتماعية لم يوفق قبل عام تقريباً عندما أراد شرح مسؤولية «التأمينات» في تلبية حقوق الموظفين، معللاً ذلك بأن الموظفين لا يموتون مبكراً، ما أثار الكثير من الجدل، كان سوء تقدير بلا شك منه، لكنه سياق تفكير يلازم البعض للأسف.

اليوم تعود نفس نغمة التململ من الأجيال السابقة بعد خروج مقطع مرئي لسيدة تدعي أنها إعلامية وكاتبة، وهي ممن لا يُعرفون ولا يُتذكر لهم محتوى، أو لعلها ممن يسقطون بالبرشوت على الإعلام دون أن يكون لهم تأثير إيجابي.

المهم في المقطع المذكور انتقادها الشديد للمتقاعدين وكبار السن، إذ لاحظت أنهم يرتادون المقاهي التي ترتادها، ويقضون جزءاً من يومهم بأموالهم في أماكن عامة ومكشوفة.

دعونا نتذكر، من هم المتقاعدون الذين أشارت إليهم..؟

هم خليط من متوسطي العمر وكبار السن من عسكريين ومدنيين، وتجار وموظفي شركات ولاعبين.. إلخ، إعادة الهيكلة الاجتماعية والوظيفية دفعت بالكثير منهم طوعاً أو جبراً للتنحي عن الوظيفة، ولكن ليس عن الحياة، فالأسواق والحدائق والمقاهي والطرق وأماكن التنزه والبر وسباقات الخيل ومباريات كرة القدم، مشاعة وليست لفئة دون أخرى.

محاولة نبذ كبار السن هي عقوق اجتماعي، والأولى أن يوقروا ويحترموا، فهم ليسوا عالة على المجتمع، ولا يحق لأحد محاسبتهم على سلوكهم، ولا كيف يقضون أوقات راحتهم، ما داموا لم يخالفوا قانوناً ولا عرفاً اجتماعياً، لقد خرجوا من الأعمال والوظائف طوعاً، وهناك من يحاول دفعهم من رصيف الحياة الصامتة إلى هاوية الإهمال السحيقة.