شُهرة بلعتها الحُفرة
الخميس / 27 / جمادى الآخرة / 1444 هـ الجمعة 20 يناير 2023 00:09
علي بن محمد الرباعي
اعتزى (بن رهيط) بالجماعة، وهم في ظُلة المسيد، لرفع جباهة المصراع، مُقسِماً أن البنّايه قهروا، وما عاد لهم حيله، فقال العريفة أطلبوا الله، يد مع يد تنفع، وجاه مع جاه يشفع، والله ما ينفع ولا يشفع جعله يقلع، فردّوا بصوت واحد (آمين).
انخرطوا من ثُغرة في الظلة، ورا بعضهم، محزمي رؤسهم بعمايمهم، ومتحفشين أكمام الثياب إلى الذرعان، ودنقوا، وشلّوا بالغنا (النبي ودينه، صاحب المدينة، من ذكر محمد، فن الله يعينه) وتعتوروا عتوارة القاحي، وما أفلحوا، قلبوا الجُباهة، على بطنها، ردوها على ظهرها، أبت تنزاع، وكأنّ من لاطاها بالصعيد.
قال الملقّف سعيد؛ لشيخ البناية: خلّهم يدعون النسوان، وتشوف كيف يشتقلونها، اشتقالة العدفة من فوق الماي، سمع العريفة ما قال، فصاح في بنات الحمايل؛ وينكنّ يا شلخ الكادي، فتقاطرن بالدففة، والغطاريف، مرددات (أربعة شالوا جمل، والجمل ما شلّهم)، فتسرب الحماس في دماء المطاليق، فاحتملوها، ورفعوها بأكتافهم كأنهم يحملون ريشاً، وساواها البنا في موضعها، وقّفها على حدها، ولحج عليها من يمين وشمال وتحت، ثم قال؛ ترى المطر فيكم، ولا معكم تطيّنون إلا في يوم مصحي.
استيقظت القرية صباح الجمعة، والمهام موزعة، فالنساء يجلبن الماء بالقِرب، على ظهورهن، وعلى الحمير، وفرقة تسرح، وفرقة تنتسم؛ والشباب يجمعون العرفج والجريد، وأخفهم وزناً؛ يداخلها بين السواري، والشاعر والفقيه ينقلون التراب في حفوص، والمؤذن والتاجر يعجنون الطين، والنجار يدهن الباب بالقطران، حتى لا تأكله (الرِبْيَه) والعريفة، يناول الزنابيل للمحضّر فوق السلم، وكل ما طلبه زنبيلاً، وقال؛ هات الطين؛ يرد عليه العريفة المُهذب؛ أبشر بالماء.
أكملوا طينة البيت، مع الظهر، وبعد صلاة الجمعة، أخرج (بن رهيط) الثور، وقال؛ عشاكم، وعشاء من وافاكم، وطلب من ابنه يعزم الشُّعار؛ ضيوف القرية؛ من دور؛ تعشوا؛ واللي عليهم بالخير، ودقوا اللعب، والحريم داير ما دار يتفرجن، وشُهره بنت كبيرهم محط أنظار الجميع؛ فبدع القحطاني (ناس يديرون حكم الله وناس يدارون، واللي يحب الرضا مجبور يرفد رضانا)؛ وردّ بو جعيدي (سلام يا اللي على الشيمات دايم يدارون، ويكرم الضيف من لحم ومن فدر ضانا)، وبدع الزرقوي؛ (الزرقواني قال أنا أخي لو زمخ بي، يطلبني القسمة وقلت المال وقفي، أبديت سدّي والخلايق شعشعوا به)، فجاء الرد (قال المغني شقتني يا لوز مخبي، وأنا باخيّل وباقفي، حسبي عليك الله يا ناشع شعوبه)، فامتعض العريفة، وحس أن القصايد كلها في ابنته (شُهرة) الفائقة الجمال، شقراء الشعر، زرقاء العين، ذات الوجه اللي مثل البدر ليلة خمسطعش، فقال؛ الله أكبر لا إله إلا الله، وانهد اللعب.
بات العريفة مبات العنا، وتذكّر أنه؛ عدّى عليهم، نهار الطينة؛ (خطّار) عيونه كما الشّهُب، وما يُذكر بخير؛ ولاحظه العريفة يتمقل سيقانه، والعريفة محتزم بالجنبية، ومغرز أسفل ثوبه في الحزام، يناول ويردد (أشهد أن الجميلة حظنا الوافي، لو نصوك القبايل قول يا كافي) فأعطاه، ولا أخطاه، فدخل في نوبة مرض، وبدأ يوصي، وقال للفقيه؛ أظن، هذا الشر بيغدي بي، يا فقيه، وترى مرتي (أم شهرة) وبنتي؛ من ذمتي إلى ذمتك، فقال لا تشيل همهم، وأنت ما عندك إلا العافية، شاوى العريفة، وتقاطر الخُطاب على بيته، وكلما خطب رجال انصك النصيب، فقال المؤذن هذا وجهي، ما تعطيها إلا واحد رخمة، فعلّق؛ تحريها يا ديكان استلكوا آذنيك من جنب صفحك.
سرحت شُهرة وأمها، يوم الخميس، لغسيل الملابس، في الكظامة، تركت الأم في الأسفل حول المصب، وصعدت للمنبع، وأخذت، تقترب من حفرة عميقة، ماؤها صافٍ؛ تتمارى في الماء، وتفرد شعرها الغزير، وتصبحه بالماء، أعجبها وجهها، فكررتها ثلاث مرات، وكل مرة ترى وجهها وشكلها أجمل، وبدأت تغني (الناس مستعجلة وأنا على مهلي، صكو نصيبي وأنا مدري علام أهلي)، فقالت أمها سمي بالرحمن، فتصينقت، وعادت لتتمارى، وإذا بها تُزلق، وكأن يد تسحبها، استغاثت، ففزعت أمها، ولكنها ما تشوف وتسمع إلا بقبقة الماء، فطقت بالصيح، وفي لحظات تفازع القريبين منها، وانقلبت القرية، وجابوا كلاليب، وحبال، ونزل خبير الغطس ثلاث مرات، يغيب دقايق ويطلع، مؤكد أنه لم يجد للبنت أثراً، فقالوا؛ نتحرى يمكن ساعة، وتطفشل على وجه الغدير، مر اليوم بطوله، والعريفة؛ منسدح تحت السدرة، كلما غِشي، رشوه بالماء، فيردد (يا شُهرتي شهرتاه) وغابت الشمس، وظلوا طول الليل يجوبون الوادي بالأتاريك والفوانيس، يترقبون تظهر، أو بعض ملابسها.
شهر كامل والقرية شغلها الشاغل (شُهرة) والجميع حزانى، وما أحد منهم ينظر في وجه الثاني، مخافة انهمارهم في البكاء، وجماعة سارحين، وجماعة رايحين، والعريفة يبدي من سطح البيت، يتبشر، وغاية ما يطمح له، أن يظهر جسدها، ويدفن جثمانها، ويتقبل العزاء.
سلّم العريفة أمره لله، واسترجع، وطلب من الجماعة، يستريحون من المسراح والمراح، وبعد خمسة أشهر؛ أقسم سائق الشاحنة أنه شاف شُهرة في سوق محايل؛ باسطة بغراز وحناء، فقال العريفة، انت تقربع من براريدك وعيونك تزغلل، وتتشابك، شهرة يا السامط بلعتها الحُفرة.
انخرطوا من ثُغرة في الظلة، ورا بعضهم، محزمي رؤسهم بعمايمهم، ومتحفشين أكمام الثياب إلى الذرعان، ودنقوا، وشلّوا بالغنا (النبي ودينه، صاحب المدينة، من ذكر محمد، فن الله يعينه) وتعتوروا عتوارة القاحي، وما أفلحوا، قلبوا الجُباهة، على بطنها، ردوها على ظهرها، أبت تنزاع، وكأنّ من لاطاها بالصعيد.
قال الملقّف سعيد؛ لشيخ البناية: خلّهم يدعون النسوان، وتشوف كيف يشتقلونها، اشتقالة العدفة من فوق الماي، سمع العريفة ما قال، فصاح في بنات الحمايل؛ وينكنّ يا شلخ الكادي، فتقاطرن بالدففة، والغطاريف، مرددات (أربعة شالوا جمل، والجمل ما شلّهم)، فتسرب الحماس في دماء المطاليق، فاحتملوها، ورفعوها بأكتافهم كأنهم يحملون ريشاً، وساواها البنا في موضعها، وقّفها على حدها، ولحج عليها من يمين وشمال وتحت، ثم قال؛ ترى المطر فيكم، ولا معكم تطيّنون إلا في يوم مصحي.
استيقظت القرية صباح الجمعة، والمهام موزعة، فالنساء يجلبن الماء بالقِرب، على ظهورهن، وعلى الحمير، وفرقة تسرح، وفرقة تنتسم؛ والشباب يجمعون العرفج والجريد، وأخفهم وزناً؛ يداخلها بين السواري، والشاعر والفقيه ينقلون التراب في حفوص، والمؤذن والتاجر يعجنون الطين، والنجار يدهن الباب بالقطران، حتى لا تأكله (الرِبْيَه) والعريفة، يناول الزنابيل للمحضّر فوق السلم، وكل ما طلبه زنبيلاً، وقال؛ هات الطين؛ يرد عليه العريفة المُهذب؛ أبشر بالماء.
أكملوا طينة البيت، مع الظهر، وبعد صلاة الجمعة، أخرج (بن رهيط) الثور، وقال؛ عشاكم، وعشاء من وافاكم، وطلب من ابنه يعزم الشُّعار؛ ضيوف القرية؛ من دور؛ تعشوا؛ واللي عليهم بالخير، ودقوا اللعب، والحريم داير ما دار يتفرجن، وشُهره بنت كبيرهم محط أنظار الجميع؛ فبدع القحطاني (ناس يديرون حكم الله وناس يدارون، واللي يحب الرضا مجبور يرفد رضانا)؛ وردّ بو جعيدي (سلام يا اللي على الشيمات دايم يدارون، ويكرم الضيف من لحم ومن فدر ضانا)، وبدع الزرقوي؛ (الزرقواني قال أنا أخي لو زمخ بي، يطلبني القسمة وقلت المال وقفي، أبديت سدّي والخلايق شعشعوا به)، فجاء الرد (قال المغني شقتني يا لوز مخبي، وأنا باخيّل وباقفي، حسبي عليك الله يا ناشع شعوبه)، فامتعض العريفة، وحس أن القصايد كلها في ابنته (شُهرة) الفائقة الجمال، شقراء الشعر، زرقاء العين، ذات الوجه اللي مثل البدر ليلة خمسطعش، فقال؛ الله أكبر لا إله إلا الله، وانهد اللعب.
بات العريفة مبات العنا، وتذكّر أنه؛ عدّى عليهم، نهار الطينة؛ (خطّار) عيونه كما الشّهُب، وما يُذكر بخير؛ ولاحظه العريفة يتمقل سيقانه، والعريفة محتزم بالجنبية، ومغرز أسفل ثوبه في الحزام، يناول ويردد (أشهد أن الجميلة حظنا الوافي، لو نصوك القبايل قول يا كافي) فأعطاه، ولا أخطاه، فدخل في نوبة مرض، وبدأ يوصي، وقال للفقيه؛ أظن، هذا الشر بيغدي بي، يا فقيه، وترى مرتي (أم شهرة) وبنتي؛ من ذمتي إلى ذمتك، فقال لا تشيل همهم، وأنت ما عندك إلا العافية، شاوى العريفة، وتقاطر الخُطاب على بيته، وكلما خطب رجال انصك النصيب، فقال المؤذن هذا وجهي، ما تعطيها إلا واحد رخمة، فعلّق؛ تحريها يا ديكان استلكوا آذنيك من جنب صفحك.
سرحت شُهرة وأمها، يوم الخميس، لغسيل الملابس، في الكظامة، تركت الأم في الأسفل حول المصب، وصعدت للمنبع، وأخذت، تقترب من حفرة عميقة، ماؤها صافٍ؛ تتمارى في الماء، وتفرد شعرها الغزير، وتصبحه بالماء، أعجبها وجهها، فكررتها ثلاث مرات، وكل مرة ترى وجهها وشكلها أجمل، وبدأت تغني (الناس مستعجلة وأنا على مهلي، صكو نصيبي وأنا مدري علام أهلي)، فقالت أمها سمي بالرحمن، فتصينقت، وعادت لتتمارى، وإذا بها تُزلق، وكأن يد تسحبها، استغاثت، ففزعت أمها، ولكنها ما تشوف وتسمع إلا بقبقة الماء، فطقت بالصيح، وفي لحظات تفازع القريبين منها، وانقلبت القرية، وجابوا كلاليب، وحبال، ونزل خبير الغطس ثلاث مرات، يغيب دقايق ويطلع، مؤكد أنه لم يجد للبنت أثراً، فقالوا؛ نتحرى يمكن ساعة، وتطفشل على وجه الغدير، مر اليوم بطوله، والعريفة؛ منسدح تحت السدرة، كلما غِشي، رشوه بالماء، فيردد (يا شُهرتي شهرتاه) وغابت الشمس، وظلوا طول الليل يجوبون الوادي بالأتاريك والفوانيس، يترقبون تظهر، أو بعض ملابسها.
شهر كامل والقرية شغلها الشاغل (شُهرة) والجميع حزانى، وما أحد منهم ينظر في وجه الثاني، مخافة انهمارهم في البكاء، وجماعة سارحين، وجماعة رايحين، والعريفة يبدي من سطح البيت، يتبشر، وغاية ما يطمح له، أن يظهر جسدها، ويدفن جثمانها، ويتقبل العزاء.
سلّم العريفة أمره لله، واسترجع، وطلب من الجماعة، يستريحون من المسراح والمراح، وبعد خمسة أشهر؛ أقسم سائق الشاحنة أنه شاف شُهرة في سوق محايل؛ باسطة بغراز وحناء، فقال العريفة، انت تقربع من براريدك وعيونك تزغلل، وتتشابك، شهرة يا السامط بلعتها الحُفرة.