فيصل بن سلطان القاسمي.. أول رئيس أركان لقوات الإمارات
الاثنين / 08 / رجب / 1444 هـ الاثنين 30 يناير 2023 06:16
بقلم: د. عبدالله المدني abu_taymour@
من الشخصيات الإماراتية التي عاصرت أوضاع إمارات الساحل المتصالح السبع قبل استقلالها، وكانت شاهدة على إرهاصات قيام دولة الإمارات العربية المتحدة، ولعبت دوراً مهماً في توحيد وبناء قواتها المسلحة، وكانت موضع ثقة القائد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله وأنجاله الكرام؛ اللواء الركن متقاعد الشيخ فيصل بن سلطان القاسمي.
وعلى الرغم من أن الشيخ فيصل ابتعد منذ سنوات طويلة عن الأضواء، بعد أن تقاعد من عمله العسكري، وانخرط في عالم الأعمال التجارية والعقارية والمصرفية، إلا أن اسمه ظل محفوراً في تاريخ بلاده كونه أول من تولى منصب وكيل وزارة الدفاع، وأول مواطن يتولى رئاسة أركان القوات المسلحة الاتحادية، ناهيك عن خدماته الكثيرة لوطنه إبان توليه مناصب أخرى رفيعة.
ولد الشيخ فيصل سنة 1940 بإمارة رأس الخيمة، في عهد والده الشيخ سلطان بن سالم بن سلطان بن صقر القاسمي (ت: 1988)، الذي تولى حكم الإمارة من 1919 إلى عام 1948، وهو العام الذي تنازل فيه عن الحكم لابن أخيه الشيخ صقر بن محمد القاسمي (ت: 2010)، وكان جده الشيخ سالم بن سلطان القاسمي (ت: 1919)، قد حكم رأس الخيمة لمدة سنة من عام 1868 إلى 1869، وحكم إمارة الشارقة من أبريل 1868 إلى مارس 1883.
نشأ في كنف والده، وترعرع بين إخوته التسعة، حيث كان ترتيبه الثاني بعد أخيه الشيخ فاهم بن سلطان القاسمي (الأمين العام الأسبق لمجلس التعاون الخليجي). استهل مسيرته التعليمية بالدراسة في أحد كتاتيب رأس الخيمة التقليدية، قبل أن يواصل تعليمه بالمدرسة الأحمدية في دبي والمدرسة القاسمية في الشارقة على التوالي.
كشافة ساحل عمان
وفي عام 1954، وهو في سن الرابعة عشرة، التحق بـ«كشافة ساحل عمان»، لتبدأ مذاك مسيرته العسكرية الطويلة التي شهدت ابتعاثه إلى أكثر من كلية عسكرية، وتلقيه العديد من الدورات وحصوله على الترقيات المتتالية وشغله وظائف ومسؤوليات متنوعة.
والمعروف أن «كشافة ساحل عمان» قوة أسستها سلطات الحماية البريطانية في مايو 1951، وتغير اسمها أكثر من مرة. وكان الغرض من تأسيسها هو أن تقوم بممارسة العملين الدفاعي والأمني. وراح هذا الجهاز يتطور ببطء لجهة العديد والعتاد والمهمات على مدى عقدي الخمسينات والستينات من القرن العشرين، وفي عام 1971 سلمت بريطانيا إدارتها إلى الدولة الفتية، فعملت كنواة لتأسيس قواتها المسلحة، التي تكونت آنذاك من قوة دفاع أبوظبي وقوة دفاع دبي والقوة المتحركة لرأس الخيمة والحرس الوطني لإمارة الشارقة والحرس الوطني لإمارة أم القيوين وغيرها.
وقت تأسيس هذه القوة، وكجزء من السياسات البريطانية لتطويرها وتأهيل كوادرها العسكرية، تمّ ابتعاث الشيخ فيصل للدراسة في الكلية العسكرية الأردنية بعمّان في ديسمبر 1955، وفي العام التالي، ومن بعد دورات مكثفة في المدفعية والخرائط العسكرية والبوصلة والصور الجوية، تخرج برتبة ملازم، ليعود إلى وطنه ويعمل خلال السنوات الأربع التالية في «قوة ساحل عمان» بتلك الرتبة العسكرية.
الدراسة الحربية في بريطانيا
أخبرنا الشيخ فيصل في مقابلة أجرتها معه «قناة الظفرة» الإماراتية في ديسمبر 2016، أنه، ومن أجل أن ينتقل من الرتبة العسكرية المحلية إلى الرتبة العسكرية البريطانية، تمّ ابتعاثه في عام 1960 إلى بريطانيا للالتحاق بـ«مدرسة مونز الحربية للضباط» في ألديرشوت بإنجلترا، حيث تفوق في دراسته وتدريباته، الأمر الذي استحق معه الرتبة العسكرية البريطانية. في أعقاب ذلك عاد مجدداً إلى وطنه لمواصلة عمله في «قوة ساحل عمان». وبدءاً من عام 1962 إلى ما قبل قيام دولة الإمارات بقليل، حظي الرجل بالمزيد من الدورات والتدريبات العسكرية في بريطانيا. وقد شمل ذلك إكمال مسيرته التدريبية والتعليمية بـ«مدرسة التربية العسكرية الملكية» في ويلتون بارك، في بيكونسفيلد، والتحاقه بمدرسة الأسلحة الصغيرة في هيث، وإنهائه تدريباته العملية بمدرسة المشاة في وورمانستر، وتدريباته مع القوات البريطانية للتدخل السريع في «أوما» بإيرلندا الشمالية. وقد أهلته علومه العسكرية هذه للحصول على بعض الترقيات المسموح بها زمن الحماية البريطانية، سواء لجهة الرتبة العسكرية أو العمل الوظيفي، ومنه إرساله إلى منطقة «المنامة» للعمل نائباً للضابط البريطاني «ديزموند كوزكروف» في دائرة تدريب ضباط الصف. يتذكر الشيخ فيصل تلك الأيام فيقول، إن خطة الإنجليز كانت أن نتعلم ثم نعلم غيرنا في دورات سريعة لا تتجاوز مدتها 14 يوماً من أجل الاستعانة بهم في إخماد حرب الجبل الأخضر في عمان.
لقاء زايد
وفي اللقاء التلفزيوني نفسه تحدث الشيخ فيصل عن ظروف لقائه الأول سنة 1957 بالشيخ زايد رحمه الله، فقال ما مفاده، إنه كان في تلك الفترة يمارس وظيفته العسكرية ضمن «قوة ساحل عمان» المعسكرة بقلعة الجاهلي التاريخية في العين، وصادف أن حلت مناسبة العيد فذهب مع زملائه لأداء الصلاة التي حضرها الشيخ زايد، الذي كان وقتذاك حاكماً للمنطقة الشرقية من إمارة أبوظبي، ويبدو أنه لفت نظر الشيخ زايد فسأل عنه مرافقه المرحوم «محمد بن محيروم»، فلما علم سموه أن المقصود هو فيصل بن سلطان القاسمي أمر مرافقه بدعوته لتناول إفطار الصباح بمقر إقامة سموه في قصر المويجعي بالعين. وأضاف الشيخ فيصل أنه، بعد ذلك اللقاء، تعددت لقاءاته بالشيخ زايد وازدادت معرفته بسموه من خلال تردد سموه عصراً على فلج «الصاروج» بالعين للتنزه، حيث كان فيصل وزملاؤه العسكريون يمارسون السباحة.
بعد أن تولى الشيخ زايد مقاليد الحكم في إمارة أبوظبي خلفاً لأخيه الشيخ شخبوط سنة 1966، طلب سموه من الشيخ فيصل ترك عمله العسكري في «قوة ساحل عمان» بطريقة ودية، ففعل الأخير ذلك سنة 1969، وانضم في السنة ذاتها إلى الشيخ زايد الذي طلب منه أن يتولى منصب رئيس ديوان ممثل سموه في المنطقة الشرقية (الشيخ خليفة بن زايد رحمه الله).
وهكذا تخلى الشيخ فيصل عن رتبته وملابسه العسكرية، وراح يعمل خلال عامي 1969 و1970 على إعادة تأسيس ديوان حاكم المنطقة الشرقية الجديد، والإشراف على أعماله. غير أن المقام لم يطل به بعيداً عن العسكرية. ففي عام 1971 أنهت بريطانيا معاهدات الحماية مع إمارات الساحل السبع، ما مهد الطريق أمام تجمعها تحت راية كيان اتحادي واحد وانتخاب المغفور له الشيخ زايد بن سلطان حاكم أبوظبي رئيساً للدولة الاتحادية الوليدة. وقد شهدت هذه الفترة من السبعينات تطورات عدة على مستوى التعيينات، منها تنصيب النجل الأكبر للشيخ زايد المغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان ولياً لعهد أبوظبي ونائباً للقائد الأعلى للقوات المسلحة ونائباً لرئيس مجلس الوزراء إلى جانب مسؤوليات سموه المحلية. ولهذه الأسباب اضطر الشيخ خليفة رحمه الله للانتقال إلى أبوظبي سنة 1971، مصطحباً معه الشيخ فيصل. وفي العام نفسه تمّ تعيين الأخير وكيلاً لوزارة الدفاع الناشئة التي كان سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم يتولى حقيبتها في التشكيل الوزاري الاتحادي. وبهذا سجل الشيخ فيصل اسمه في تاريخ دولة الإمارات كأول وكيل لوزارة الدفاع من 1971 إلى 1972. وفي الفترة ما بين عامي 1973 و 1974 شغل منصب «رئيس أركان قوة دفاع أبوظبي».
توحيد القوات المسلحة الإماراتية
وفي 6 مايو من عام 1976، أقر المغفور له الشيخ زايد بن سلطان وأصحاب السمو أعضاء المجلس الأعلى للاتحاد توحيد القوات المسلحة تحت علم واحد وقيادة مركزية واحدة، وذلك لتوطيد دعائم الاتحاد وتعزيز مسيرته. وهكذا أصبح يوم السادس من مايو من كل عام يوماً تحتفل فيه دولة الإمارات بقواتها المسلحة، واختير الشيخ فيصل ليكون رئيساً لأركانها برتبة عقيد.
في تلك الفترة، يقول الشيخ فيصل، في أحد حواراته المتلفزة، لم تكن هناك قوات مسلحة بالمفهوم الدارج، ولم تكن هناك خبرات أو أعداد مؤهلة من الضباط للاعتماد عليها في أعمال تدريب وتأهيل المجندين. ويضيف ما مفاده، أنه وزملاءه بدأوا العمل من الصفر تقريباً، مستعينين بعد الله ببعض الكوادر العربية الشقيقة من أجل تقديم المساعدة الفنية في إعادة تنظيم هياكل القوات الاتحادية وتأسيس أفرعها البرية والجوية والبحرية ووحداتها المختصة بالدفاع الجوي والاستطلاع والمراقبة والخدمات الطبية والإخلاء والإشارة والنقل والتموين والمستودعات، مضيفاً أنه قبل تأسيس الدولة لقواتها المسلحة قامت لجنة من الضباط من السعودية والكويت والأردن بتفقد جميع القوات في الإمارات.
ومما قاله أيضاً، إنه بتوجيهات الشيخ زايد راحت القوات المسلحة الإماراتية تتطور عاماً بعد عام إلى أن صارت صنواً لغيرها من الجيوش العربية، وذلك من خلال ابتعاث المواطنين إلى الكليات العسكرية في بريطانيا ومصر والأردن وباكستان، وشراء أحدث الأسلحة والتجهيزات الحربية من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وغيرها.
الهيئة العربية للتصنيع الحربي
من المناصب الأخرى التي شغلها الشيخ فيصل منصب رئيس مجلس إدارة «الهيئة العربية للتصنيع الحربي» بمصر، وذلك لفترة قصيرة امتدت من 1978 إلى عام 1979، خلفاً للسياسي المصري أشرف مروان، الذي اختير عام 1975 كأول رئيس للهيئة.
والجدير بالذكر أن هذه الهيئة أنشئت سنة 1975 برأسمال تجاوز المليار دولار لبناء قاعدة صناعية وتكنولوجية عربية للدفاع والتصنيع الحربي، وشاركت فيها مصر بقوة العمل والإدارة، بينما شاركت كل من السعودية والإمارات وقطر بالمال ومشتريات التكنولوجيا الأجنبية. وكان المقرر أن يتم تصنيع السلاح في مصر وتتزود به الدول الأخرى المشاركة. غير أن عملها تعرض للجمود بُعيد المقاطعة العربية لمصر بسبب اتفاقيات كامب ديفيد عام 1979، واستمر ذلك إلى عام 1993 حينما قامت السعودية والإمارات بالتخلي عن أسهمهما في الهيئة البالغة قيمتها وقتذاك 1.8 مليار دولار لمصر، فصارت الهيئة مذاك مملوكة بالكامل للحكومة المصرية وحدها.
تأسيس كلية زايد الثاني العسكرية
من الأعمال التي تذكر للشيخ فيصل، مساهمته في تأسيس كلية زايد الثاني العسكرية. وحول هذا، قال في حديث لمجلة «درع الوطن» الإماراتية (1/4/2012): «كان إنشاء كلية عسكرية هو الهدف الذي سعى له الشيخ زايد في السبعينات، فقمنا آنذاك باستشارة الخبراء البريطانيين الذين أكدوا لنا أن إنشاء كلية عسكرية لجيش يتكون من 3000 فرد هو أمر شبه مستحيل، لكنه رحمه الله لم ييأس، وقام سموه بتسليمي رسالة خطية للملك حسين بن طلال ملك الأردن، الذي أمر بإرسال عدد من الضباط الأردنيين، فأقيمت الكلية العسكرية تحت مسمى (كلية زايد الثاني العسكرية) وبقيادة العميد الركن صالح مصطفى أبو الهيجاء الذي تولى القيادة من 1972 إلى 1975، وتناوب بعده كل من المشير عبدالحافظ مرعي الكعابنة والفريق الركن سالم محمد الترك والفريق الركن عارف محمد فاضل والعميد الركن أحمد محمود عبدالهادي والذين كان لهم الفضل الكبير في تأسيس الكلية وكذلك تطويرها خلال السنوات الأولى من إنشائها ليتسلمها قادة مواطنون من بعدهم».
وتحدث في الحوار ذاته أيضاً عن مدى الاهتمام الذي كان الشيخ زايد يوليه لعملية بناء جيش اتحادي قوي فقال ما مفاده إن سموه كان متابعاً دوماً لكل ما يخص القوات المسلحة، فكان دائماً يسأل عن آخر التطورات فيها وعن عدد الضباط والأفراد وعن أنواع الأسلحة المستخدمة في التدريبات، «حتى أنني أصبحت أصطحب قائمة الموازنة اليومية للقوات المسلحة كلما ذهبت لمجلسه رحمه الله».
أوسمة وميداليات محلية وعربية
خلال مشواره الوظيفي، وبسبب شخصيته المؤثرة ودوره العسكري ووفائه وإخلاصه، نال الشيخ فيصل العديد من الأوسمة والميداليات المحلية والعربية، ومنها: وسام الخدمة الطويلة في قوة ساحل عمان (1964)، ووسام توحيد القوات المسلحة الإماراتية مع الميدالية العسكرية من الدرجة الأولى من الشيخ زايد (1976)، ووسام الاستحقاق من الدرجة الأولى من مصر من الرئيس أنور السادات (1972)، ووسام الحسين بن علي من الأردن (1972)، ووسام الكوكب الأردني من الدرجة الأولى من العاهل الأردني الملك حسين (1974)، والوسام العلوي بدرجة ضابط كبير من المغرب من الملك الحسن الثاني (1974)، ووسام النيلين من السودان من المشير جعفر النميري (1974).
وعن الصعوبات التي واجهت الإمارات عند تأسيس قواتها المسلحة، عدا ماذكرناه آنفاً، تطرق الشيخ فيصل إلى حياة العسكري في حقبة البدايات فقال: «بالإضافة إلى المهام الموكلة إلى العسكري، كان عليه تأمين قوته اليومي، وتوفير ما يلزمه من مياه الشرب، وهو أمر ليس بالبسيط في ضوء شح المياه نظراً لقلة الآبار الارتوازية في تلك الفترة. كما كنا ننتقل من منطقة إلى أخرى في الصحراء بواسطة آليات بدائية، بدون طرق معبدة أو إنارة في الليل، فكان يتحتم على الجندي العيش في ظروف صعبة تتطلب منه عملاً شاقاً وجهداً بدنياً عالياً».
وعلى الرغم من أن الشيخ فيصل ابتعد منذ سنوات طويلة عن الأضواء، بعد أن تقاعد من عمله العسكري، وانخرط في عالم الأعمال التجارية والعقارية والمصرفية، إلا أن اسمه ظل محفوراً في تاريخ بلاده كونه أول من تولى منصب وكيل وزارة الدفاع، وأول مواطن يتولى رئاسة أركان القوات المسلحة الاتحادية، ناهيك عن خدماته الكثيرة لوطنه إبان توليه مناصب أخرى رفيعة.
ولد الشيخ فيصل سنة 1940 بإمارة رأس الخيمة، في عهد والده الشيخ سلطان بن سالم بن سلطان بن صقر القاسمي (ت: 1988)، الذي تولى حكم الإمارة من 1919 إلى عام 1948، وهو العام الذي تنازل فيه عن الحكم لابن أخيه الشيخ صقر بن محمد القاسمي (ت: 2010)، وكان جده الشيخ سالم بن سلطان القاسمي (ت: 1919)، قد حكم رأس الخيمة لمدة سنة من عام 1868 إلى 1869، وحكم إمارة الشارقة من أبريل 1868 إلى مارس 1883.
نشأ في كنف والده، وترعرع بين إخوته التسعة، حيث كان ترتيبه الثاني بعد أخيه الشيخ فاهم بن سلطان القاسمي (الأمين العام الأسبق لمجلس التعاون الخليجي). استهل مسيرته التعليمية بالدراسة في أحد كتاتيب رأس الخيمة التقليدية، قبل أن يواصل تعليمه بالمدرسة الأحمدية في دبي والمدرسة القاسمية في الشارقة على التوالي.
كشافة ساحل عمان
وفي عام 1954، وهو في سن الرابعة عشرة، التحق بـ«كشافة ساحل عمان»، لتبدأ مذاك مسيرته العسكرية الطويلة التي شهدت ابتعاثه إلى أكثر من كلية عسكرية، وتلقيه العديد من الدورات وحصوله على الترقيات المتتالية وشغله وظائف ومسؤوليات متنوعة.
والمعروف أن «كشافة ساحل عمان» قوة أسستها سلطات الحماية البريطانية في مايو 1951، وتغير اسمها أكثر من مرة. وكان الغرض من تأسيسها هو أن تقوم بممارسة العملين الدفاعي والأمني. وراح هذا الجهاز يتطور ببطء لجهة العديد والعتاد والمهمات على مدى عقدي الخمسينات والستينات من القرن العشرين، وفي عام 1971 سلمت بريطانيا إدارتها إلى الدولة الفتية، فعملت كنواة لتأسيس قواتها المسلحة، التي تكونت آنذاك من قوة دفاع أبوظبي وقوة دفاع دبي والقوة المتحركة لرأس الخيمة والحرس الوطني لإمارة الشارقة والحرس الوطني لإمارة أم القيوين وغيرها.
وقت تأسيس هذه القوة، وكجزء من السياسات البريطانية لتطويرها وتأهيل كوادرها العسكرية، تمّ ابتعاث الشيخ فيصل للدراسة في الكلية العسكرية الأردنية بعمّان في ديسمبر 1955، وفي العام التالي، ومن بعد دورات مكثفة في المدفعية والخرائط العسكرية والبوصلة والصور الجوية، تخرج برتبة ملازم، ليعود إلى وطنه ويعمل خلال السنوات الأربع التالية في «قوة ساحل عمان» بتلك الرتبة العسكرية.
الدراسة الحربية في بريطانيا
أخبرنا الشيخ فيصل في مقابلة أجرتها معه «قناة الظفرة» الإماراتية في ديسمبر 2016، أنه، ومن أجل أن ينتقل من الرتبة العسكرية المحلية إلى الرتبة العسكرية البريطانية، تمّ ابتعاثه في عام 1960 إلى بريطانيا للالتحاق بـ«مدرسة مونز الحربية للضباط» في ألديرشوت بإنجلترا، حيث تفوق في دراسته وتدريباته، الأمر الذي استحق معه الرتبة العسكرية البريطانية. في أعقاب ذلك عاد مجدداً إلى وطنه لمواصلة عمله في «قوة ساحل عمان». وبدءاً من عام 1962 إلى ما قبل قيام دولة الإمارات بقليل، حظي الرجل بالمزيد من الدورات والتدريبات العسكرية في بريطانيا. وقد شمل ذلك إكمال مسيرته التدريبية والتعليمية بـ«مدرسة التربية العسكرية الملكية» في ويلتون بارك، في بيكونسفيلد، والتحاقه بمدرسة الأسلحة الصغيرة في هيث، وإنهائه تدريباته العملية بمدرسة المشاة في وورمانستر، وتدريباته مع القوات البريطانية للتدخل السريع في «أوما» بإيرلندا الشمالية. وقد أهلته علومه العسكرية هذه للحصول على بعض الترقيات المسموح بها زمن الحماية البريطانية، سواء لجهة الرتبة العسكرية أو العمل الوظيفي، ومنه إرساله إلى منطقة «المنامة» للعمل نائباً للضابط البريطاني «ديزموند كوزكروف» في دائرة تدريب ضباط الصف. يتذكر الشيخ فيصل تلك الأيام فيقول، إن خطة الإنجليز كانت أن نتعلم ثم نعلم غيرنا في دورات سريعة لا تتجاوز مدتها 14 يوماً من أجل الاستعانة بهم في إخماد حرب الجبل الأخضر في عمان.
لقاء زايد
وفي اللقاء التلفزيوني نفسه تحدث الشيخ فيصل عن ظروف لقائه الأول سنة 1957 بالشيخ زايد رحمه الله، فقال ما مفاده، إنه كان في تلك الفترة يمارس وظيفته العسكرية ضمن «قوة ساحل عمان» المعسكرة بقلعة الجاهلي التاريخية في العين، وصادف أن حلت مناسبة العيد فذهب مع زملائه لأداء الصلاة التي حضرها الشيخ زايد، الذي كان وقتذاك حاكماً للمنطقة الشرقية من إمارة أبوظبي، ويبدو أنه لفت نظر الشيخ زايد فسأل عنه مرافقه المرحوم «محمد بن محيروم»، فلما علم سموه أن المقصود هو فيصل بن سلطان القاسمي أمر مرافقه بدعوته لتناول إفطار الصباح بمقر إقامة سموه في قصر المويجعي بالعين. وأضاف الشيخ فيصل أنه، بعد ذلك اللقاء، تعددت لقاءاته بالشيخ زايد وازدادت معرفته بسموه من خلال تردد سموه عصراً على فلج «الصاروج» بالعين للتنزه، حيث كان فيصل وزملاؤه العسكريون يمارسون السباحة.
بعد أن تولى الشيخ زايد مقاليد الحكم في إمارة أبوظبي خلفاً لأخيه الشيخ شخبوط سنة 1966، طلب سموه من الشيخ فيصل ترك عمله العسكري في «قوة ساحل عمان» بطريقة ودية، ففعل الأخير ذلك سنة 1969، وانضم في السنة ذاتها إلى الشيخ زايد الذي طلب منه أن يتولى منصب رئيس ديوان ممثل سموه في المنطقة الشرقية (الشيخ خليفة بن زايد رحمه الله).
وهكذا تخلى الشيخ فيصل عن رتبته وملابسه العسكرية، وراح يعمل خلال عامي 1969 و1970 على إعادة تأسيس ديوان حاكم المنطقة الشرقية الجديد، والإشراف على أعماله. غير أن المقام لم يطل به بعيداً عن العسكرية. ففي عام 1971 أنهت بريطانيا معاهدات الحماية مع إمارات الساحل السبع، ما مهد الطريق أمام تجمعها تحت راية كيان اتحادي واحد وانتخاب المغفور له الشيخ زايد بن سلطان حاكم أبوظبي رئيساً للدولة الاتحادية الوليدة. وقد شهدت هذه الفترة من السبعينات تطورات عدة على مستوى التعيينات، منها تنصيب النجل الأكبر للشيخ زايد المغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان ولياً لعهد أبوظبي ونائباً للقائد الأعلى للقوات المسلحة ونائباً لرئيس مجلس الوزراء إلى جانب مسؤوليات سموه المحلية. ولهذه الأسباب اضطر الشيخ خليفة رحمه الله للانتقال إلى أبوظبي سنة 1971، مصطحباً معه الشيخ فيصل. وفي العام نفسه تمّ تعيين الأخير وكيلاً لوزارة الدفاع الناشئة التي كان سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم يتولى حقيبتها في التشكيل الوزاري الاتحادي. وبهذا سجل الشيخ فيصل اسمه في تاريخ دولة الإمارات كأول وكيل لوزارة الدفاع من 1971 إلى 1972. وفي الفترة ما بين عامي 1973 و 1974 شغل منصب «رئيس أركان قوة دفاع أبوظبي».
توحيد القوات المسلحة الإماراتية
وفي 6 مايو من عام 1976، أقر المغفور له الشيخ زايد بن سلطان وأصحاب السمو أعضاء المجلس الأعلى للاتحاد توحيد القوات المسلحة تحت علم واحد وقيادة مركزية واحدة، وذلك لتوطيد دعائم الاتحاد وتعزيز مسيرته. وهكذا أصبح يوم السادس من مايو من كل عام يوماً تحتفل فيه دولة الإمارات بقواتها المسلحة، واختير الشيخ فيصل ليكون رئيساً لأركانها برتبة عقيد.
في تلك الفترة، يقول الشيخ فيصل، في أحد حواراته المتلفزة، لم تكن هناك قوات مسلحة بالمفهوم الدارج، ولم تكن هناك خبرات أو أعداد مؤهلة من الضباط للاعتماد عليها في أعمال تدريب وتأهيل المجندين. ويضيف ما مفاده، أنه وزملاءه بدأوا العمل من الصفر تقريباً، مستعينين بعد الله ببعض الكوادر العربية الشقيقة من أجل تقديم المساعدة الفنية في إعادة تنظيم هياكل القوات الاتحادية وتأسيس أفرعها البرية والجوية والبحرية ووحداتها المختصة بالدفاع الجوي والاستطلاع والمراقبة والخدمات الطبية والإخلاء والإشارة والنقل والتموين والمستودعات، مضيفاً أنه قبل تأسيس الدولة لقواتها المسلحة قامت لجنة من الضباط من السعودية والكويت والأردن بتفقد جميع القوات في الإمارات.
ومما قاله أيضاً، إنه بتوجيهات الشيخ زايد راحت القوات المسلحة الإماراتية تتطور عاماً بعد عام إلى أن صارت صنواً لغيرها من الجيوش العربية، وذلك من خلال ابتعاث المواطنين إلى الكليات العسكرية في بريطانيا ومصر والأردن وباكستان، وشراء أحدث الأسلحة والتجهيزات الحربية من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وغيرها.
الهيئة العربية للتصنيع الحربي
من المناصب الأخرى التي شغلها الشيخ فيصل منصب رئيس مجلس إدارة «الهيئة العربية للتصنيع الحربي» بمصر، وذلك لفترة قصيرة امتدت من 1978 إلى عام 1979، خلفاً للسياسي المصري أشرف مروان، الذي اختير عام 1975 كأول رئيس للهيئة.
والجدير بالذكر أن هذه الهيئة أنشئت سنة 1975 برأسمال تجاوز المليار دولار لبناء قاعدة صناعية وتكنولوجية عربية للدفاع والتصنيع الحربي، وشاركت فيها مصر بقوة العمل والإدارة، بينما شاركت كل من السعودية والإمارات وقطر بالمال ومشتريات التكنولوجيا الأجنبية. وكان المقرر أن يتم تصنيع السلاح في مصر وتتزود به الدول الأخرى المشاركة. غير أن عملها تعرض للجمود بُعيد المقاطعة العربية لمصر بسبب اتفاقيات كامب ديفيد عام 1979، واستمر ذلك إلى عام 1993 حينما قامت السعودية والإمارات بالتخلي عن أسهمهما في الهيئة البالغة قيمتها وقتذاك 1.8 مليار دولار لمصر، فصارت الهيئة مذاك مملوكة بالكامل للحكومة المصرية وحدها.
تأسيس كلية زايد الثاني العسكرية
من الأعمال التي تذكر للشيخ فيصل، مساهمته في تأسيس كلية زايد الثاني العسكرية. وحول هذا، قال في حديث لمجلة «درع الوطن» الإماراتية (1/4/2012): «كان إنشاء كلية عسكرية هو الهدف الذي سعى له الشيخ زايد في السبعينات، فقمنا آنذاك باستشارة الخبراء البريطانيين الذين أكدوا لنا أن إنشاء كلية عسكرية لجيش يتكون من 3000 فرد هو أمر شبه مستحيل، لكنه رحمه الله لم ييأس، وقام سموه بتسليمي رسالة خطية للملك حسين بن طلال ملك الأردن، الذي أمر بإرسال عدد من الضباط الأردنيين، فأقيمت الكلية العسكرية تحت مسمى (كلية زايد الثاني العسكرية) وبقيادة العميد الركن صالح مصطفى أبو الهيجاء الذي تولى القيادة من 1972 إلى 1975، وتناوب بعده كل من المشير عبدالحافظ مرعي الكعابنة والفريق الركن سالم محمد الترك والفريق الركن عارف محمد فاضل والعميد الركن أحمد محمود عبدالهادي والذين كان لهم الفضل الكبير في تأسيس الكلية وكذلك تطويرها خلال السنوات الأولى من إنشائها ليتسلمها قادة مواطنون من بعدهم».
وتحدث في الحوار ذاته أيضاً عن مدى الاهتمام الذي كان الشيخ زايد يوليه لعملية بناء جيش اتحادي قوي فقال ما مفاده إن سموه كان متابعاً دوماً لكل ما يخص القوات المسلحة، فكان دائماً يسأل عن آخر التطورات فيها وعن عدد الضباط والأفراد وعن أنواع الأسلحة المستخدمة في التدريبات، «حتى أنني أصبحت أصطحب قائمة الموازنة اليومية للقوات المسلحة كلما ذهبت لمجلسه رحمه الله».
أوسمة وميداليات محلية وعربية
خلال مشواره الوظيفي، وبسبب شخصيته المؤثرة ودوره العسكري ووفائه وإخلاصه، نال الشيخ فيصل العديد من الأوسمة والميداليات المحلية والعربية، ومنها: وسام الخدمة الطويلة في قوة ساحل عمان (1964)، ووسام توحيد القوات المسلحة الإماراتية مع الميدالية العسكرية من الدرجة الأولى من الشيخ زايد (1976)، ووسام الاستحقاق من الدرجة الأولى من مصر من الرئيس أنور السادات (1972)، ووسام الحسين بن علي من الأردن (1972)، ووسام الكوكب الأردني من الدرجة الأولى من العاهل الأردني الملك حسين (1974)، والوسام العلوي بدرجة ضابط كبير من المغرب من الملك الحسن الثاني (1974)، ووسام النيلين من السودان من المشير جعفر النميري (1974).
وعن الصعوبات التي واجهت الإمارات عند تأسيس قواتها المسلحة، عدا ماذكرناه آنفاً، تطرق الشيخ فيصل إلى حياة العسكري في حقبة البدايات فقال: «بالإضافة إلى المهام الموكلة إلى العسكري، كان عليه تأمين قوته اليومي، وتوفير ما يلزمه من مياه الشرب، وهو أمر ليس بالبسيط في ضوء شح المياه نظراً لقلة الآبار الارتوازية في تلك الفترة. كما كنا ننتقل من منطقة إلى أخرى في الصحراء بواسطة آليات بدائية، بدون طرق معبدة أو إنارة في الليل، فكان يتحتم على الجندي العيش في ظروف صعبة تتطلب منه عملاً شاقاً وجهداً بدنياً عالياً».