كتاب ومقالات

برميل رمضان

بدر بن سعود

إقبال السعوديين على الشراء يكثر في شهري شعبان ورمضان وهما على الأبواب، وسيأخذان جزءاً من شهر فبراير الجاري، ويستمران حتى أبريل من العام الحالي، وفي هذا الوقت من كل عام يبدأ هوس المجتمع السعودي بالتسوق والشراء المبالغ فيه، ويأتي ذلك استعداداً لموسم الصيام السنوي، ويعتقد المختصون بأن سلوك الشراء الرمضاني ينتقل إلى النساء من عوائلهن، وأن تجديد المقتنيات فيه يأتي بدافع العادة لا الحاجة الفعلية، ولإحداث نقلة شكلية مؤقتة في حياة العائلة، وبالأخص في ما يتعلق بالمستلزمات المنزلية، والتجديدات في الأثاث، وكلاهما يتكرر تكديسه في المخازن سنوياً لأسباب غير مفهومة.

السابق يدخل ضمن ما يعرف باضطراب التكديس والتسوق القهريين، وهما يحملان بعض أعراض الوسواس القهري، وتحديداً في جانب الجبرية وعدم القدرة على التحكم في الرغبات، ومن الشواهد المتطرفة عليها، هوس الكتب بصرف النظر عن جودة محتواها (الببلومينيا)، والذي أصيب به السير توماس فيليبس، فقد راكم مجموعة ضخمة من الكتب والمخطوطات عند وفاته في 1872، وبما إجماليه 160 ألف كتاب ومخطوطة، وتم بيعها في مزادات استمرت لمئة عام، ومثله ستيفن بلومبيرغ، والقبض عليه بتهمة سرقة 23 ألف كتاب في 1990، وقد وصلت أسعارها مجتمعة إلى 5 مليارات دولار، والعجيب أن السرقة كانت بغرض التكديس وليس البيع.

بالإضافة إلى ريتشارد جونز، وجمعه لثلاثة آلاف مسمار من 50 دولة، والألماني كارستين تيوس، واحتفاظه بما يزيد على ألف وخمسمائة وستين جوالاً، والإيطالي لورينزو بيسكيني، واقتنائه لقرابة تسعة آلاف عبوة مياه بلاستيكية، والأعجب فرانسيسكو فيرنيتي، وحيازته لأكثر من 11 ألف علامة (عدم إزعاج) من الفنادق التي زارها حول العالم.

التخزين في شكله الصحي نوعي واقتنائي ومدروس، وفي شكله المرضي عشوائي وفوضوي واستحواذي، ومرضى التكديس تصل نسبتهم في كل مجتمع إلى 6%، غالبيتهم من كبار السن، وأجد أن فلسفة الحد الأدنى التي يعمل عليها الملياردير إيلون ماسك مناسبة ومريحة لحل المشكلة، ولا تختلف عما كان يفعله الفيلسوف اليوناني ديوجين، في القرن الثالث قبل الميلاد، وهو حكيم متقشف باختياره، فلم يكن لديه إلا عباءة وعصى وجراب جلدي، ومكان نومه عبارة عن جرة خشبية أشبه بالبرميل.

تسيد واستبداد ثقافة الاستهلاك المفرط، في الوقت الحالي، ترجع إلى سيطرة الرأسمالية على اقتصاد العالم، وكذلك لثورة المعلومات والاتصالات، ويدخل فيهما الإعلانات التي توهم الناس بأنهم سيفقدون الكثير ما لم يشتروا منتجاً معيناً، والاستثمار في فكرة الموضة القديمة والجديدة، واعتماد مؤثري السوشيال ميديا على القيم المادية والتسليع كمعيار للتميز، والمفروض أن يدفع الناس مقابل الجودة وليس العلامة التجارية، ويهتموا باحتواء مصابي متلازمة التخزين القهري، لأن العوامل الوراثية والعاطفية وعقلية الجموع تلعب دوراً مركزياً في تصرفاتهم، ولعل العلاج المعرفي والسلوكي وأحياناً التدخل الدوائي مفيد في التحرر منه.