أخبار

«كاوست» تستكشف عالم الكائنات الصامدة بوجه قسوة الطبيعة

أليكساندر روسادو: الاستفادة من دراسة البكتيريا في الصناعة والطب

تتمتع المملكة العربية السعودية بإمكانات هائلة - مع مجموعة متنوّعة من البيئات القاسية - مما يؤهلها لأن تقود أبحاث التقنية الحيوية لأليفات الظروف القاسية.

«عكاظ» (ثول) okaz_online@

قاد اهتمام البروفيسور أليكساندر روسادو، من جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست)، وفضوله المتقد منذ وقت مبكر في حياته لأن يصبح أستاذاً لدراسة الكائنات الحيّة الدقيقة والمعروفة بـ «إكستريموفيل»، التي يمكن أن تعيش في ظروف درجات حرارة وضغط شديدين، ولها القدرة على الصمود في تلك البيئات المتطرفة للغاية.

وقع روسادو في قبضة الاندهاش وهو يرى أن تلك الكائنات المجهرية، ليست فقط لديها القدرة على البقاء حيّة، لكنها أيضاً تزدهر في تلك البيئات والتي قد يشك بعض الناس في استحالة الحياة فيها.

درس روسادو في البداية البيئة، على سبيل المثال: التربة المُلوّثة كيميائياً، ومستنقعات المانغروف، وعلاقتها بالكائنات الحيّة التي تتأقلم للحياة في هذه البيئات.

وجاءت الفرصة في 2007 لدراسة أحد أكثر البيئات قسوةً، حيث شارك في بعثة استكشافية للقارة القطبية الجنوبية «أنتاركتيكا»، والتي كانت الأولى من بين كثير من البعثات بعد ذلك.

يقول روسادو: «جاءتني الفرصة لدراسة البكتيريا المعايشة للبرودة (بكتيريا تتحمل البرودة)، ووصف أنواع جديدة، ودراسة دورها في النظام البيئي الأنتاركتيكي (النظام الإيكولوجي لأنتاركتيكا)، ومعرفة العمليات التي يمكن تطبيقها في مجال التقنية الحيوية البيئية، مثلما يحدث في المعالجة الحيوية عبر استخدام الكائنات الحيّة الدقيقة لتنظيف التسرُّب النفطي على سبيل المثال».

الأبحاث التي عمل عليها روسادو، ذهبت به لأماكن استثنائية، مثل: الغابات المطيرة البرازيلية، صحراء الأتاكاما في تشيلي، الينابيع الساخنة في كاليفورنيا، وعديد من المناطق الأفريقية.

في عام 2020 انضم روسادو إلى «كاوست»، كأستاذ لعلوم الأحياء، حيث يقود فريقاً بحثياً لدراسة الكائنات الحيّة الدقيقة (الميكروبات) من أنظمة بيئية سعودية عديدة، مثل: الصحاري، البراكين، الينابيع الساخنة، ومستنقعات المانغروف.

يقول أستاذ علوم الأحياء: «نساهم في اكتشاف التنوُّع، وإمكانيات التقنية الحيوية الهائلة المحتملة للكائنات الحيّة الدقيقة في البيئات القاسية والرائعة بالمملكة العربية السعودية».

ويوضّح أن «الأنظمة البيئية في السعودية تعرّضت كثيراً لظروف قاسية للغاية، بما في ذلك ارتفاع وانخفاض درجات الحرارة، الرطوبة العالية، والتعرُّض للأشعة فوق البنفسجية العالية، وقلّة المغذيّات. كل هذه الظروف تجعل السعودية واحدة من أكثر المناطق إثارة للاهتمام على وجه الأرض بشأن الأبحاث التي تتناول أليفات الظروف القاسية (إكستريموفيل)».

فبينما توفّر البيئات الصحراوية مصادر غنيّة لأبحاث روسادو وفريقه، إلا أن الظروف القاسية تُمثّل أيضاً تحديّات هائلة، ويعبّر عن ذلك بقوله: «واحدة من أكبر التحديّات هي الإمدادات؛ لأنّ المواقع بعيدة للغاية ومن الصعب الوصول إليها».

ويضيف: «نواجه صعوبات أيضاً في جمع العيّنات في البرد القارس، أو الطقس الحار، والطريقة المُثلى للحفاظ على صمود تلك العيّنات حتى الوصول للمختبر، من بين صعوباتٍ أخرى عديدة، والمواقف الفُجائية التي تحدث دائماً».

بالنسبة للفريق تعد الجائزة الكبرى لهم استكشافهم لأماكن يستطيع قليل من الناس فقط زيارتها، ودراسة الكثير من أنواع الكائنات غير المعروفة مُسبقاً، وأيضاً اكتشاف منتجات حيوية جديدة.

وتعتبر أليفات الظروف القاسية من المصادر المحتملة للمنتجات الحيوية مثل: الإنزيمات، والجزيئات الحيوية؛ لاستخدامها في عديد من المجالات، كصناعة الزيوت، الزراعة، المنتجات الصيدلانية، والصناعات الطبيّة؛ نظراً لخصائص الـ«إكستريموفيل» الفريدة والمتنوّعة في البقاء على قيد الحياة في ظروف قاسية.

ويعتقد روسادو، أن السعودية تتمتع بإمكانات هائلة - مع مجموعة متنوّعة من البيئات القاسية - مما يؤهلها لأن تقود أبحاث التقنية الحيوية لأليفات الظروف القاسية.

ويضيف: «تساعدنا دراسة الكائنات الحيّة التي تعيش في ظروف قاسية على فهم حدود الحياة على كوكبنا، وانطلاقاً من أن درجة الحرارة واحدة من أكثر المعالم المحددة للحياة؛ فإنّ دراسة إستراتيجيات البقاء في درجات الحرارة القاسية، تساعدنا على إدراك التساؤلات حول صلاحية الكوكب للسكن، والأهداف المباشرة المحتملة للبحث عن الحياة خارج كوكب الأرض، مثل كوكب المريخ».

وبالاستناد على علم الأحياء الفلكي يعمل الفريق البحثي على اكتشاف البيئات الصحراوية، البراكين، ومصادر الطاقة الجيوحرارية المشابهة للظروف على كوكب المريخ، بالإضافة إلى تقييم التنوُّع البيولوجي وأيض (عمليات التمثيل الغذائي) الكائنات الحيّة الدقيقة كنموذج محتمل لدراسة الحياة خارج كوكب الأرض.

ويلخص روسادو أبحاثه بالقول: «الأبحاث في التقنية الحيوية الجديدة التي سيكون لها تطبيقات محتملة لاستعمار الفضاء، كما يمكن أن يكون لها تطبيقات على كوكب الأرض تشمل المساهمة في تطوير الزراعة في مناطق جديدة، وأيضاً في تطوُّر أنظمة إعادة تدوير المخلّفات، واستخدام الميكروبات المُكتشفة حديثاً لتنظيف التسرُّب النفطي، على سبيل المثال».

وربما تقود دراسة البكتيريا المتعايشة مع الظروف القاسية، والتي تم رصدها لأول مرة من مجموعة البيئات القاسية في السعودية، إلى اكتشافات مثيرة؛ تعظّم الاستفادة منها في الصناعة وعلوم الطبّ في المملكة العربية السعودية وخارجها.