كتاب ومقالات

أوكرانيا.. لعنة الروس ومأزق الأمريكيين

طلال صالح بنان

أيام (٢٤ فبراير الحالي) وتدخل الحملة العسكرية الروسية على أوكرانيا عامها الثاني، ولم تحقّق موسكو أياً من أهدافها الإستراتيجية.

الناتو، في المقابل، لم يقترب من أهدافه من توريط موسكو في تلك الحرب، بتحويلها إلى مرتبة متأخرة في ترتيب القوى الكبرى. لقد كانت طموحات الغرب تذهب إلى ما هو أبعد من مجرد إزاحة روسيا من المركز الثاني في ترتيب القوى العظمى في النظام الدولي، إلى عودة روسيا إلى العصور الوسطى، لما قبل عصر النهضة.

الحربُ في أوكرانيا أظهرت بعض القصور في العسكرية الروسية، عتاداً وتكتيكاً وتدريباً وتكنولوجياً، حتى أنها فقدت هيبة الرادع النووي الرهيب الذي تمتلكه. الغربُ، الذي كان عقب الحرب العالمية الثانية، يخشى زحف الجيش الأحمر ليكتسح أوروبا الغربية وصولاً إلى الجزر البريطانية، وهو ما فشل فيه هتلر، أضحى بعد ما يقرب من ثمانية عقود، يواجه صعوبة في حماية خاصرته الجنوبية الغربية في منطقة القرم.

وكلما بقي مسرحُ عملياتِ الحربِ داخل المجال الأوكراني، كلما ابتعد شبح احتمال استخدام السلاح النووي، ولو على المستوى التكتيكي المحدود. حتى لو تطورت الحرب بوصولها إلى تخوم حدود روسيا مع أوكرانيا، مما قد يشجع الأوكران بالتوغل في الأراضي الروسية، فإن الروس لن يجازفوا باستخدام رادعهم النووي، خشية الرد بالمثل من قبل حلف شمال الأطلسي «الناتو».

كلا الطرفين لديهما مصالح إستراتيجية على المحك يلفها قلقٌ إستراتيجيٌ بعيدُ المدى، قد يطال البعد الوجودي لهما. الروس يعانون من صعوبة تكنولوجية في مواكبة الأسلحة التقليدية المتقدمة المقدمة لأوكرانيا من قبل الغرب، حتى كادوا يستنزفون كل مخزونهم من الأسلحة التقليدية التي لديهم.

في المقابل: وإن كان الغربُ يبدو ملتزماً بإفشال الحملة العسكرية الروسية على أوكرانيا، إلا أنه لا يرغب التمادي في استفزاز موسكو.. ويحاذر بحرصٍ على عدم التورط مباشرةً في الحرب. من جانبهم: الروسُ يتحدثون عن خفض توقعاتهم من حملتهم العسكرية في أوكرانيا، بالإعلان أن جزيرة القرم هي خط أحمر. بمعنى: أن موسكو مستعدة للتفاوض، حول ترتيبات معينة، على أراضٍ في شرق أوكرانيا (إقليم دونباس)، مقابل الاحتفاظ بشبه جزيرة القرم.. والتعهد بعدم ضم أوكرانيا للناتو.

الغربُ يمكن أن يوافق على حل وسط، بعد أن حقق نسبة كبيرة من أهدافه في التعاطي مع الحرب، من أهمها إقصاء روسيا، لعقود من طموحات المنافسة على الهيمنة الكونية.. وتعزيز وضع حلف شمال الأطلسي في أوروبا، على مشارف عرين الدب الروسي شرقاً. هذا يُمَكّنُ الحلف، الولايات المتحدة بالذات، للتعامل مع جبهة غرب الباسفيك، حيث تتمدد قوى كونية عظمى فتية (الصين)، تشكل خطراً إستراتيجياً ناجزاً على أمن الولايات المتحدة القومي، بصورة لم تعهدها طوال تاريخها.

بينما الولايات المتحدة تتقدم إسترتيجياً من جبهة إلى جبهة، وإن كانت سرعان ما تتخلص من مأزق إستراتيجي لتجد أمامها فخاً منصوباً لها على جبهة أخرى، يمثل تحدياً إستراتيجياً عنيداً لطموحاتها الكونية.

الكل خسران في حرب أوكرانيا.