كتاب ومقالات

لماذا يعرف تحضّر الرجال من حرية النساء؟

بشرى فيصل السباعي

من أكثر المقاطع المتداولة في الإنترنت عن أفغانستان وإيران هي مقاطع تظهر حياة النساء ما قبل عودة التيار التقليدي الرجعي وبعد أن صار بالسلطة، وتظهر النساء بتلك المقاطع ما قبل تسلط التيار الرجعي يمشين بساحات الجامعات بثقة وسعادة وحرية وأمان، ثم تليها مقاطع من واقعهن الحالي وهن يتعرضن للامتهان والضرب والجلد والسحل والتنكيل والقتل لإلزامهن بالزي التقليدي؛ بسبب مطالبتهن بالحقوق الأساسية للإنسان كالتعليم والعمل وحرية التنقل والخروج من البيت دون محرم، والأمر لا يتعلق بالحجاب إنما هو أكثر جذرية ويبين أن سبب اضطهاد النساء ليس الدين إنما النزعات الغرائزية اللاواعية؛ ولذا هو رديف للتخلف والرجعية والبدائية والانحطاط وعدم التحضر وعدم الرقي وعدم التطور، ولذا عندما يوجد بمجتمع لا تعاني فقط النساء منه لأن المنظومة الغرائزية البدائية اللاواعية واللاعقلانية المهيمنة التي تضطهد النساء تتسبب بكل الظواهر السلبية المدمرة للمجتمع كالإرهاب والحروب الأهلية والعنف الاجتماعي وكثرة الجريمة والصراعات الطائفية وعدم الكفاءة بإدارة الدولة، فللإنسان طبيعتان مختلفتان؛ طبيعة دنيا غرائزية لا واعية وهي المشتركة مع الحيوانات، والطبيعة الثانية هي طبيعة عليا فكرية وجدانية أخلاقية روحية ربانية واعية يتفرد بها الإنسان. والإنسان عندما ينساق بلا وعي وراء نزعاته الحيوانية يصبح بمرتبة أدنى من الحيوانات كما ذكر القرآن لأن الحيوان ليس له طبيعة عليا، ولذا لا يشينه أن يتصرف دون اعتبار للمثاليات، بينما الإنسان الذي فيه طبيعة عليا فيشينه أن يتصرف كمجرد حيوان دون اعتبار للمثاليات العليا المتحضرة والحقيقية، وفي عالم الحيوان الذكر يكون بمرتبة الزعامة، والإناث يكن في مرتبة دونية ويتعرضن للاضطهاد والعنف لإخضاعهن، ويمارس ذكر الحيوان سلوك حصار الأنثى لمنعها من التفاعل مع غيره وملازمتها وحبسها لضمان عدم تزاوجها مع غيره، ويسمى هذا السلوك «Guarding-التحفظ/‏‏الحراسة» وإصرار الذكور على هذا السلوك سبب قرب انقراض حيوان «شيطان تسمانيا» لأن مقاومة الأنثى لحبسه لها بالبيت/‏‏الجحر أدى لانتشار مرض قاتل «DFTD» ناتج عن جراح قتال الإناث مع الذكور ليتحررن من حبس حرياتهن بالبيوت! وغالباً الذكر يتخذ زوجات عدة، ويمكن معرفة لماذا النساء لا يرحبن بمصطلح «حريم» بمطالعة أي برنامج وثائقي غربي عن عالم الحيوان حيث يستعمل مصطلح «حريم-Harem» العربي كتسمية علمية بالإنجليزية من قبل علماء الحيوان الغربيين لوصف مجموعة زوجات الحيوان المهيمن، ولذا كلما تباعد الإنسان عن الطبيعة الحيوانية الغرائزية البدائية عبر التحضر والحداثة كلما تباعد عن النمط الغرائزي لاضطهاد الإناث وعدم المساواة والعنف الأسري واستبدلها بالمثاليات العليا للعدل بالمساواة من كل وجه بالماهية الإنسانية والكرامة والمكانة والحقوق والحريات؛ ولذا المجتمع الذي يضطهد النساء يقول شيئاً بالغ السوء عن رجال ذلك المجتمع، وأنهم ما زالوا عالقين بالمستوى الغرائزي البدائي المشترك مع الحيوانات ولم يرتقوا عنه، وكل الظواهر الأخرى السلبية المدمرة لاستقرار وأمان ورفاه المجتمعات التي تصاحب سيادة المنظومة التي تضطهد النساء هي مرتبطة بالنزعات السلوكية الغرائزية البدائية التي تمجدها الثقافة التقليدية وتقولب أبناء المجتمع عليها وتعتبرها الصواب وما عداها خطأ، فتمجد سلوكيات العنتريات/‏‏المرجلة الفوضوية التي وراء ظواهر الإرهاب والعنف الاجتماعي واضطهاد النساء والعنف الأسري والسلوكيات الهمجية غير المتحضرة، وهذا الفارق بين آثار الثقافة الرجعية الموروثة من عصور الطفولة العقلية والنفسية للبشرية وبين الثقافة المعاصرة الحديثة على سلوك الإنسان، والإنسان عليه واجب تمحيص مضمون المنظومات الثقافية والأخلاقية، وعدم اعتبار كل الموروث مقدساً، فالموروث هو نتاج أهواء صنّاعه، وشوّه وحرّف المقدس كما شوّه وحرّف مفهوم الأخلاق، وجعل اضطهاد النساء شرفاً يتم الافتخار به كعنتريات/‏‏مرجلة بينما هو عار يفضح المستوى الغرائزي البدائي لأصاحبه.