كتاب ومقالات

هل يلغي سوق العمل شهادة البكالوريوس وما بعدها ؟

عبداللطيف الضويحي

ليس هناك حدودٌ قاطعةٌ تفصلُ ما بين «النظرية الأولى» التي تنادي بربط مخرجات التعليم بسوق العمل، مقابل «النظرية الثانية» التي ترى أن التعليم هو غاية بذاته، حتى عندما يُوظف لغايات أخرى سواء في سوق العمل أو لغيره. نحن إذاً أمام سؤال فلسفي: هل التعليم غاية وهدف أم أنه وسيلة لتحقيق غايات أخرى؟

بصرف النظر عن إجابة هذا السؤال، هناك متغيرات فرضتها معطيات جديدة في تشكيل مفاهيم ومرجعيات جديدة لمتطلبات سوق العمل. هذه المفاهيم والمرجعيات جعلت من التعليم أحد معايير وشروط سوق العمل وليس كلها كما كان في ما مضى.

فالعاطلون أصبحوا مطالبين غالباً بمهارات وقدرات لا توفرها لهم تخصصاتهم التعليمية الأساسية في الدبلومات أو البكالوريوس أو في ما بعدها. ولكي يحصلوا على فرصة التوظيف بالنسبة للعاطلين أو للاستمرار بالنسبة لمن هم على رأس العمل سواء القطاع العام أو الخاص، أصبحوا مطالبين باكتساب هذه المهارات والقدرات التي غالباً تتوفر في تخصصات ومجالات ليست من تخصصاتهم ومجالاتهم.

هذا التوجه فرض في أوساط العاطلين على ما يبدو وحتى في أوساط العاملين نوعاً من الإحجام والتوقف عن التعليم لما بعد الدبلوم والبكالوريوس في كل تخصص من التخصصات المهنية، وفي المقابل تمت الاستعاضة عن التعمق والتوسع التخصصي للموظف، بأخذ المزيد من الدبلومات في مجالات وتخصصات أخرى. فهناك من يحمل ثلاثة وربما أربعة دبلومات في تخصصات مختلفة لكنها من وجهة نظر سوق العمل ذات صلة ومطلوبة، لما توفره من اكتساب مهارات وقدرات متصلة، بحيث تشفع للعاطل بدخول سوق العمل من ناحية، وتمكّن من هو على رأس العمل من البقاء صامداً في وجه المنافسة المحتدمة والاستمرار في صعود سلم الترقيات في العمل.

وإذا ما سلمنا بأن المؤشرات حتى الآن تجزم بأن سوق العمل هو الحكم والمتحكم بمخرجات التعليم حاضراً ومستقبلاً، فقد لا يكون من المبالغة القول بأننا أمام صياغة جديدة للتخصصات بما يشتمل على كافة المهارات والقدرات الأساسية والمساعدة بما يمكّن كل متخصص من تخصصه بجانب المهارات والقدرات الضرورية لها في برنامج الدبلوم والبكالوريوس التي يدرسها.

والاحتمال الآخر، هو أننا سنشهد توسعاً أفقياً بالتأهيل الأفقي من خلال عدد من الدبلومات في عدد من التخصصات لكل موظف، بدلاً من البكالوريوس والماجستير في التخصص ذاته. وهذا سيأتي على حساب التأهيل الرأسي، مما سينعكس على المدى المتوسط والبعيد على التوسع ببرامج الدبلومات الفنية والمهنية والتقنية وانحسار كبير ببرامج البكالوريوس والدراسات العليا.

فهل نحن أمام «نظرية ثالثة» جديدة تنسف النظريتين الأولى والثانية، وهي أن سوق العمل هو الذي يصنع التعليم والسياسات التعليمية وليس فقط التحكم بمخرجاته؟ وهل يترجل التعليم عن قيادة قاطرة التنمية في هذه الحالة؟