أخبار

إبراهيم مفتاح: في طفولتي أختلي بكأس ماء تحت بطانية مهترئة !

«فرسان» تفطر وتتسحر على مدفع جازان

إبراهيم مفتاح

علي الرباعي (فرسان) Al_ARobai@



من شاعرية عُليا، وسردية فاتنة، وتاريخية تجمع الشعبي بالنخبوي والفتنازي؛ تغذت وغذّت شخصية الأيقونة الفرسانية إبراهيم مفتاح، الشاعر المؤرخ الراصد العبقري، وبحكم ثراء التجربة سامرناه؛ وهنا نص مسامرتنا معه:

• ماذا يعني لكم رمضان؟

•• كما هو عند كل المؤمنين، صفاء روحي، وطمأنينة نفسية، وقُرب من الله أكثر.

• ما الذي في ذاكرتك عن أول رمضان تصومه؟

•• أتذكّر شقاوة الطفولة، عندما كنتُ أوهم أسرتي ؛ والآخرين بأني صائم، ثم أغافل مَنْ يكبرونني سناً، وأختلي بكأس من ماء (الشِّراب) الفخارية، المُبردة، قبل زمن الثلاجات، ثم أدفن جسدي تحت بطانيتي المُهترئة، وأُكرر ذلك أكثر من مرة في نهار رمضان، خصوصا في المناخ الصيفي الحار، وأول رمضان أصومه في مرحلة الطفولة، نتج عن تحدٍ بيني وبين إحدى قريباتي؛ المُماثلة لي في العمر، وكان ذلك انتصارا على نفسي الأمّارة بالفطر، وكان ذلك اليوم منطلقاً لإتمام الصيام لما تبقى من الشهر.

• كيف كانت تصوم وتفطر وتتسحر فرسان؟

•• في بدايات حياتي؛ لم تكن هناك ساعات، إلا مع عدد محدود لدى وجهاء فرسان، وأذكر أن تلك الساعات؛ كانت (ساعات جيب) من ماركة (راسكوف) لكن لم نعتمد عليها لندرتها، والأجواء كانت هادئة، فلا زمجرة سيارات، ولا أزيز مكيفات، فكنا نسمع مدفع السحور، ومدفع الإفطار ؛ الذي يُطلق في مدينة جازان، فنفطر ونتسحر مع طلقاته، وكان في فرسان مؤذن جهوري الصوت، دقيق التوقيت، فينثر صوته، من فوق مئذنة المسجد، في الأفق ساعة الغروب، ثم ساعة السحر، و وقت السحور يصيح بأعلى صوته (تسحروا غفر الله لنا ولكم فقد قَرُب الصباح).

أشعب الطماع

• ما الشخصية الرمضانية الساكنة ذاكرتك؟

•• أذكر شيخاً طاعناً في السن، يتكئ على عتبة أحد شبابيك المسجد، المجاور لمنزلنا، ويظل يتلو القرآن ؛ من بعد الظهر إلى المغرب، ومن السحر لوقت الفجر، ويأتيه فطوره وسحوره؛ من جيران المسجد، كنتُ أحبه، لأنه رجل صالح.

• ماذا تقرأ في رمضان؟

•• السؤال تقليدي، فمعظم الصائمين يعكفون على قراءة القرآن، وأنا أحدهم، ولكني أنوّع قراءاتي بما تغريني به كتب مكتبتي.

• ما الطبق الأثير على مائدة الإفطار؟

•• هناك حكاية لطيفة، تُروى عن (أشعب الطماع) الذي طلب منه الخليفة أن يحكم بين أنواع عدة، من الأطعمة، فكان يأكل منها جميعاً بشراهة، وعندما انتهى طلب منه الخليفة الحُكم، فقال؛ يا مولاي كلما أردتُ أن أحكم لنوعٍ ؛ أدلى الآخر بحجته؛ وهذا حالي مع أطعمة مائدة رمضان.

• هل تحرص على متابعة برنامج تلفزيوني ؟

•• رحم الله العلامة الشيخ علي الطنطاوي، الذي كان يجذبني وغيري لمتابعة ؛ برنامج (على مائدة الإفطار) ولا زلتُ أتابعُ حلقاته المُعادة، على (قناة ذكريات) وحلقات لقاء مع الشيخ محمد متولي الشعراوي.

هؤلاء في مائدتي

• من تدعو للإفطار معكم؟

•• ليس لديّ شخص معين أدعوه للإفطار ؛ لأني أحب الإفطار مع عائلتي (رجالاً ونساء)، ولكن هذا لا يمنع من دعوة بعض الأصدقاء المغتربين عن أسرهم وذويهم ممن يعملون في وظائف بمحافظة فرسان.

• ما الذي تفتقده في رمضان هذا العام؟

•• كنا بعد الإفطار ؛ إلى زمن قريب، نلتقي عند أحد الأصدقاء ؛ ونتبادل الأحاديث الودية، ونشرب القهوة، إلا أن هذه العادة، انقطعت بحكم ظروف ومقتضيات الحياة، فمنا من سافر، والبعض سار لرحمة الله، والبعض نال منه التقدم في السن أو المرض، لكن التواصل قائم بيننا.

• ما الذي تود التزام الناس به؟

•• الناس في رمضان أقرب لله، وهذا ما أتمنى استمرارهم فيه.

• أي عمل تلفزيوني عصيٌّ على النسيان ؟

•• أعتقد أن حلقات (طاش ما طاش) لن تُنسى، كونها تركت بصمات عميقة ؛ في ذاكرات المشاهدين، وأظنها تعود هذا العام.

• هل يتقاعد المثقف؟

•• لا، الثقافة إدمان إيجابي، (إن جاز التعبير) والمثقف (لا يتوب) ما دام قادراً على العطاء، إلا لظروف الإصابة بما يؤثر على قدراته، العقلية، والوجدانية، بينما الجسدية يمكن الاستعانة بآخرين، والثقافة عنصر متجدد، ما دام الطاقة العقلية والفكرية والنفسية ونعمة البصيرة تؤهل لاقتحام ساحة الثقافة.

المحاكاة والتبعية

• أين تضع القصيدة السعودية بين التجارب العربية؟

•• ليس عندي مقياس دقيق، لتصنيف قصيدتنا، لكن الشعراء السعوديين تجاوزوا التبعية والتقليدية والمحاكاة، ولدينا عدد كبير من الشعراء كسروا زجاجة السائد والمألوف، بتنويع الشكل والمضمون، وهذا ليس بغريب، في ظل اهتمام الجهات المسؤولة عن الثقافة بشكلٍ عام، والقصيدة إحدى روافد الثقافة في وطننا، وليس أدل على ذلك من إثبات، الشاعر السعودي؛ حضوره، في ساحة الشعر العربي ؛ كما شهدتُ وشاهدتُ في ملتقى فرسان الشعري الثاني، الذي نفذت فعالياته في العشر الأول من شهر مارس 2023. وضم شعراء من جنسيات خليجية وعربية، ونجح نجاحاً منقطع النظير، على مستوى تنظيمه وإدارته، وترك صدىً إعلاميا كبيراً وشاهقاً بحجم وقامات من شاركوا فيه مع الشعراء السعوديين.

• لماذا يغلب التكرار ؛ على كلمات الأغاني ومواضيع المسلسلات؟

•• هذه مرحلة (في ظني) لا مناص من المرور بها، لأن كُتّاب الأغنية، والمسلسلات، والمغنين والممثلين ولسوء حظهم ؛ أنهم جاءوا إثر عصر العمالقة، من ذوي الأعمال الخالدة، فحاولوا الخروج من عباءاتهم، ولكنهم لم يوفقوا ؛ إضافةً إلى الافتتان بما تقذفه الأمم الأخرى في هذا المجال، والوقوع في أسر التقليد، لأعمال غيرنا، فلم نستطع أن نكون امتداداً للعمالقة - مع الأخذ في الحسبان، العملية التطويرية المرتبطة بالجذور- ولا نحن أتقنا تقليد الآخرين، فكانت النتيجة التدني الذي نشهده، ولعل جيلاً يأتي قريبًا ؛ ليعيد التوازن ويقدم شخصيات متميزة.

مجاملة غير الموهوبين

• كيف ترى تقديم مسلسلات تاريخية في رمضان؟

•• يقولون ؛ إرضاء الناس غاية لا تُدرك، ومع أني غير متابع دقيق لهذه الأعمال، إلا أن الذي أعرفه، أن أكثرها تعرض للنقد، لعدم دقة الوقائع، ولتدني المستوى، وهذا ما يجب إعادة النظر فيه، مع إيماني باستحالة الكمال، فالكمال لله وحده.

• متى يتجاوز الشاعر نفسه؟

•• هذه مسألة شخصية، تعود إلى الشاعر نفسه، إذا استطاع أن يقيّم أعماله تقييماً موضوعياً، وتكون له عين ناقدة، فالبعض يفتتن بما كتب، ما يحول بينه وبين تطوير تجربته.

• هل تُقحم المجاملة غير الموهوبين على الفنون؟

- للأسف. وهذه موضة سائدة.