عادل حدجامي: المواطنة سبب العدالة والسعادة
الأحد / 11 / رمضان / 1444 هـ الاحد 02 أبريل 2023 20:41
عرض: علي الرباعي Al_ARobai@
يُعيد قانونيون، فكرة (الدولة القوميّة الحديثة) إلى القرن الثامن عشر، وتجلّت في عدد من النصوص، منها نص (فولتير) «رسالة في الأخلاق وروح الأمم» ولم تصغ صياغتها الأوضح؛ إلّا في القرن التاسع عشر، وأشهرها؛ قدّمها (إرنيست رينان) في محاضرة بعنوان: «ما هي الأمَّة»؟ أو «ما معنى أمَّة؟ ألقاها عام 1882، وعدّ (رينان) «القوميّة» روحاً «تنعكس في اللغة والدين والمصالح المشتركة والقناعات والقيم».
ويرى المفكر المغربي الدكتور عادل حدجامي؛ أن لعلَّ من أشهر «المسكوكات» الفلسفيَّة تعريف أرسطو للإنسان بكونه الحيوان المدني، فإنسانيَّة الإنسان عند الفيلسوف تبقى مرهونة بانتمائه للمدينة، أي بمدى قدرته على الانخراط في «قدر جماعي»، لهذا كان ذلك الذي يعجز عن العيش في الجماعة، أو الذي يكون في غنية عنها، بسبب من اكتفائه بذاته، لا ينتمي للمدينة، فهو إمّا وحش (الحالة الأولى)، أو إله (الحالة الثانية).
لافتاً إلى أن المدن عند (أرسطو) تلتقي في غاية واحدة هي محاولة «تدبير التعدّد»، أي تدبير الاختلافات، بل والتناقضات، فهي عنده أقرب إلى البنية منها إلى الوحدة.
وأوضح أن أنواع النظم ثلاثة؛ أوَّلها «وحيدة المرجع والسلطة»، وثانيها الأرستقراطيَّة التي يهيمن عليها «حكم الأفاضل»، وثالثها «المدينيَّة» التي تحكمها الأغلبيَّة العدديَّة باعتماد مبدأ التمثيليَّة، مشيراً إلى أنَّ التاريخ يعلّمنا أنَّ هذه المدن والنظم قادرة على التحقق والاستمرار فعلاً، ومهدَّدة بأن تمرض وتتفسَّخ، وعلّة مرضها هذا تأتيها من عنصر واحد، وهو عجزها عن حفظ «التوافق» بين تناقضاتها، وبالتالي عجزها عن الوفاء بشرائط المرجع الذي اعتمدته أساساً لها، وربما تتحول إلى مدن يطغى فيها الفرد الواحد (في النموذج الأوَّل) أو تستبدّ بها الجماعة الواحدة (في النموذج الثاني)، أو تهيمن عليها الطباع البهيميَّة للحشود (في النموذج الثالث).
ويؤكد، أنَّ هذه المدن تظلّ كلها، من حيث المبدأ، حائزة للشرعيَّة إن استطاعت أن تحفظ عافيتها، وهي لن تستطيع حفظ هذه العافية إلّا متى حققت شروطاً ورفعت موانع، وهي شروط وموانع منها ما هو موضوعي يمسّ الأصل والإمكان (وجود دستور وتعاقد عاصم من الفوضى)، ومنها ما هو وليد حسن التدبير والفطنة، (الاهتداء إلى الأخيار في القيادة)، وهذا أمر أساسي في السياسة، إذ لكي تستمر المدينة ينبغي على من يقود أن يكون محققاً لقدر من النبالة السياسيَّة والفكريَّة، وفق تصوُّر الفضيلة الذي سقناه أعلاه.
وأبدى حدجامي؛ تحفظه على مبدأ (يورغن هابرماس)، الذي يرى أنه لا إمكان لاتقاء العنصرية والتعصب؛ إلّا بالتخلي عن مفاهيم الأصل والعرق وما إليها في تحديد معنى المواطنة، إذ إنَّ المرجع الوحيد الذي يمكن الركون إليه لاتقاء كلّ هذا هو «الدستور»، فوحدها «المواطنة الدستوريَّة» تعصمنا من الأوهام التي تخلقها هذه المفاهيم الملتبسة؛ كون (هابرماس) حاول التخلص من العنصرية؛ فنفى (الدولة القومية).
وتساءل حدجامي؛ هل نحن هنا أمام تصوُّر أخلاقي عن الإنسان والمدينة؟
ويجيب؛ نعم، شريطة أن نفهم أنَّها أخلاق في إطار رؤية متواطئة من كلّ الجهات، فإذا كانت المدينة هي ما يحدّد إنسانيَّة الإنسان، فإنَّ هذه المدينة لا ترتد، حين نحللها، إلّا إلى وحدة أخيرة هي هذا الإنسان عينه، أي المواطن، إذ لا وجود لأيّ معيار «فوق» إنساني يمكن الاستناد إليه في تحديد معنى أيّ منهما. في هذا السياق وحده، ووفق هذا التصوُّر حصراً، ينبغي أن نفسّر ارتباط السياسة بالأخلاق عند أرسطو، وأسبقيَّة «الأخلاق النيقوماخيَّة» و«الأوديميَّة» على كتاب السياسة ودساتير اليونان عنده. مضيفاً، أنَّ الغاية الأخيرة لأرسطو تتمثل في البحث عن «التوافق»، وربَّما «التناغم»، إلا أنه توافق بين اختلافات؛ يحيل على مكوّناته في ترابطها، ويتحقّق بين مدينة ومواطنين لا يكونان إلّا ببعضهما بعضاً.
وكشف؛ أنه ليس هناك أيّ إمكان لـ«تدبير المتوحّد» عند أرسطو كما تقدَّم، فالإنسان من حيث هو الكائن الناطق الحر المدني، كائن نشأ في المدينة، إذ لا إمكان للحديث مطلقاً عن أيَّة هويَّة أُولى في الإنسان، تكون سابقة في الاعتبار على المدينة. ولأنَّ المدينة سابقة على الفرد، حتى يتوطّن، زمانياً واعتبارياً، فمن العبث البحث عن السعادة بعيداً عنها، أي بعيداً عن المواطنة، فالإنسان السعيد هو بالضرورة مواطن.
وذهب إلى أن (أرسطو) يقرّر بألّا وجود لما هو العادل بـ«إطلاق»، إذ ينبغي علينا ألّا نصدّق أيّ دستور يقدّم نفسه باعتباره «عادلاً» في ذاته، بل إنَّه لا يمكننا حتى أن نفاضل «أخلاقياً» بين الدساتير، في مجموعها، فكلها تملك حجيَّة قياساً إلى مسلّماتها، غاية ما قد نبلغه هو أن نفاضل بينها في مدى قدرتها على تحقيق «أكبر قدر ممكن من الخير والصالح العام»، لهذا كانت الدساتير متعدّدة، وكانت المدن متعدّدة بتعدُّد الدساتير، وكان النظر في السياسة يقتضي النظر في هذه الدساتير عينها لتصنيفها وترتيبها، وفي سياق هذا التصوُّر فقط يمكن أن نتحدَّث عن «العدالة».
ويرى المفكر المغربي الدكتور عادل حدجامي؛ أن لعلَّ من أشهر «المسكوكات» الفلسفيَّة تعريف أرسطو للإنسان بكونه الحيوان المدني، فإنسانيَّة الإنسان عند الفيلسوف تبقى مرهونة بانتمائه للمدينة، أي بمدى قدرته على الانخراط في «قدر جماعي»، لهذا كان ذلك الذي يعجز عن العيش في الجماعة، أو الذي يكون في غنية عنها، بسبب من اكتفائه بذاته، لا ينتمي للمدينة، فهو إمّا وحش (الحالة الأولى)، أو إله (الحالة الثانية).
لافتاً إلى أن المدن عند (أرسطو) تلتقي في غاية واحدة هي محاولة «تدبير التعدّد»، أي تدبير الاختلافات، بل والتناقضات، فهي عنده أقرب إلى البنية منها إلى الوحدة.
وأوضح أن أنواع النظم ثلاثة؛ أوَّلها «وحيدة المرجع والسلطة»، وثانيها الأرستقراطيَّة التي يهيمن عليها «حكم الأفاضل»، وثالثها «المدينيَّة» التي تحكمها الأغلبيَّة العدديَّة باعتماد مبدأ التمثيليَّة، مشيراً إلى أنَّ التاريخ يعلّمنا أنَّ هذه المدن والنظم قادرة على التحقق والاستمرار فعلاً، ومهدَّدة بأن تمرض وتتفسَّخ، وعلّة مرضها هذا تأتيها من عنصر واحد، وهو عجزها عن حفظ «التوافق» بين تناقضاتها، وبالتالي عجزها عن الوفاء بشرائط المرجع الذي اعتمدته أساساً لها، وربما تتحول إلى مدن يطغى فيها الفرد الواحد (في النموذج الأوَّل) أو تستبدّ بها الجماعة الواحدة (في النموذج الثاني)، أو تهيمن عليها الطباع البهيميَّة للحشود (في النموذج الثالث).
ويؤكد، أنَّ هذه المدن تظلّ كلها، من حيث المبدأ، حائزة للشرعيَّة إن استطاعت أن تحفظ عافيتها، وهي لن تستطيع حفظ هذه العافية إلّا متى حققت شروطاً ورفعت موانع، وهي شروط وموانع منها ما هو موضوعي يمسّ الأصل والإمكان (وجود دستور وتعاقد عاصم من الفوضى)، ومنها ما هو وليد حسن التدبير والفطنة، (الاهتداء إلى الأخيار في القيادة)، وهذا أمر أساسي في السياسة، إذ لكي تستمر المدينة ينبغي على من يقود أن يكون محققاً لقدر من النبالة السياسيَّة والفكريَّة، وفق تصوُّر الفضيلة الذي سقناه أعلاه.
وأبدى حدجامي؛ تحفظه على مبدأ (يورغن هابرماس)، الذي يرى أنه لا إمكان لاتقاء العنصرية والتعصب؛ إلّا بالتخلي عن مفاهيم الأصل والعرق وما إليها في تحديد معنى المواطنة، إذ إنَّ المرجع الوحيد الذي يمكن الركون إليه لاتقاء كلّ هذا هو «الدستور»، فوحدها «المواطنة الدستوريَّة» تعصمنا من الأوهام التي تخلقها هذه المفاهيم الملتبسة؛ كون (هابرماس) حاول التخلص من العنصرية؛ فنفى (الدولة القومية).
وتساءل حدجامي؛ هل نحن هنا أمام تصوُّر أخلاقي عن الإنسان والمدينة؟
ويجيب؛ نعم، شريطة أن نفهم أنَّها أخلاق في إطار رؤية متواطئة من كلّ الجهات، فإذا كانت المدينة هي ما يحدّد إنسانيَّة الإنسان، فإنَّ هذه المدينة لا ترتد، حين نحللها، إلّا إلى وحدة أخيرة هي هذا الإنسان عينه، أي المواطن، إذ لا وجود لأيّ معيار «فوق» إنساني يمكن الاستناد إليه في تحديد معنى أيّ منهما. في هذا السياق وحده، ووفق هذا التصوُّر حصراً، ينبغي أن نفسّر ارتباط السياسة بالأخلاق عند أرسطو، وأسبقيَّة «الأخلاق النيقوماخيَّة» و«الأوديميَّة» على كتاب السياسة ودساتير اليونان عنده. مضيفاً، أنَّ الغاية الأخيرة لأرسطو تتمثل في البحث عن «التوافق»، وربَّما «التناغم»، إلا أنه توافق بين اختلافات؛ يحيل على مكوّناته في ترابطها، ويتحقّق بين مدينة ومواطنين لا يكونان إلّا ببعضهما بعضاً.
وكشف؛ أنه ليس هناك أيّ إمكان لـ«تدبير المتوحّد» عند أرسطو كما تقدَّم، فالإنسان من حيث هو الكائن الناطق الحر المدني، كائن نشأ في المدينة، إذ لا إمكان للحديث مطلقاً عن أيَّة هويَّة أُولى في الإنسان، تكون سابقة في الاعتبار على المدينة. ولأنَّ المدينة سابقة على الفرد، حتى يتوطّن، زمانياً واعتبارياً، فمن العبث البحث عن السعادة بعيداً عنها، أي بعيداً عن المواطنة، فالإنسان السعيد هو بالضرورة مواطن.
وذهب إلى أن (أرسطو) يقرّر بألّا وجود لما هو العادل بـ«إطلاق»، إذ ينبغي علينا ألّا نصدّق أيّ دستور يقدّم نفسه باعتباره «عادلاً» في ذاته، بل إنَّه لا يمكننا حتى أن نفاضل «أخلاقياً» بين الدساتير، في مجموعها، فكلها تملك حجيَّة قياساً إلى مسلّماتها، غاية ما قد نبلغه هو أن نفاضل بينها في مدى قدرتها على تحقيق «أكبر قدر ممكن من الخير والصالح العام»، لهذا كانت الدساتير متعدّدة، وكانت المدن متعدّدة بتعدُّد الدساتير، وكان النظر في السياسة يقتضي النظر في هذه الدساتير عينها لتصنيفها وترتيبها، وفي سياق هذا التصوُّر فقط يمكن أن نتحدَّث عن «العدالة».