كتاب ومقالات

شعوب سعيدة وأسبابها !

حسين شبكشي

السعادة هي هدف للملايين من البشر حول العالم يسعون لأجلها ويعملون ليلاً ونهاراً للوصول إليها، وتبقى دائماً تجارب بعض الشعوب الناجحة في الوصول إليها مثار فضول ودهشة وإعجاب.

وفي آخر استطلاعات الرأي الدولية التي تتابع معدلات جودة الحياة ومؤشرات السعادة لشعوب العالم، حصل الشعب الفنلندني على لقب أكثر شعوب العالم سعادة. ولم تكن تلك الأنباء مفاجأة لأي أحد، فلقد بات من المتوقع أن يتم تداول هذا اللقب بين الشعوب الأسكندنافية، فنلندا والدنمارك والسويد والنرويج. ولقد حولت هذه الشعوب «ثقافتهم السعيدة» إلى منهجية تصدّر للغير ويتم تدريسها كي يستفيدوا منها ويتبعونها.

فنلندا لديها تعريفها الخاص لثقافة السعادة فيها وأطلقت عليها مسمى: «سيو» وهي ثقافة تعتمد على «التواصل» مع الطبيعة بشكل أعمق مثل السباحة في البرد الشديد والشتاء والحركة عوضاً عن الدواء والتشافي بالتمشية في الغابات واستنشاق الهواء النقي فيها والأكل الصحي من منتجاتها البرية وهذه العادات ستولد شجاعة وثقة بالنفس وإصراراً على النجاح في أصعب الظروف وذلك بحسب قناعة الفنلنديين أنفسهم بذلك.

وتم تعميق وتأصيل هذه «الثقافات السعيدة» بعلامات مميزة وسمات فارقة. فثقافة السعادة في الدنمارك أسمها: هايغ وهي مستمدة من كلمة هاغ التي تعني «حضن» باللغة الإنجليزية وهي ثقافة تعنى باحتضان اللحظات الجميلة والمميزة والاستمتاع بها إلى أقصى حد مثل التمتع بقطعة من الحلوى اللذيذة وعدم قراءة البريد الإلكتروني الخاص بالعمل، وفنجان القهوة الصباحي، والعشاء مع الأصحاب، وتناول الآيسكريم وغيرها من الأمثال الصغيرة المبهجة التي تملأ حياتنا اليومية.

السويد هي الأخرى لديها ثقافتها الخاصة بالسعادة واسمها: «لاجوم» ويعرفها السويديون بأنها تعني: «ليس قليلاً وليس كثيراً، الكم المناسب المحدد» وهم يعتبرون ذلك «فن الحياة لمعيشة متوازنة أهدأ بدون إزعاج». وهي أساساً تعنى بتهدئة إيقاع الحياة السريع الذي يجيء بالقلق والضغط والتوتر والتركيز بدقة على اللحظة الحالية لجلب أكبر قدر من السعادة منها وعدم القلق في التفكير فيما هو آتٍ بعدها.

أما النرويجيون فلديهم مسمى آخر لثقافة السعادة الخاصة بهم وهي: (كوسيليج) والمعنى الأقرب لها هو القرب والدفء والهناء، وبالتالي «أفعل» كل ما يجعلك تشعر بذلك، فالمقاهي هناك في النرويج في الشهور الشتوية الباردة جداً يقومون بتوفير الغطاء الصوفي وإشعال الشموع وتقديم المشروبات الدافئة لزوارهم لكي يشعروا بـ«كوسيليج». ولذلك باتت إحدى أشهر السلع التي اشتهرت بها النرويج سترات البرد الواقية المعروفة باسم «الكنزة» في اللجهة الدارجة العربية وهي الأكثر دفئاً حول العالم بصوفها الغزير وألوانها الدافئة التي تبعث على الابتسامة قبل ارتدائها.

هذه الشعوب سعيدة وفرحة ومرحة وتعيش للاستمتاع بكل لحظة من لحظات الحياة. كذبوا علينا وأوهمونا وقالوا لنا إنهم شعوب تعيسة وأكثر شعوب العالم انتحاراً واكتئاباً، هذا غير صحيح، هم شعوب محبة للسلام (جائزة نوبل من عندهم) منحوا للعالم فرقة «آبا» الموسيقية من السويد لكل الأرض وأغانيها حتى اليوم منتشرة حول العالم، منحوا العالم شركة أثاث بسيطة من السويد غيّرت مفهوم الأثاث المنزلي، أيضا الدنمارك قدمت للعالم أبسط شركة ألعاب وهي مكعبات «ليغو» لأجيال تلو أجيال من السعادة، وقدمت فنلندا «السونا» للراحة والخلاص من سموم الجسد. فلا عجب أن يتم اختيار الشعوب الأسكندنافية بالتوالي أسعد شعوب الأرض، فهم سعداء وحريصون على تأصيل السعادة كثقافة وتصديرها للغير، وهذا بحد ذاته مفهوم عملي لحب الخير للغير.