كتاب ومقالات

استكانة التضرع عجائب ذِكر.. عظائم أجر

رشيد البيضاني

د. رشيد بن حويل البيضاني كاتب سعودي RAlbaidhani@

معانقة الذِكرتعمير مملكة القلوب وتوطين راحة الأرواح

حصن الأمان

كنز ثمين لا يعرف قيمته إلا الشغوف بالذكر

فقدان الأذكار

عيش على أبواب التيه وحرمان من الأمان

عَبَق الدعاء

إنارة مقامات الروح الهادئة والقلوب الحامدة

قيل: إن «تعظيم شعائر الله صادر من تقوى القلوب، فالمُعظِّم لها يبرهن على تقواه وصحة إيمانه»، قاله الشيخ عبدالرحمن السعدي.. وأقول: الدعاء والذكر بتضرع واستكانة أحد وجوه إجلال الله، فيكونان محمودين إذا تحقق فيها التعظيم، ويكونان منقوصين إذا غاب عنهما.. إذن.. ما منزلة الذِكر والدعاء وفضلهما؟، وما أرفع الأذكار وأجلها وأكملها؟، وكيف نُملئ قلوبنا محبة لخالقها بملازمة الذِكر؟.

•• •• ••

حين يعانق الدعاء والذِكر أوقاتنا، ونقسِّم أجندة يومياتنا معهما؛ سنُعمِّر مملكة قلوبنا، وتتحقق أمانينا، وتستوطن أرواحنا هبَّات من راحة البال.. وعندما يُعمِّر العابد حياته بالتضرع والابتهال لله سبحانه؛ سيكونان سبباً في التعجيل له بالتوبة والاستغفار، فيعصماه من الوقوع في المعصية.. ولذلك؛ من يُرد حياة قلبه وطمأنينته، وزوال قلقه واضطرابه، وإقبال هدوئه وارتياحه؛ فليكن دأبه الذِكر (ألا بذكر الله تطمئن القلوب).

•• •• ••

بين حِصن الأمان «الذِكر»، وهدية الله «الدعاء»، كنز ثمين لا يعرف أهميته وقيمته إلا من شغف بهما فيتعهدهما بلذة واستبشار.. وبين تجربة حياة «ذاكر» تستحق أن تروى، وتمرُّس جبهة «داعٍ» لخالقه بخنوع؛ نقطة توهج ربانية تُجْلي المؤمن من ملامح الكَدَر.. وبين تشابه ذِكر القلب وتجانسه، وتلاؤم ذِكر اللسان وانسجامه؛ أقوال متناغمة تزيد من الإيمان، وتبعث على المخافة، وتدعو إلى المراقبة.

•• •• ••

في الذِكر والدعاء المقرونين باليقين بالله وقدرته والتوكل عليه؛ جلب لمعيَّة الله ومعونته، وانشراح للصدر وراحته، وإزالة وهن النفس وضعفها.. ومن قول معاذ بن جبل: «ما شيء أنجى من عذاب الله من ذكِر الله»؛ شعور باليقين الكامل لقدرته سبحانه وتعالى.. أما من يعش على أبواب التيه دون ذِكر أو دعاء أو تسبيح؛ فأيامه متشابهة ولا مكان له في حجرات الآمنين.

•• •• ••

وعند كلام ابن القيم: «أفضل أهل كل عمل؛ أكثرهم فيه ذِكراً لله عز وجل»؛ إثبات أن الذِكر يُورث التوبة والإنابة.. وأولئك الملامسون لأدق تفاصيل «الذِكر»، المتماسون مع عَبَق «الدعاء»؛ يشعلون أصابعهم العشرة لإنارة أرواحهم الهادئة، ويتأجج المقام النظيف قلوبهم الحامدة.. فإذا أثقل الوجدان «الدعاء» وهاجم الجَنَان «الذِكر»؛ تحضر المشاهد المؤلمة فتعيش النفس الوجع بكل إربه، وتتحول الأيام إلى مسلسل تبرُّم.