عبدالله المطيري: الدراما تعوّض الذاكرة الشعبية بـ«سفر برلك»
السبت / 24 / رمضان / 1444 هـ السبت 15 أبريل 2023 22:24
عرض: علي الرباعي Al_ARobai@
تساءل رئيس جمعية الفلسفة الدكتور عبدالله المطيري؛ عن سبب عدم تحوّل حكاية حصار المدينة وما ترتب عليه من كوارث إلى ذاكرة شعبية في السعودية؛ كون الحكاية لم تدخل الذاكرة الشعبية بالإشارة للحال التالي: كثير من الناس من جيلي أو ممن بعدهم لم يسمعوا عن هذه الأحداث إلا مؤخراً، وكثير لم يسمع عنها أبداً ومن سمع عنها سمع بشكل عام لا تفصيلي.
وأوضح، أنه يشاهد مسلسل (سفر برلك)، الذي يتطرق للفترة الأخيرة من حكم الدولة العثمانية في المدينة المنورة والشام وغيرها من المناطق، مشيراً إلى أن (سفر برلك) تعني القرار السياسي الذي اتخذته السلطات العثمانية سنة ١٩١٤م؛ بالتجنيد الإجباري لكل المسلمين للمشاركة في الحرب العالمية الأولى، وضمن هذه الأحداث وقع حصار المدينة الشهير، وما ترتب عليه من ترحيل ومجاعات وكوارث إنسانية عصيّة على الحصر. وأكد، أنه لا يتحدث هنا عن المؤرخين ولا ذوي الاهتمام الخاص بالتاريخ، بل عن الوعي الجمعي؛ كون الأحداث الكبرى تصل بالعادة للذاكرة الشعبية بشكل مباشر من خلال الثقافة العامة وتمثلاتها في الآداب والتعليم والإعلام.
ويرى المطيري، أننا بدأنا في الدخول إلى حالة مختلفة بشكل بسيط من خلال أعمال أدبية عن أحداث (سفر برلك) والحصار وبعض المحاضرات التاريخية، إضافة للمسلسل الرمضاني الذي يمثل دخولاً مهماً للفن الجماهيري.
وعده عاملاً أساسياً ومؤثراً في التعاطي مع الذاكرة الشعبية ليولد سؤال: إذن ما الذي حدث مؤخراً ليفتح مثل هذه النوافذ؟ ويجيب؛ بالتأكيد أن الأسباب عدة؛ منها أن النافذة على التاريخ انفرجت عقب تراخي القبضة الأيديولوجية عليه. أقصد بالقبضة الأيديولوجية هنا رؤية غير تاريخية للتاريخ تدفعها مواقف انحياز دينية أو سياسية. وما فعلته هذه القبضة الأيديولوجية هو أنها تحجب الحدث الأول: الجوع والموت والرحيل القسري. الأسر التي مُزقت والذوات التي تم شحنها للمشاركة في حرب لا تعلم عنها شيئاً. فتغطي القبضة الأيديولوجية كل هذا لتُبقي في المشهد ما تراه هي مهماً فقط.
ولفت إلى أنه في حالة «سفر برلك» كان المهم أن الدولة العثمانية كانت دولة الإسلام وأن الخروج عليها كان خروجاً على الحاكم الشرعي، وبالتالي انتقل الحديث لصراعات ثيولوجية تبتعد عما حدث مع كل جملة جديدة يُنطق بها، وهناك في المقابل تاريخ مختلف يتمثل في عودة لما حدث لا لتبريره أو لوضعه في سياق أعم بالضرورة ولكن للاقتراب أولاً مما حدث.
وقال؛ لا يعني هذا بالضرورة أن هذا التاريخ لا علاقة له بالسياسة ولا بالأيديولوجيات، فكل عمل تاريخي مرتبط بالضرورة بكل هذا ولكنه يعني أن هذا التاريخ سابق على كل هذا أو على الأقل أنه يدرك أنه لا يمكن استغراق ما حدث بالتأويلات الأيديولوجية. وبالتالي فهو يتجاوز أهداف الأيديولوجيات كذلك من خلال عمله على العودة للخبرات الأولى وللحكايات في حدوثها الأول قبل أن تكون مفهومة أو ذات دلالة واضحة.
وأضاف؛ هنا يلتقي التاريخ بالفن والفلسفة والأدب. على مستوى التجربة الأولى التي تكشف الشرط الإنساني ومعضلة العيش، وهذه النافذة المختلفة على التاريخ ليست محصورة في المآسي الإنسانية الكبرى كحصار المدينة و«سفر برلك» ولكنها ممتدة للحياة على اتساعها المتجاوز للأطر الأيديولوجية.
ويذهب إلى أنه غدا لدينا تاريخ الفنون والأزياء والكلمات والأطعمة والألوان والنكهات. تاريخ للسامري والدحّة والخطوة والقلطة والعرضة. تاريخ للكبسة والمنتو والهريس وقرص البرّ المدفون في الجمر. تاريخ للشماغ وعصبة الراس وسلالات الإبل. تاريخ للكلمات وللسيول والنباتات والعمران. تاريخ لأغاني البحارة والفلّاحين وتراتيل البدو الرحّل ودموع المتهجّدين. تاريخ للطرق القديمة وللسيارات وللعطور ولتسريحات الشعر ولموضات الشباب وزبرقات السيارات والسياكل. تاريخ للنخيل والسدر والرمث وللأودية والمياه التي حفرتها عبر القرون. تاريخ للعلاجات الشعبية، للسعوط والحلتين والمرّة. للكوي والأساطير الشعبية التي حملت معها آمال الشفاء. تاريخ لتهاويد الأطفال ونداءات الباعة. تاريخ لبلل السقّاء وليد الحطّاب ولأقدام الفلّاح وحسابات الدكاكين.
مؤكداً أن في كل هذا تتحقق الحياة السابقة وتنجح في فلترة الأيديولوجيا، لتعيش الذاكرة الشعبية وما يدخل فيها من تصور الناس لذواتهم وحياتهم وعلاقتهم بالأرض والناس الذين سبقوهم عليها.
مبدياً ملاحظة على انفراجات بسيطة في هذه النوافذ على التاريخ ويبدو أننا معها بحاجة إلى مساحة أوسع للدراسات التاريخية المنطلقة من تصورات واسعة للإنسان والحياة والوجود البشري. دراسات تتجاوز السرد الموجّه للأحداث السياسية إلى الحياة بمعناها الأوسع. كون لمثل هذا التاريخ أثر مهم في علاقة المجتمع بالطبيعة والتاريخ والأرض. هذه العلاقة التي يُراهن عليها في تقوية أواصر الانتماء والحب والعطاء كما أنها كفيلة بالعمل في الاتجاه المضاد لنزعات الانحيازات الذاتية والانغلاقات العنصرية والعصبية.
كما في هذه المساحات من التاريخ مشترك إنساني جوهري يعوّل عليه كثير للترحيب بزوار هذه الأرض الجدد سواء من الزوّار أو من الأجيال الجديدة التي تولد كل يوم. ومن مهمات كل جيل أن يرحّب بالقادمين الجدد، وليس الترحيب إلّا أن تكون الذات صلة بين القادم الجديد والمكان بكل ما فيه من حكايات وتاريخ.
وأوضح، أنه يشاهد مسلسل (سفر برلك)، الذي يتطرق للفترة الأخيرة من حكم الدولة العثمانية في المدينة المنورة والشام وغيرها من المناطق، مشيراً إلى أن (سفر برلك) تعني القرار السياسي الذي اتخذته السلطات العثمانية سنة ١٩١٤م؛ بالتجنيد الإجباري لكل المسلمين للمشاركة في الحرب العالمية الأولى، وضمن هذه الأحداث وقع حصار المدينة الشهير، وما ترتب عليه من ترحيل ومجاعات وكوارث إنسانية عصيّة على الحصر. وأكد، أنه لا يتحدث هنا عن المؤرخين ولا ذوي الاهتمام الخاص بالتاريخ، بل عن الوعي الجمعي؛ كون الأحداث الكبرى تصل بالعادة للذاكرة الشعبية بشكل مباشر من خلال الثقافة العامة وتمثلاتها في الآداب والتعليم والإعلام.
ويرى المطيري، أننا بدأنا في الدخول إلى حالة مختلفة بشكل بسيط من خلال أعمال أدبية عن أحداث (سفر برلك) والحصار وبعض المحاضرات التاريخية، إضافة للمسلسل الرمضاني الذي يمثل دخولاً مهماً للفن الجماهيري.
وعده عاملاً أساسياً ومؤثراً في التعاطي مع الذاكرة الشعبية ليولد سؤال: إذن ما الذي حدث مؤخراً ليفتح مثل هذه النوافذ؟ ويجيب؛ بالتأكيد أن الأسباب عدة؛ منها أن النافذة على التاريخ انفرجت عقب تراخي القبضة الأيديولوجية عليه. أقصد بالقبضة الأيديولوجية هنا رؤية غير تاريخية للتاريخ تدفعها مواقف انحياز دينية أو سياسية. وما فعلته هذه القبضة الأيديولوجية هو أنها تحجب الحدث الأول: الجوع والموت والرحيل القسري. الأسر التي مُزقت والذوات التي تم شحنها للمشاركة في حرب لا تعلم عنها شيئاً. فتغطي القبضة الأيديولوجية كل هذا لتُبقي في المشهد ما تراه هي مهماً فقط.
ولفت إلى أنه في حالة «سفر برلك» كان المهم أن الدولة العثمانية كانت دولة الإسلام وأن الخروج عليها كان خروجاً على الحاكم الشرعي، وبالتالي انتقل الحديث لصراعات ثيولوجية تبتعد عما حدث مع كل جملة جديدة يُنطق بها، وهناك في المقابل تاريخ مختلف يتمثل في عودة لما حدث لا لتبريره أو لوضعه في سياق أعم بالضرورة ولكن للاقتراب أولاً مما حدث.
وقال؛ لا يعني هذا بالضرورة أن هذا التاريخ لا علاقة له بالسياسة ولا بالأيديولوجيات، فكل عمل تاريخي مرتبط بالضرورة بكل هذا ولكنه يعني أن هذا التاريخ سابق على كل هذا أو على الأقل أنه يدرك أنه لا يمكن استغراق ما حدث بالتأويلات الأيديولوجية. وبالتالي فهو يتجاوز أهداف الأيديولوجيات كذلك من خلال عمله على العودة للخبرات الأولى وللحكايات في حدوثها الأول قبل أن تكون مفهومة أو ذات دلالة واضحة.
وأضاف؛ هنا يلتقي التاريخ بالفن والفلسفة والأدب. على مستوى التجربة الأولى التي تكشف الشرط الإنساني ومعضلة العيش، وهذه النافذة المختلفة على التاريخ ليست محصورة في المآسي الإنسانية الكبرى كحصار المدينة و«سفر برلك» ولكنها ممتدة للحياة على اتساعها المتجاوز للأطر الأيديولوجية.
ويذهب إلى أنه غدا لدينا تاريخ الفنون والأزياء والكلمات والأطعمة والألوان والنكهات. تاريخ للسامري والدحّة والخطوة والقلطة والعرضة. تاريخ للكبسة والمنتو والهريس وقرص البرّ المدفون في الجمر. تاريخ للشماغ وعصبة الراس وسلالات الإبل. تاريخ للكلمات وللسيول والنباتات والعمران. تاريخ لأغاني البحارة والفلّاحين وتراتيل البدو الرحّل ودموع المتهجّدين. تاريخ للطرق القديمة وللسيارات وللعطور ولتسريحات الشعر ولموضات الشباب وزبرقات السيارات والسياكل. تاريخ للنخيل والسدر والرمث وللأودية والمياه التي حفرتها عبر القرون. تاريخ للعلاجات الشعبية، للسعوط والحلتين والمرّة. للكوي والأساطير الشعبية التي حملت معها آمال الشفاء. تاريخ لتهاويد الأطفال ونداءات الباعة. تاريخ لبلل السقّاء وليد الحطّاب ولأقدام الفلّاح وحسابات الدكاكين.
مؤكداً أن في كل هذا تتحقق الحياة السابقة وتنجح في فلترة الأيديولوجيا، لتعيش الذاكرة الشعبية وما يدخل فيها من تصور الناس لذواتهم وحياتهم وعلاقتهم بالأرض والناس الذين سبقوهم عليها.
مبدياً ملاحظة على انفراجات بسيطة في هذه النوافذ على التاريخ ويبدو أننا معها بحاجة إلى مساحة أوسع للدراسات التاريخية المنطلقة من تصورات واسعة للإنسان والحياة والوجود البشري. دراسات تتجاوز السرد الموجّه للأحداث السياسية إلى الحياة بمعناها الأوسع. كون لمثل هذا التاريخ أثر مهم في علاقة المجتمع بالطبيعة والتاريخ والأرض. هذه العلاقة التي يُراهن عليها في تقوية أواصر الانتماء والحب والعطاء كما أنها كفيلة بالعمل في الاتجاه المضاد لنزعات الانحيازات الذاتية والانغلاقات العنصرية والعصبية.
كما في هذه المساحات من التاريخ مشترك إنساني جوهري يعوّل عليه كثير للترحيب بزوار هذه الأرض الجدد سواء من الزوّار أو من الأجيال الجديدة التي تولد كل يوم. ومن مهمات كل جيل أن يرحّب بالقادمين الجدد، وليس الترحيب إلّا أن تكون الذات صلة بين القادم الجديد والمكان بكل ما فيه من حكايات وتاريخ.