أخبار

محمد جابر الأنصاري: المربيات والانبهار صنعا جيلاً لا يُحسن «العربية»

محمد جابر الأنصاري.

عرض: علي الرباعي Al_ARobai@

يؤكد المفكر البحريني الدكتور محمد جابر الأنصاري؛ أن للثقافة طبيعة خاصة تختلف عن الاقتصاد. موضحاً في سياق رؤية لتطوير الجامعة العربية؛ أن عليها التحول إلى «يونسكو عربية» تنظر في ما يجمع العرب من موروث ثقافي لتفادي التناقضات السياسية والمصالح الإقليمية.

وتطلّع للبدء بالخطوات الإيجابية، ومنها أن نتفق على طبيعة الأخطار والمحاذير التي تواجهها اللغة العربية، والإجماع على إصدار قوانين عربية مشتركة ملزمة تتناول دعم اللغة العربية بصفة خاصة، لأنه يستحيل تصور ثقافة مزدهرة بينما لغتها تتراجع.

ولفت صاحب (الفكر العربي وصراع الأضداد)، إلى أن جيله بحكم ما تعود عليه من استخدام للغة العربية في مختلف الوسائل، ربما لا يرى تلك الأخطار المحدقة بلغة الضاد إذا انساق وراء ما اعتاد عليه؛ من انتشار لغوي في الصحافة والفضائيات والكتب.

وعدّ الأنصاري عجز جيل عربي جديد لا يحسن استخدام لغته الأم خطراً على اللغة؛ وعزا العجز إلى استقدام المربيات الأجنبيات، وانبهار الوالدين بالتحدث باللغة الأجنبية، وتأثير المدارس الخاصة التي أصبحت مقصد النخب العربية. إضافة لكون المدارس العامة أخفقت في تدريس العربية، وربما شهدت هبوطاً لا يبشر بخير، وتساءل: ماذا سيكون الحال عليه عندما يكبر هؤلاء العرب الصغار ويتولون المسؤولية، ويتحتم عليهم مخاطبة مجتمعاتهم وقيادتها وبنائها والتخاطب المشترك فيما بينهم.

ويرى الأنصاري، أن اللغة عنصر حيوي لكيان الأمة، ووجودها؛ وأن اللغة العربية بالذات هي التي حددت الوجود العربي ورسمته. فالعروبة اليوم، ومنذ القدم لم تعد انتماءات قبلية، «فالعربية اللسان»، كما ينسب للنبي العربي الكريم، و«هي ليست بأم وأب لأحدكم. إنما العربية اللسان»، كما أن الحدود اللغوية هي التي تحدده في غياب أي اعتبار آخر. ولذا لا تدخل تركيا أو إيران أو الحبشة مثلاً في هذا «الوطن»... بحكم أن عامل اللغة هو العامل الحاسم في هذه التحديدات.

ويذهب إلى أن «العلوم»، التي هي مقومات التقدم في هذا العصر، وفي كل العصور، لا تنفذ إلى عقول طلبتنا الجامعيين بلغتهم الأم، بل يدرسونها بخلاف أمم عديدة لا يتجاوز عددها عشرات الملايين بلغات أجنبية، وأدرج عدم تدريس العلوم بالعربية ضمن أسباب تخلف العرب العلمي، كون «العلم» لا يمكن أن يدخل عقل أمة بغير لسانها، مستعيداً نموذجاً اعتمدته (إسرائيل) ذات الملايين القليلة، إذ بادرت إلى إحياء لغتها العبرية الميتة، فأصبحت لغة التخاطب والرسميات والعلوم، عقب قرون ظلت فيها مدفونة في القواميس... فلماذا القصور قصور «عربي» فحسب...، ويراه قصوراً في الإرادة قبل كل شيء.

ولم يبرئ الأنصاري ساحة أكثر الأساتذة العرب في الأقسام العلمية باعتبارهم أعدى أعداء التعريب ولا يريدونه! مشيراً إلى أن طلاب العلوم والطب والهندسة، بالذات، طلبة متفوقون أصلاً... ولن يعجزهم دراسة لغتهم العربية واللغة الأجنبية في وقت واحد، والمقصود من الدعوة إلى تعريب دراسة العلوم ؛ ليس محاربة أية لغة أجنبية.

وعدّ ازدهار الثقافة العربية، في أساس المد القومي العروبي ازدهاراً طبيعياً، وغدت مجلة «الرسالة» التي كان يصدرها أحمد حسن الزيات ملتقى المثقفين العرب ليس في مصر وحدها، وإنما في أقطار المشرق والمغرب، واجتمع حولها مثقفون عرب من سائر الأقطار العربية، وعقب توقفها ظلت مرجعاً لا غنى عنه لكل من أراد «التأريخ» للثقافة العربية الحديثة، لافتاً إلى أن «الجوائز» لا يمكن أن تولّد ثقافة مزدهرة... فما أكثر هذه «الجوائز» في حياتنا العربية وأقطارنا العربية، وما أقل ما حققناه من ازدهار ثقافي.

وأوضح الأنصاري، أن فلسفة «الوسطية» بحاجة إلى إشباع فكري حر بعيد عن الرسميات. ولا أرى في المحيط الثقافي العربي جهداً فكرياً تأصيلياً باتجاه تبني تلك الفلسفة أو استبعادها، داعياً إلى طرح تلك التوجهات الفكرية العامة على مفكرين ومثقفين من أهل الاختصاص والخبرة لمناقشتها بحرية، والتوصل بشأنها إلى اقتناعات يمكن أن تكون راسخة، ولو بعد حين.