الصدمة الكهربائية بالطريقة التركية!

كاظم الشبيب

لا يهدأ المسرح التركي من النشاط. والمجتمع التركي لا يتوقف أيضاً عن التفاعل مع مواقف وأفكار رجالات المسرح سواءً كانوا من الأحزاب الحاكمة أو المعارضة. الجديد في الأمر, الذي يُعد بمثابة المفاجأة, لأن ما حدث أولاً قد جاء به رجل المسرح الأول, الرئيس التركي عبدالله غل. من جهة أخرى, يشكل ما جرى موقفاً نوعياً لأنه يأتي في ظل حكومة حزب العدالة والتنمية بصبغته الإسلامية, وهو ما لم يتوقعه أغلب الأتراك حكومة وشعباً!
يبدو أن حزب العدالة والتنمية يتعامل ويعالج بعض الملفات الشائكة بالصدمات الكهربائية التي تباغت كل تفاصيل الجسد بحيث تتوقف حتى القوى العضلية, كالجنرالات في الوضع التركي, في حالة من الذهول المفضي للجمود أو انتظار ما ستؤول به الأيام من نتائج. تبرز تلك الصورة عندما يتابع المرء الزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس التركي يوم السبت الماضي لأرمينيا التي تعيش هي وتركيا قطيعة دبلوماسية وسياسية منذ 15 سنة في اعقاب احتلال أرمينيا لاقليم ناجورنو كاراباخ بأذربيجان, ناهيك عن مشكلة تاريخية بينهما منذ أكثر من قرن من الزمن...
جاءت الزيارة استجابة لدعوة قدمها رئيس أرمينيا سيرج ساركسيان لحضور مباراة في كرة القدم بين منتخبي البلدين في اطار التصفيات المؤهلة لكأس العالم2010. بيد أنها أحدثت صدعاً في الرأي العام التركي, كما اشارت الصحف التركية, إلى أن نحو 60% يعارضون الزيارة, بل رفض جل أعضاء البرلمان من الحزب الحاكم حضور المبارة عن الحزب! وكذلك هو حال المعارضين للزيارة في أرمينيا.
لن يكون ذاك الموقف المفاجئ هو الأخير من جعبة الحكومة التركية القائمة. فسنوات الحكم الأخيرة كانت حبلى بالمواقف المصطبغة بنكهة الانعطافات الحادة ولكنها مُبهرة وايجابية, والأهم إنها تصب في مصلحة الشعب التركي والحكومة التركية, وإن كانت هناك خشية وحساسية عند بعض الساسة الأتراك والأجانب من قدرة حكومة حزب العدالة والتنمية من الاستمرار في اللعب على حبل التوازن في جميع الملفات الساخنة. ملف الأكراد والحكومة العراقية. ملف معالجة بعض بنود الدستور, وبخاصة ما يمس منها جوهر المبادئ العلمانية ومظاهرها. ملف المفاوضات السورية الإسرائيلية. ملف عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي. ملف استمرار نجاح معدل النمو في الاقتصاد مع عدم التراجع في معدل التضخم. ملف المفاعل النووي الإيراني وعلاقاتها الأمريكية. أخيراً وليس ملف الحرب الروسية الجورجية الجارية على حدودها الشمالية الشرقية...
العلاقات التركية الأرمينية اتسمت بالتوتر خلال المائة سنة الماضية. فأرمينيا عانت عبر تاريخها من الحروب المباشرة ضد الأتراك والفرس. وقد خضعت لحكم العرب في القرن السابع الميلادي. وقاست ويلات حروب بين الأخرين على أراضيها, بين الفرس والترك, ثم بين الروس والعثمانيين, فاستولت روسيا على القسم الشرقي منها عام 1829م وبقي القسم الآخر خاضعاً للعثمانيين الذين واجهوا محاولات الأرمن للتحرر, فتوالت عليهم المذابح واحداث القتل والتهجير التي اتخذت صورة الإفناء الجماعي, وكان أشدها فتكاً عام 1894, 1896, 1915و1916م.
لا تزال ذكرى ضحايا الطرفين, الأرمن والترك, عالقة في العقول والنفوس, مما تحول إلى عقدة تاريخية وعقبة أمام تطور العلاقات بين البلدين. فموقع أرمينيا الجيواستراتجي, بين أسيا وأوروبا, جعلها دائماً منطقة مضطربة تتصارع عليها الأمبراطوريات والممالك, مما أبقى في التاريخ الحديث مشكلات بينها وجيرانها مثل تركيا. منها: المشكلة الحدودية, ومشكلة أقلية أرمينية تعيش في تركيا تطمح أن تعود للحضن الأرميني الأم ما قبل عام 1920م عندما أصبحت جمهورية أرمينيا السوفيتية. اليوم يرغب ويطمع الأرمينيون الأتراك في العودة لديارهم أكثر من ذي قبل حيث حصلت الجمهورية الأرمينية على استقلالها عن الاتحاد السوفيتي في سبتمبر من عام 1990م. سكانها تجاوز تعدادهم 4 ملايين نسمة, 90% منهم من أصول أرمينية وهي غالبية تابعة للكنيسة الأرثوذوكسية الشرقية, وفيها أقليتان, كردية وروسية.
الصدمة الكهربائية المفاجئة هي طريقة مبتكرة لمواجهة نظرية «العقدة التاريخية» عند طرفي العقدة, أرمينيا وتركيا, سياسياً. أما اداتها فهي «دبلوماسية الرياضة». فتشدد مجمل المجتمع تجاه أمر ما قد يكون جراء شحن سلبي مما يجعله بحاجة إلى صدمة معاكسة تُفرغه من الشحنات السلبية. فهل يفوز عبد الله غل في مباراته مع مجتمعه, معولاً على ثقافة الانفتاح التي تجتاح الطبقة الوسطى من الشعب التركي, كما فاز منتخبه الكروي على منتخب أرمينيا 2-0؟ أم يخسر الرئيس الأرميني أمام مجتمعه المشحون سلبياً ضد كل ما هو تركي بما فيهم الطبقة الوسطى؟
kshabib@hotmail.com


للتواصل ارسل رسالة نصية sms إلى الرقم 88548 تبدأ بالرمز 141 مسافة ثم الرسالة