كتاب ومقالات

الجرادة عينها في جنبها

علي بن محمد الرباعي

أيقظ العريفة زوجته، لتلحق بالصرامة، فقالت، اصبح، ما بعد طلع الفجر، فقال، البيضاء ينصبونها للي يبدي أوّل الناس ما هو للي يجي متلّي، فتلبست، واخترجت محشها من جنب الجدار وسرحت، فيما تولى بنفسه جمع المواعين، الطافحة بقُطّار المطر، وصبها في الطشت اللي تحت القِربة، المعلّق في الوتد، وفتح باب الشقيق، مردداً، يا الله سِرّها وقِرّها.

قرّب الدلّة من شق الملّة الساخن، ونفض الرماد عن قرص المشعورة، وفك مشبك الثوب، وأدخل كفه في صدره، وأخرج من كمره، مفتاح دولابه الخاص، وشدّ الدرفة بحذر، وانتخش من العدلة خمس تمرات صفري، كأنهن الجواهر، وقصد سرير أمه، المجاور للشباك، المُطلّ على وادي القرية الشرقي، والعجوز تسوي نفسها نايمة، وتراقب الابن من طرف خفي، فقالت، وشبك ما احتفشت ثوبك، واستخرجت مفتاحك، فقال، الله يصبحك بالخير، مانيب ولد حرام اكشف عورتي قدام أمي، فأعجبها الرد، وقالت، زيّنك الله بحياك، وأصلح لك ذِراك.

لقّمها ثلاث تمرات بالغصب، وشتف لها من القرص، فأخذت منه لقمة وردت الباقي، صائحة، عُقّ، عق، متعتهم في ذا البيت ما تنذاق، يكبون الملح كبّ، والناس ما يملّحون إلا للغنم والثيران، فزادها تمرة، وهي تردد، كان، كان، والله إنها من نصيبك، فصبّ لها القهوة، في فنجالها الخشبي المنقوشة أطرافه بزخرفة المكارمة، وأكل تمرتين، واصطب له، فقالت له، افتح الخلف، نشوف الله وخلقه.

دخل السفر من البداية، ونظرت إليه بعين عاطفتها، وسألته، وشبك ما عجبتني خلقتك، وكن خاطرك ما شي هيله؟ فأجابها، لي كم ليلة أتحلّم بحلم كله تهاويل، فطلبت منه يليح الباب، ويعبر حلمه عليها، فقال، فأر كما الحمار قاعد لي في كل مشوار، وفي يدها مسبحة فخرطتها، وقالت، شرّ بغاك واخطاك، ولغيرك تعداك، وتمتمت بكلمات ونفثت في كفها ومسحت رأسه وصدره، وقالت، إذا جيت ترقد، لصّق باطن زنوبتك في بعضها وحطها تحت رأسك.

هبّت رياح خفيفة، فسأل العريفة أمه، وش انحن فيه من النجوم، فقالت، قِران حادية، الثريا بادية، والناقة لحوارها منادية، وجنب الما تفطر الكادية، وأضافت، ونصيحة أمك لك، تحطها حلقة في إذنك، إذا هبت البحرية، فارفع البطانية، ولا تطاوع الصبيّة، واحتزم بالجنبيّة، وتناوش البريّة، وإذا هبّت الشامية، فأخرج الذرة العامية، وتلحف بالمصانف التهامية، وتخفّس في مرقة ديكية، وإن هبّت النجدية فاكتب الوصيّة، وغلّق العُليّة، واركب المطيّة، واطلب من الأجواد الحذيّة، وإذا هبّت اليمانية، فالتبس البيدية، وتلقّم المثريّة، وتقهو بُنّ خولانية، وارقد نصّك في الشمس، ونصّك في الفيّة.

ضحك من الوصايا، وعلّق، يوصّي الموصّي ويعيا الوارث، وفي غمرة البسمات، والسوالف الحاليات، وإذا بالداعي من الحوش يدعي (يا عريفة، يا عريفة، ولّم الضيفة، وافرش القطيفة، وزبّط الكيفة) عرف الصوت، وقال، يالله منك الشُبرة وفيك الشيفة، فقالت الأُم، كنه صوت آخوك (ناشب) فقال، والله هذا ما هو ناشب، إلا واصل إلى أُم التخوم، ليتك اخترت له اسم يفكنا من نشباته.

ترجّته يقوم يفتح له، ويبدي له الوجه الراضي، فقال، ولدك ذيه، كما العنز اللي مات سخلها، وضرتها بتنفقع من الحليب، وما لها من يحلبها، ترضّع الخلق من شق وطرف، وتعوّد ترضع نفسها: وإذا جفّ الحليب، وانشلت ديوسها تآذي الأوادم بسرافتها، وش حدّي فيه، فقالت، خشمك منك ولو كان أجبع، وإذا استثور أخوك فاستبقر.

دفع ناشب الباب، وعدّى، تمدد فوق الجاعد، وقال، قهوني يا عريفة، وإلا ما تقهوي إلا الفقيه والمؤذن، كمّن، واحد يكتّب لك الحِجج والأحجبة، والثاني، يشهد لك زور، فتبسم العريفة ووضع إبهامه على أنفه، وقال: (والله يا اللي ما يقهوي خوه وبني عمه، ليقهوي واحدٍ ما ينطري بين القبايلي)، وبعد الفنجال الثالث، كبّ الجثل فوق الجمر، وطلب الحمارة يهبط عليها، قال، عساها فداك، ولو ما تشيلك أشيلك على أكتافي، فاغتنم الفرصة وزاد، والله ما مع أخوك ما يتنبك به، فأخرج ريال فضة، وقال، تتنبك وادع على من ظلمك، فقال، ما ظلمني إلا إنت، أخذت العرافة، وخليتني كما زنبيل أم خبيل، يهبط فاضي ويصدر تصفر فيه الرياح، ويوم شافه بيزعل، قلبها مزحة، فقالت الأم، لو العرافة عندك كان لعبت شمطة، والرفاقة حولك يا حاجيك يا باجيك، طرّت عصمة بين آذانيك، وترى من قارب الجربان يجرب ذوده، ومن حلّ في وادي الهيام يهيم، وفيدتك في حياتك (يا فضيلة عمّري الغليون).

قام (ناشب) منفعلاً، ونزل للسفل، افتك الحمارة، وشدّ عليها حلسها، وركب، وتواسى، ثم نغزها في جنبها بكعب رجله، مردداً من طرف شدقه، صوتاً يشبه نقيق الضفادع، وخرجت أمه فوق جناح البيت، لتوادعه فلقّاها، غبار حمارته، ولمحت البرق على الفيوض، فقالت، قرّب بعيده، وارزم رعيده، وغزّر مديده، يا راحم عبيده، فردد العريفة من خلفها، الله يسمع دعاك، فردّت، ويعدى من عاداك.

انشغل (ناشب) برصد ملاحظاته، على شقيقه العريفة، يطوف القرية، من أسفلها إلى أعلاها، محصياً معايبه، ومعدداً مثالبه، ومعه من ينفخ له في شكوة الحسد، وكلما عزم العريفة وضيّف، قال، ما تجمّل إلا بُرشدي، ولو ما هوب أنا جمّلت عليه، وإن فك أخوه نشبات، قال، ما شار عليه إلا أنا، وما يبرد كبده إلا ناشب، ونقّال الهروج بينهما يجيب ويودّي، والعريفة، ما وده يضحك عليهم الشامتين.

وصلت مع العريفة حدّها، فقال، ياخي تراني فحيت فيك، إنته كما حجر الجلة لا وجه ولا قفا، وما هلا تلحقني بالهروج، وكلما احتركت قلت، العريفة ما عليه منا ولا درى عنا لو إنا في جهنم الحمرا، ما كنك لحم ودم ومن عصب الكف، وعظم الرقبة، وأنا أدرى على قيمتي، وشيمتي بين جماعتي، فردّ عليه، القيمة بعيدة عن وجهك يا القمامة، ما عزّك ورزّك إلا ناشب.

اشتكى على أمه من أخوه، فقالت، بعض الناس يأخذ شرّه بأيده، وخلّ العقل منك، وما يوزوز له وينعثل الروايا إلا بنت مشمّل الحمير، وأضافت، ما تضيق العين إلا مِن ملاها، والجرادة عينها في جنبها، والجمل عينه ورا الجبال.