عام الشعر العربي.. موسم الجمال
الاثنين / 11 / شوال / 1444 هـ الاثنين 01 مايو 2023 00:01
نجيب يماني
إنّ من الأسباب القوية التي تمنح رؤية المملكة 2030 وقود الاستمرار، والقدرة على إنفاذ إستراتيجيتها على النحو المرسوم، هو «الوعي» المستنير والمدرك لماهية التأصيل، والمعاصرة، والتأسيس عليها في حركة الانطلاق نحو المستقبل.
فلم تأتِ هذه «الرؤية» لتقفز قفزات فوق حاجز التاريخ لتصنع واقعًا جديدًا، منقطعًا عن ماضيه مما قد يتراءى للبعض من مظهر الوثبات والانتقالات التي شهدها المجتمع السعودي، في شتى المجالات، وبخاصة في المظهر الاجتماعي، ولو أمعنوا النظر، ودققوا فيما يحصل لأدركوا ببساطة أن هذه التمظهرات التي يحسبونها جديدة، إنما هي في واقع الأمر، عودة إلى جذور قديمة، ومرتكزات اجتماعية أصيلة، قامت عليها الأواصر بين قطاعات المجتمع في هذا الوطن الحبيب، وإنما ران عليها طائف من غوائل الأفكار المتطرفة، والآيديولوجيات المفخخة، فغيّر من ملامح المجتمع ردحًا من الزمن، حتى عادت «الرؤية» لتجلو هذا الصدأ، وتعيد الحياة إلى طبيعتها.
ولهذا فإن النظر القاصر الذي يرى في هذه الرؤية المباركة تطلعًا نحو المستقبل منقطعًا عن الأصول والمرتكزات الأصيلة، لا بد أن يرجع البصر كرتين، ويقرأ «الرؤية» على مساق التواصل الممتد، ولينظر إلى برامجها العديدة التي استحدثتها في سبيل المحافظة على التراث والحضارة في وطننا، من إحياء للمواقع الأثرية، وعلى رأسها مشروع عرّاب الرؤية الأمير محمد بن سلمان لتطوير المساجد التاريخية، وغيرها من المشروعات والبرامج التي تضرب بسهم وافر في المحافظة على التراث، وربط قيم الماضي بتطلعات الحاضر، ووثبات المستقبل.. ومن ذلك تسمية عام 2023 عامًا للشعر العربي، فهذه التسمية تنتصر لمكون ثقافي وإرث عربي قديم، ارتبط أشد الارتباط بالجزيرة العربية، فعلى اختلاف المصادر التاريخية حول الشعر العربي وأصوله القديمة، ونشأته الأولى، فإن المتفق عليه أن الجزيرة العربية تعد ركنًا ركينًا في مبدأ الشعر العربي، ويكفي الذاكرة الإنسانية أنها تحفظ لهذه الأرض أنها كانت مقصد الشعراء والأدباء والمفوّهين من الخطباء في مواسمهم القديمة للتباري في طرح شعرهم، وتدبيج خطبهم، ومبارزة رصفائهم برصين المنثور والمنظوم، فاشتهرت في سمع الزمان الأسواق العربية التي كانت مركزًا للتجارة ومحفلاً للأدب، ويكفي أن المشتهر فيها كان في أرض الجزيرة العربية، مثل أسواق: عكاظ، والمشقر، وذي المجنة، ودومة الجندل، وذي المجاز، وغيرها.. فكلها كانت محافل للأدب، تضاف إلى اشتهار الشعر في العهد الموصوف بـ«العصر الجاهلي»، وذيوع صيت المعلّقات، التي أخذت اسمها من نشرها على أستار الكعبة المشرفة، فكل هذا التاريخ الموثّق، والضارب في القِدم، يجعل من أرض المملكة مرجعًا وموطنًا ومنطلقًا للشعر العربي، منه تصدر، وإليه تعود، وبهذا تكتسب فعالية «عام الشعر العربي» أهميتها، من واقع ما صاغته من رؤية لها تتمثل في تقديم «شعرٌ عربيٌ أصيل، ذو ماضٍ عريق، وحاضر حي، ومستقبل مزدهر»، مستهدفة برسالتها «إحياء تاريخ الشعر العربي العريق، وتعزيز حضوره في الحضارة الإنسانية، وإرساء قواعد ثرائه المستقبلي، وإحلاله مكانته المستحقة بين آداب العالم وفنونه»..
إنّ هذه الرؤية؛ ضميمة للرسالة المشار إليها، تنسجم تمام الانسجام مع مستهدفات «الرؤية»، وهو عين ما أكده وزير الثقافة الأمير بدر بن فرحان، بالقول: «.. وانطلاقًا من رؤية السعودية 2030، التي يقودها سمو ولي العهد، يحفظه الله، نسعى في وزارة الثقافة إلى تعزيز هذه المكانة للشعر العربي في ثقافة الفرد، والتأكيد على مكانته الكبيرة في مدار الشعر الإنساني بشكلٍ عام، وإثراء الإبداع الشعري المتطور والمستدام بكل قوالبه وأشكاله، ونفخر بإبراز المكوّن الحضاري الشعريّ العربي المتميز عن بقية الفنون بكونه وعاء الحكمة والمعرفة والتأثير الاجتماعي الأكبر، وتجذره في تاريخ الجزيرة العربية، كما نعتز بقيمة الشعر السعودي المعاصر ومكانته البارزة على مستوى العالم العربي»..
إن هذه الفعالية تضع الشعراء ومحبي الشعر أمام تحدٍ كبير، من واقع أن هذا اللون من الأدب والثقافة، يشهد حالة من الضمور والانحسار بشكل لافت، في ظل مزاحمة الأدب السردي، وانتشار الروايات والقصص والخواطر المرسلة، وامتلاء أرفف المكتبات بها، بجانب عزوف الناس عن ارتياد الأمسيات الشعرية، وانقطاعهم عن متابعة وقراءة الدواوين، حتى تجرّأ بعضهم إلى استبدال مقولة «الشعر ديوان العرب» بعبارة «الرواية ديوان العرب»، في مجازفة تاريخية لا تنهض على ساقين..
والحال كذلك؛ فإن مسؤولية استنهاض دور الشعر في المجتمع السعودي، واستثمار هذه الفعالية؛ «عام الشعر العربي» تقع على عاتق المؤسسات الثقافية والأدبية أولاً، ثم الشعراء ومحبي الشعر، ببذل مزيد من الجهد وتغيير الأنماط المتكلسة في الطرح، واستحداث وسائل وطرق جديدة تجعل الشعر جزءًا من الهم اليومي، وحاضرًا في حياة الناس، وليس فعلاً صفويًا، ومستهدفًا يخص طائفة دون أخرى، مستذكرين أهمية دور الشعر قديمًا في حياة المجتمعات حين كان الشاعر لسان أمته، والشعر بمثابة وزارة إعلام، وخط دفاع معنوي للمنافحة، فاكتسب بعدًا تجاوز الجانب الأدبي إلى المعترك السياسي والاجتماعي، فكم من بيت شعر هبط بقوم إلى الحضيض، وكم من قصيدة علت وسمت بآخرين إلى آفاق الثريا والجوزاء، وكراسة الأدب العربي شاهد ودليل.. فإن لم يكن ثمة سبيل إلى عودة الشعر إلى تلك المكانة الرفيعة في المجتمع، فلا أقل من أن يكون ماثلاً في حاضرنا بقيم الجمال المطلق، والإبداع الذي يجمّل حياتنا بالخير والفضيلة والحب، ومستطاب المشاعر والإحساس.
فلم تأتِ هذه «الرؤية» لتقفز قفزات فوق حاجز التاريخ لتصنع واقعًا جديدًا، منقطعًا عن ماضيه مما قد يتراءى للبعض من مظهر الوثبات والانتقالات التي شهدها المجتمع السعودي، في شتى المجالات، وبخاصة في المظهر الاجتماعي، ولو أمعنوا النظر، ودققوا فيما يحصل لأدركوا ببساطة أن هذه التمظهرات التي يحسبونها جديدة، إنما هي في واقع الأمر، عودة إلى جذور قديمة، ومرتكزات اجتماعية أصيلة، قامت عليها الأواصر بين قطاعات المجتمع في هذا الوطن الحبيب، وإنما ران عليها طائف من غوائل الأفكار المتطرفة، والآيديولوجيات المفخخة، فغيّر من ملامح المجتمع ردحًا من الزمن، حتى عادت «الرؤية» لتجلو هذا الصدأ، وتعيد الحياة إلى طبيعتها.
ولهذا فإن النظر القاصر الذي يرى في هذه الرؤية المباركة تطلعًا نحو المستقبل منقطعًا عن الأصول والمرتكزات الأصيلة، لا بد أن يرجع البصر كرتين، ويقرأ «الرؤية» على مساق التواصل الممتد، ولينظر إلى برامجها العديدة التي استحدثتها في سبيل المحافظة على التراث والحضارة في وطننا، من إحياء للمواقع الأثرية، وعلى رأسها مشروع عرّاب الرؤية الأمير محمد بن سلمان لتطوير المساجد التاريخية، وغيرها من المشروعات والبرامج التي تضرب بسهم وافر في المحافظة على التراث، وربط قيم الماضي بتطلعات الحاضر، ووثبات المستقبل.. ومن ذلك تسمية عام 2023 عامًا للشعر العربي، فهذه التسمية تنتصر لمكون ثقافي وإرث عربي قديم، ارتبط أشد الارتباط بالجزيرة العربية، فعلى اختلاف المصادر التاريخية حول الشعر العربي وأصوله القديمة، ونشأته الأولى، فإن المتفق عليه أن الجزيرة العربية تعد ركنًا ركينًا في مبدأ الشعر العربي، ويكفي الذاكرة الإنسانية أنها تحفظ لهذه الأرض أنها كانت مقصد الشعراء والأدباء والمفوّهين من الخطباء في مواسمهم القديمة للتباري في طرح شعرهم، وتدبيج خطبهم، ومبارزة رصفائهم برصين المنثور والمنظوم، فاشتهرت في سمع الزمان الأسواق العربية التي كانت مركزًا للتجارة ومحفلاً للأدب، ويكفي أن المشتهر فيها كان في أرض الجزيرة العربية، مثل أسواق: عكاظ، والمشقر، وذي المجنة، ودومة الجندل، وذي المجاز، وغيرها.. فكلها كانت محافل للأدب، تضاف إلى اشتهار الشعر في العهد الموصوف بـ«العصر الجاهلي»، وذيوع صيت المعلّقات، التي أخذت اسمها من نشرها على أستار الكعبة المشرفة، فكل هذا التاريخ الموثّق، والضارب في القِدم، يجعل من أرض المملكة مرجعًا وموطنًا ومنطلقًا للشعر العربي، منه تصدر، وإليه تعود، وبهذا تكتسب فعالية «عام الشعر العربي» أهميتها، من واقع ما صاغته من رؤية لها تتمثل في تقديم «شعرٌ عربيٌ أصيل، ذو ماضٍ عريق، وحاضر حي، ومستقبل مزدهر»، مستهدفة برسالتها «إحياء تاريخ الشعر العربي العريق، وتعزيز حضوره في الحضارة الإنسانية، وإرساء قواعد ثرائه المستقبلي، وإحلاله مكانته المستحقة بين آداب العالم وفنونه»..
إنّ هذه الرؤية؛ ضميمة للرسالة المشار إليها، تنسجم تمام الانسجام مع مستهدفات «الرؤية»، وهو عين ما أكده وزير الثقافة الأمير بدر بن فرحان، بالقول: «.. وانطلاقًا من رؤية السعودية 2030، التي يقودها سمو ولي العهد، يحفظه الله، نسعى في وزارة الثقافة إلى تعزيز هذه المكانة للشعر العربي في ثقافة الفرد، والتأكيد على مكانته الكبيرة في مدار الشعر الإنساني بشكلٍ عام، وإثراء الإبداع الشعري المتطور والمستدام بكل قوالبه وأشكاله، ونفخر بإبراز المكوّن الحضاري الشعريّ العربي المتميز عن بقية الفنون بكونه وعاء الحكمة والمعرفة والتأثير الاجتماعي الأكبر، وتجذره في تاريخ الجزيرة العربية، كما نعتز بقيمة الشعر السعودي المعاصر ومكانته البارزة على مستوى العالم العربي»..
إن هذه الفعالية تضع الشعراء ومحبي الشعر أمام تحدٍ كبير، من واقع أن هذا اللون من الأدب والثقافة، يشهد حالة من الضمور والانحسار بشكل لافت، في ظل مزاحمة الأدب السردي، وانتشار الروايات والقصص والخواطر المرسلة، وامتلاء أرفف المكتبات بها، بجانب عزوف الناس عن ارتياد الأمسيات الشعرية، وانقطاعهم عن متابعة وقراءة الدواوين، حتى تجرّأ بعضهم إلى استبدال مقولة «الشعر ديوان العرب» بعبارة «الرواية ديوان العرب»، في مجازفة تاريخية لا تنهض على ساقين..
والحال كذلك؛ فإن مسؤولية استنهاض دور الشعر في المجتمع السعودي، واستثمار هذه الفعالية؛ «عام الشعر العربي» تقع على عاتق المؤسسات الثقافية والأدبية أولاً، ثم الشعراء ومحبي الشعر، ببذل مزيد من الجهد وتغيير الأنماط المتكلسة في الطرح، واستحداث وسائل وطرق جديدة تجعل الشعر جزءًا من الهم اليومي، وحاضرًا في حياة الناس، وليس فعلاً صفويًا، ومستهدفًا يخص طائفة دون أخرى، مستذكرين أهمية دور الشعر قديمًا في حياة المجتمعات حين كان الشاعر لسان أمته، والشعر بمثابة وزارة إعلام، وخط دفاع معنوي للمنافحة، فاكتسب بعدًا تجاوز الجانب الأدبي إلى المعترك السياسي والاجتماعي، فكم من بيت شعر هبط بقوم إلى الحضيض، وكم من قصيدة علت وسمت بآخرين إلى آفاق الثريا والجوزاء، وكراسة الأدب العربي شاهد ودليل.. فإن لم يكن ثمة سبيل إلى عودة الشعر إلى تلك المكانة الرفيعة في المجتمع، فلا أقل من أن يكون ماثلاً في حاضرنا بقيم الجمال المطلق، والإبداع الذي يجمّل حياتنا بالخير والفضيلة والحب، ومستطاب المشاعر والإحساس.